نساء من الناصرة يطلقن مشروع "لن تشرق الشمس قبلي"

تقوم مجموعة من النساء النصراويات بتبني مشروع "لن تشرق الشمس قبلي" وهو مشروع رياضي ونشاط بدني ينحسر بين الساعة الخامسة والسادسة صباحا، فيه يستغل الإنسان هذه الساعة لنفسه من أجل شحذ طاقاته وتجديد نشاطه.

نساء من الناصرة يطلقن مشروع

مجموعة النساء النصراويات (عرب 48)

إذا التقيت بهن صدفة في ساعات الفجر، فاعلم أن الحي الذي تسكن فيه سيكون أجمل في الصباح.

تقوم مجموعة من النساء النصراويات بتبني مشروع "لن تشرق الشمس قبلي" وهو مشروع رياضي ونشاط بدني ينحسر بين الساعة الخامسة والسادسة صباحا، فيه يستغل الإنسان هذه الساعة لنفسه من أجل شحذ طاقاته وتجديد نشاطه.

هذا المشروع بدأه مدرب التنمية البشرية، أشرف قرطام، في مدينة حيفا منذ عدة أشهر، وسرعان ما انتقلت عدواه (الإيجابية) إلى مناطق أخرى ومن ضمنها مدينة الناصرة، إذ بدأ النشاط مختلطا بين غالبية نسائية وبعض الرجال ليتحول بعد ذلك إلى نشاط نسائي بحت تشارك فيه عشرات النساء والفتيات كل صباح.

"عرب 48" انضم إلى المجموعة النسائية في الناصرة التي نجحت في تطوير المشروع، ولم يعد مقتصرا على النشاط الرياضي فقط، إنما تحول لنشاط اجتماعي ووطني يهدف إلى التعارف والعمل على تنظيف شوارع المدينة وخصوصا في الأحياء التي تمارس فيها النساء هذا النشاط اليومي.   

بدأت المبادرة بفتاتين وشاب من أبناء الناصرة، وكان النشاط رياضيا مارسوا خلاله رياضة المشي والجري لعدة كيلومترات في المدينة، وفقط في اليوم الثالث له أصبح النشاط جامعا لعدد كبير من المنتسبين الجدد، إلا أن الأوساخ والنفايات المنتشرة على جانبي الطريق عرقلت عليهم النشاط، وعكّرت صفو الأجواء الهادئة حين كانت القاذورات تلامس أقدامهم، فراحوا يجمعون النفايات التي تعترض طريقهم.

نسرين شقحة، معلمة مدرسة انضمت إلى المشروع منذ نحو ثلاثة أشهر ولم تتوقف عن المشي برفقة المجموعة التي لم تكن تعرف أفرادها من قبل، وبنفس الوتيرة وربما بوتيرة أعلى بقليل كل صباح "قبل أن تشرق الشمس".

ما يميز المجموعة أنها تختار في كل أسبوع أو بضعة أيام مسارا جديدا لها بالتشاور فيما بين أفرادها. وقالت نسرين شقحة، لـ"عرب 48": "كنا في البداية في السالزيان ثم في حي شنلّر وحي النمساوي، واليوم نحن هنا في منطقة أبراج الناصرة".

نواة المجموعة

هناك نواة تلتزم يوميا بالمشي وهناك أخريات ينخرطن بالمجموعة من حين لآخر، حسب المنطقة، فالنشاط يتجدد والوجوه تتجدد أيضا. وأضافت شقحة: "نحن كلنا نساء عاملات. أنا معلمة وهناك موظفات أيضا، نستيقظ الساعة الرابعة والنصف فجرا ونبدأ بالسير الساعة الخامسة ونقوم بتنظيف المسار الذي نمشي فيه لغاية الساعة السادسة أو السادسة والربع ثم نعود إلى بيوتنا ونتهيأ ليوم عمل جديد. وفي نهاية الأسبوع نختتم النشاط بجلسة جماعية نتبادل فيها أطراف الحديث، ونتناول القهوة والشاي والفطور الخفيف أحيانا قبل نعود إلى بيوتنا".

لا انتقادات

تواجد مجموعة من النساء في ساعات الفجر وفي الأحياء المختلفة لا يعرضهن لانتقادات بل على العكس، كما قالت شقحة، إن "ردود الفعل كلها إيجابية وتثير اهتمام كل من حولي، يسألونني كيف تستطيعين النهوض باكرا والسير لمسافة ستة كيلومترات وتواصلين نشاطك اليوم بصورة اعتيادية؟ أجيبهم بأن هذا النشاط يزيدني حيوية ونشاطا. وأسمع الكثير من كلمات الإطراء والتشجيع. ردود الفعل إيجابية بكل الأحوال ولم نتعرض لأي انتقادات بسبب خروجنا من البيت قبل الفجر".

دور البلدية

كثيرا ما تعترض النفايات الصلبة وكبيرة الحجم طريق المجموعة خلال نشاطها الصباحي، التي لا تقوى النساء على إزالتها عن جانبي الطريق فتقوم إحداهن بالاتصال بالبلدية التي يقلن إنها "متعاونة بشكل ممتاز وتقوم على الفور بالتحرك لإبعاد هذه النفايات عن المكان".

أصل الفكرة

يعتقد البعض أن الفكرة هي من بنات أفكار مدرب التنمية البشرية، أشرف قرطام، لكن نسرين شقحة، قالت إن فكرة مشروع "لن تشرق الشمس قبلي" مأخوذة من كتاب أصدره روبرت هارمن، الذي قال إن "هنالك ساعة حتميّة يجب أن تكون لك، أنت ولصحتك وبدنك فلا أحد يحتاجك في هذه الساعة، وهي من الساعة الخامسة حتى السادسة صباحا ويجب أن تفعل أي شيء لذاتك في هذه الساع ة " ، ثم جاءت مبادرة قرطام الذي بدأ بممارسة النشاط البدني (المشي) في حيفا، ومنها انتقلت إلى أماكن أخرى ونحن على خطاه نسير، ولكن في الناصرة وليس في حيفا، وهو شاركنا في فجر أحد الأيام وسار معنا وانضم إلينا كثيرون في ذلك الصباح.

الناصرة وليس "نوف هجليل"

وأوضحت شقحة أنه "صحيح أن شوارع الناصرة غير مهيأة لممارسة نشاطات بدنية ورياضة، لكننا اكتشفنا أن هناك بعض الشوارع التي يمكن السير فيها، إضافة إلى أن الناصرة بلدي، فلماذا نلجأ إلى مناطق مجاورة ونحن ننتمي لهذا البلد، كما أننا نجد في ما نفعله مشروعا وطنيا ونؤمن بأن الانتماء للوطن يبدأ بالحفاظ على نظافته، فحين أقول إن هذا بيتي وهذا وطني فإنني لا أرضى بأن يكون بيتي قذرا".

حادثة طريفة

وردا على سؤال حول ما إذا كانت قد واجهتهم حادثة نادرة أثناء السير في ساعات الفجر، قالت شقحة إن "كل الأحداث كانت إيجابية ففي أحد الأيام حين كانت مجموعة النساء تجمع أكواما من القش لإزالتها عن قارعة الطريق توقفت مجموعة من العمال الذين كانوا في طريقهم إلى مكان عملهم، وقدم العمال المساعدة للنساء في إزالة أكوام القش ثم تابعوا طريقهم إلى العمل".

علاقات اجتماعية

من بين الذين يشاركون في رياضة المشي صباحا لم تكن نسرين شقحة تعرف سوى امرأة واحدة، وقالت: "بطبيعتي أحب رياضة المشي وكنت أمارسها في ساعات بعض الظهر، وحين عرفت عن هذه المبادرة انضممت إليها على الفور، ففي هذه الساعة لا أحد يحتاجني، زوجي وأولادي نائمون، ولم يحن وقت عملي فلما لا أستغل هذه الساعة لنفسي"؟

صدفة

وقالت الناشطة السياسية وعضو بلدية الناصرة سابقا، أنيسة عابد، لـ"عرب 48" إنها سمعت عن هذه المبادرة من إحدى صديقاتها حين كانتا في سهرة عرس، وقد انتهت سهرة العرس قرابة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حينها قالت لها صديقتها إنه ليس أمامها سوى ثلاث ساعات للنوم حتى تنهض للالتحاق بمجموعة "لن تشرق الشمس قبلي"، فاعتقدت أنيسة أنه مجرد تحد وضعته صديقتها أمامها وأنها لن تستطيع النهوض فجرا، حسبما قالت.

وأضافت عابد أنه "في صباح اليوم التالي كنت أتصفح موقع التواصل الاجتماعي وإذ بي أشاهد صور صديقتي، فداء طبعوني، ومعها سعاد عابد وهيثم ملحم، فقلت في نفسي إذا كانت فداء قد فعلتها فإنها فرصة لي للانضمام إلى برنامج أحافظ به على رشاقتي وأمارس الرياضة، وفي اليوم التالي انضممت للمجموعة وبدأنا نطوّر الفكرة إلى جمع النفايات عن جوانب الطريق، ومنذ ذلك الحين لم أتخلّف يوما واحدا عن هذا البرنامج الصباحي".

ساعة بيولوجية

وتابعت عابد: "أصبحت لدي ساعة بيولوجية توقظني في الرابعة والنصف فجرا، أغادر البيت في الخامسة إلا ربع وفي تمام الخامسة نكون قد وصلنا إلى المكان الذي حدّدناه مسبقا للمشي. والجميل في المبادرة أنها في داخل مدينة الناصرة، وهذا يجعلنا نلمس كل أحياء المدينة وأطرافها ونتعرف على محلاتها وشوارعها ونراها نظيفة. شخصيا أعود إلى البيت مشحونة بطاقات إيجابية هائلة من المجموعة الرائعة، ومن العمل الجماعي الذي نقوم به، ومن النتيجة الآنية التي نراها أمامنا".

وترى عابد بهذا المشروع جزءا آخر من العمل الوطني وأكدت: "نحن نشأنا وترعرعنا في هذا البلد الطيب، وكل ما نقدمه من أجل الناصرة هو عمل وطني وعطاء للمدينة ولأهلها ولأنفسنا أيضا. أنا مؤمنة بأن الإنسان حين يمر من مكان نظيف يخجل من إلقاء النفايات فيه، بينما حين يمر من نفس المكان ويرى من حوله الأوساخ والمهملات فإنه لا يتردد في أن يلقي المزيد منها في المكان! نحلم بأن نشاهد مدينتنا نظيفة، وأن تكون عملية جمع النفايات عن الأرض وإلقائها في المكان المخصص لها عادة عند كل أبنائنا، فهي في البداية تعطي الهدوء وجودة الحياة، وللمدى البعيد تقلل من الظواهر السلبية التي نراها في مجتمعنا".

وفي ختام اللقاء، أعربت روضة أبو سمرة من مجموعة "لن تشرق الشمس قبلي" عن سعادتها، واصفة النشاط بأنه صحي للغاية، وقالت لـ"عرب 48": "كنت أشكو من الربو وضيق التنفس وقد تعافيت تماما منذ أن انضممت إلى المجموعة، إضافة إلى أنني تعرفت على أحياء بالناصرة لم أدخلها من قبل".

أنيسة عابد (عرب 48)

أما ليان بامباك (أبو النعاج) فهي امرأة أجنبية متزوجة وتعيش منذ سنوات طويلة في الناصرة، قالت إنها تعرفت على المجموعة من خلال صديقة ولها، وإن الناصرة مدينة رائعة ولا ينقصها سوى المزيد من النظافة.

وقالت ألفت أبو ليل- زعبي لـ"عرب 48": "نحن لا نخجل من حمل المكانس وأكياس النفايات معنا في السيارة، ونرى هذا العمل بأنه تطوع وعطاء من أجل مدينتنا وأهلها، لكن أجمل ما في المشروع هو أنه إطار دافئ رغم برودة الطقس، يجمعنا ويقوي العلاقات الاجتماعية بيننا. في الماضي لم نكن نعرف بعضنا البعض، اليوم نحن عائلة واحدة تنمو فيها الصداقات قبل أن تشرق الشمس". 

ألفت أبو ليل- زعبي
اللقاء قبل أن تشرق الشمس
النشاط البدني أولا
نسرين شقحة
نتطوع من أجل بلدنا

التعليقات