تطوير المنظومة التعليمية في تونس

طوال السنوات التي تلت الاستقلال عن فرنسا عام 1956، بلغت منظومة التعليم في تونس عصرها الذهبي، إذ برزت فيه أسماء تونسيّة عظيمة، لكن سرعان ما أخذ مستوى التعليم منحى سلبيًّا، خاصة في تسعينات القرن الماضي، والذي جعل تونس تحتل المرتبة الـ84 عال

تطوير المنظومة التعليمية في تونس

الأناضول

طوال السنوات التي تلت الاستقلال عن فرنسا عام 1956، بلغت منظومة التعليم في تونس عصرها الذهبي، إذ برزت فيه أسماء تونسيّة عظيمة، لكن سرعان ما أخذ مستوى التعليم منحى سلبيًّا، خاصة في تسعينات القرن الماضي، والذي جعل تونس تحتل المرتبة الـ84 عالمًّا، والسابعة عربيًّا من حيث جودة التعليم، وذلك وفقًا لمؤشرات البرنامج الدولي لتقييم التعليم للعام 2016.

وأطلقت وزارة التعليم التونسيّة لتدارك هذا الوضع، عام 2015، حوارًا حول الإصلاح التربوي، عبر تشكيل لجنة تضمّ الوزارات ذات العلاقة، إضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني، وذلك لتقديم مقترحاتهم لإصلاح المنظومة التعليميّة المنهارة.

هذا التدني في مستوى التعليم الحكومي، يرجعه الخبير الدولي في إصلاح وبناء المنظومة التعليمية، إلى "سياسات خاطئة متبعة منذ عقود؛ وذلك لعدم وجود سياسة تربوية وطنية.

ويوجه الخبير التونسي أصابع الاتهام إلى التعيينات العشوائية في صفوف المدرسين، كذلك إلى تدهور البنية التحتية والموارد البشرية في المؤسسات التعليمية العامة.

وبحسب تصريح صحفي لوزير التربية التونسي، ناجي جلول، فإن "جملة من المشاكل والمصاعب المتراكمة قادت إلى اهتراء المنظومة التربوية وتراجع مستوى المدرسة التونسية".

ويؤكد كمال الحجام، وهو مدير عام المرحلة الابتدائية في وزارة التربية، أن "تونس تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم؛ ما يجعل الدولة تقارن بين ما كانت عليه مؤسساتها سابقًا وما أصبحت عليه اليوم؛ وهو ما يدعوها فعلًا إلى إصلاح جذري لنظام التعليم’. ويوجد في تونس 65 ألف مدرس في المرحلة الابتدائية، و911 ألف مدرس في المرحلتين الإعداية والثانوية، بحسب أحدث بيانات وزارة التربية.

ويتابع الحجام، في تصريحاته، أن "التعيينات الخاطئة في صفوف المدرسين أثرت سلبًا على النتائج الدراسيّة؛ لذلك تحاول الوزارة التركيز على تحسين كفاءة المدرسين، وإدخال تغييرات على المضامين التعليمية، فضلًا عن إيجاد فرص تعليم متكافئة بين التلاميذ بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية".

واقع المدارس العامة يعكسه أيضًا ما يسميه البعض في تونس "بهجرة التلاميذ" من هذه المدارس إلى مدارس خاصة يتحمل فيها أولياء الأمور تكاليف دراسة أبنائهم، وهو خيار برز خاصة في السنوات العشر الأخيرة، على أمل تلقي الأبناء تعليما أفضل، وتعلم لغات أخرى منذ الصغر، باعتبارها من أهم شروط الحصول على وظيفة.

ووفقا لأحدث أرقام وزارة التربية التونسية، يدرس قرابة مليون و93 ألف تلميذ في 6070 مدرسة عامة، هي 4562 مدرسة ابتدائية، و1508 مدارس بين إعدادي وثانوي، بينما توجد حوالي 320 مدرسة خاصة.

وعن الفرق بين المدارس العامة والخاصة، يرى الحجام أن "المدارس الخاصة تقدم إضافة للعائلة التونسية، تتمثل في توفير فضاء مدرسي يبقى فيه الطفل خلال الفترتين الصباحية والمسائية، أي طوال فترة عمل والديه، وهو ما لا توفره المدرسة العامة حاليًا... وهناك تفكير في إيجاد أنشطة ثقافية في المدارس العامة خلال فترة المساء’.

ويتابع المسؤول التربوي التونسي أن "المدرسة العامة اليوم، وبجانب الاهتمام بمضامينها المعرفية، تفكر في إيجاد خدمات اجتماعيّة وطبية من شأنها تحسين أوضاع التلاميذ؛ بما يساهم في تطوير نتائجهم الدراسية".

 

هناء بن عبد الله، وهي مديرة مدرسة "بوعبدلي" الخاصة في العاصمة تونس، تدعو أولياء الأمور إلى "التحرك سريعًا لإنقاذ أبنائهم من التعليم المتردي في تونس، ورفض النظام التعليمي الراهن". وتعتبر أن "الإصلاح يبدأ بمراجعة المناهج التعليمية، التي تتضمن موادا لا فائدة من إدراجها.. فبعض التلاميذ يرتقون من سنة دراسة إلى أخرى دون تحصيل نصف الدرجات الدراسية المطلوبة".

وعن الفرق بين المدارس العامة ومدرسة "بوعبدلي" الخاصة، تقول مديرة المدرسة: "نضع المدرسين في عملية تأهيل مستمرة طيلة السنة؛ ليتعلموا كافة أساليب جذب انتباه التلميذ أكثر للدرس داخل الفصل، وتحفيزه أكثر للتعلم".

وترى أن "التوجه إلى التعليم الخاص يعود بالأساس إلى عدم مصداقية التعليم العام.. لكن عددًا مهما من الآباء لا يعنيهم سوى وجود مكان يضعون فيه أبنائهم طيلة وجود الوالدين في الدوام، وهو ما يتوافر في المدارس الخاصة".

لكن في المقابل، يقول نور الدين الجويني، وهو مدير مدرسة "نهج الهند" العامة بالعاصمة: "لدينا نماذج كثيرة في مدرستنا لرجال أعمال يمكنهم دفع أموال لتعليم أبنائهم في مدارس خاصّة، ولكنهم أعادوهم إلى هنا، إيمانًا منهم بأن التعليم العام هو الأفضل، ويعكس النتائج الحقيقيّة لمستوى التلميذ التعليمي".

ويزيد الجويني بقوله، إن "التعليم العام يبقى حاضنة للجميع، ويتمتع بدرجة رقابة عالية، حتى أن أعلى نسب النجاح في السنوات النهائية تكون لتلاميذ في التعليم العام.. ولابد من مراجعة النظرة السلبية إزاء منظومة التعلم العام".

 

التعليقات