مطعم "لا يتحدث العبرية"

تعرض مطعم "الرضى" في الناصرة، مؤخرا، لحملة انتقادات على مواقع الإنترنت الإسرائيلية وشبكة التواصل الاجتماعي من قبل إسرائيليين زعموا أن صاحب المطعم، ضاهر زيداني، أصدر تعليمات للعاملين في المطعم بأن لا يتكلموا مع الزبائن باللغة العبرية.

مطعم

مطعم "الرضى" في الناصرة (تصوير "عرب 48")

تعرض مطعم "الرضى" في الناصرة، مؤخرا، لحملة انتقادات على مواقع الإنترنت الإسرائيلية وشبكة التواصل الاجتماعي من قبل إسرائيليين زعموا أن صاحب المطعم، ضاهر زيداني، أصدر تعليمات للعاملين في المطعم بأن لا يتكلموا مع الزبائن باللغة العبرية، وأن اللغتين السائدتين في المطعم هما العربية والإنجليزية.

وزعم إسرائيليون تربطهم علاقات شخصية بصاحب المطعم بعدما أشادوا بالمأكولات التي يقدمها، أنه متطرف في مواقفه ومبادئه، فيما يحظى بحملة دعم وتأييد من قبل مجموعات شبابية وطنية من المجتمع العربي.

وقال صاحب مطعم "الرضى" بالناصرة، ضاهر زيداني، لـ"عرب 48" إنه "مؤسف جدا أن الذي أثار هذه الزوبعة، وكان من المهم أن تثار لأنها مرتبطة بلغتنا وهويتنا، هو مستوطن يهودي من البلدة الاستيطانية المجاورة لنا 'نوف هجليل' وأهمية هذا الموضوع كبيرة ومركزية جدا".

"عرب 48": هل هناك تعليمات واضحة للعاملين في المطعم بأن لا يتكلموا بالعبرية؟

زيداني: هذا المكان مفتوح لكل الناس، ولكنه مكاني أنا، أنا من يصيغه ويعطيه هويته وأنا الذي يحدد ملامحه وشكله ولونه وموسيقاه ولغته ومأكولاته ومشروباته، هذا من صناعتي أنا. زاوية النظر الأخرى هي من الذي ينبغي أن يحدد شروط الضيافة هل هو الضيف أم المضيف؟! أم أن هذا الضيف يتوقع أنه يستطيع أن يفرض شروطه في أماكن أخرى كما يحاول أن يفعل عندنا؟! أم أن هذا انعكاس لموازين القوى؟! ثم لماذا في كل لقاء بين اللغة العربية واللغة العبرية تلقائيا نجد بأن العربية تنسحب وتترك الساحة للعبرية؟ هذه الأسئلة التي يجب أن تُسأل وأجوبتي واضحة على هذه الأسئلة.

هناك نقطة أخرى قد يفهمها الإسرائيلي أكثر من غيره لأنه يعرف نفسه بأنه زبون وقح وفوضوي وصوته عال ومتبجح، يدخل المطعم باستعلاء وبنظرة فوقية، فوجدنا أن بهذه الطريقة نحن نستطيع أن نلجمهم، ففي اللحظة التي نتحدث معهم بالإنجليزية هم أنفسهم يتحوّلون إلى أناس آخرين، يخفضون صوتهم ويتأدبون في حديثهم ويصبحون أكثر لطفا في تعاملهم وحضاريين، ليس بالمستوى الذي نريده، ولكن أقل همجية مما كانوا عليه.

"عرب 48": نحن مقبلون على فترة أعياد الميلاد والسياحة الداخلية التي تعد بمئات آلاف الوافدين إلى الناصرة، ألا تخشى من مقاطعتهم لك؟

زيداني: زبائني ليسوا من الإسرائيليين، وقلائل جدا هم الذين يدخلون إلى مطعمنا، هم يبحثون عن الشوارما والفلافل والمأكولات ذات الأسعار الرخيصة. فضلا عن أنهم يصلون مع أولاد وأطفال وعائلات، والمحل لا يعتمد على العائلات والأولاد والمجموعات الكبيرة. وحتى في السابق كنت دائما أحذرهم بأنني لا أسمح للأولاد باللعب والركض والقفز داخل المطعم بل أكبت أنفاسهم. هذه ليست حديقة ألعاب أطلب منهم ضمانا بأن لا يسمحوا للأولاد أن يعيثوا فسادا في المطعم ويزعجوا الآخرين. لا أسمح لأحد بأن يزعج أحدا هنا. وحتى ذلك المستوطن الذي جاء من 'نوف هجليل' فإن النادل استقبله بلطف وبابتسامة ولم يرفضه، بل على العكس رحب به واستقبله أحسن استقبال، لكن هذا الزبون تحدث بالعبرية وفهم عليه النادل فرد عليه بالإنجليزية، بمعنى أن كل التهمة هي أن النادل تحدث معه بالإنجليزية! فالنادل هنا لم يرفضه ولم يسئ له إنما تحدث معه بالإنجليزية. كلاهما كان يفهم على الآخر، لكن الإسرائيلي يريد فرض لغته في المطعم. أراد أن يعزز علاقة القوي بالضعيف، وعلاقة المحتل بالواقع تحت الاحتلال، وهذا أمر نرفضه.

مطعم "الرضى" (تصوير "عرب 48")

"عرب 48": أنت تقول إن هناك تعليمات بعدم التحدث بالعبرية؟

زيداني: هناك تعليمات بالتحدث باللغة العربية أولا، ولغة رسمية ثانية هي الإنجليزية وهي لغة دولية يفهمها الجميع.

"عرب 48": هل صحيح أنك طلبت في السابق من أحد العاملين لديك أن يكتب لافتة تقول إنه يمنع دخول الكلاب والإنجليز للمطعم؟

زيداني: لا، هذا غير صحيح مطلقا. اللافتة التي طلبت كتابتها ما زالت موجودة ومعلقة عند المدخل وكتبت عليها ما يلي "إعفاء.. الدخول إلى الرضا غير مشروط لا بشتم الملكة ولا تشرتشل ولا ابنها ولا أبوها ولا روحهم النجسة"! وهذه الصيغة ما زالت موجودة، وهذا موقف من الإمبراطورية البريطانية.

"عرب 48": ما الذي تريد أن تقوله لزبائنك؟

زيداني: لهذا المكان مقولة واضحة من يريد أن يفهمها ضمنا يستطيع ذلك، ومن يريد أن يفهمها مباشرة أيضا يستطيع فنحن لا ننظم مظاهرة هنا ولا نقف ونخطب بالناس، إنما لمطعم 'الرضى' مقولة واضحة جدا من حيث الحفاظ على الهوية في الشكل واللغة والموسيقى والأكل، في المطعم ومحيطه. نحن نزرع الليمون وننظف الشارع أمام المطعم ونزرع الورود في الحيز الداخلي ولدينا سيطرة كاملة عليه، وفي الحيز الخارجي ما نستطيع في محيط المطعم، لكن 'الرضى' لا يتأتئ ولا يتراجع عن الهوية الوطنية، والهوية الليبرالية والمتنورة أيضا. لا نحب التزمت والمتزمتون لا يحبونا، من جميع الأشكال والألوان، سواء العنصريين جنسيا أو العنصريين طائفيا أو قوميا، ونحن نرفض كل أشكال التعصب. نعلم أن التصفية متبادلة، فالذي لا يرتاح عندنا هو الذي لا نرتاح بوجوده عندنا.

فاتورة "الرضى" بالعربي (تصوير "عرب 48")

"عرب 48": كيف ترد على أولئك الذين قالوا إنهم يعرفوك من قبل وإن مواقفك وتوجهاتك الوطنية اتخذت منحى أكثر تطرفا وتعصبا، مؤخرا؟

زيداني: هذا كلام فارغ وتحليلات نفسية مرفوضة بالنسبة لي. قبل أن ندخل في هذا الشأن أنا درست العلوم الاجتماعية وعلم النفس، وهذه المدرسة التحليلية أنا أرفضها أصلا! يصنعون من أنفسهم محللين وكأنهم بتحليلاتهم هذه اكتشفوا أمرا عظيما. هذا كلام فارغ وأعفي نفسي من الرد عليه لأنها ادعاءات ليس لها أساس من الصحة. هناك أمر مطروح وهو اللغة والهوية العربية واللغة العربية، وبالنسبة لي الحديث بيننا وبين الإسرائيليين غير مهم بتاتا وله أهمية ثانوية إن لم يكن بالدرجة الرابعة لدي. أهمية الحديث تكمن بيننا داخليا، فأنا أتحدى أي محام أو مهندس أو طبيب أو عامل إذا كان يعرف مفردات مهنته بلغته العربية الصحيحة! أتحداهم جميعا سواء المهنيين أو حملة الشهادات. لم يعدنا لدينا أحد يعرف لغته، لا طباخ ولا نجّار ولا غيرهم. هذه هي مشكلتنا الأساسية وليس كيف نخاطب الإسرائيلي، وهذا أكثر ما يزعجني. معظم العرب يوقعون باللغة العبرية وقد نسوا أن التوقيع هو أنت وهو شكلك وهويتك الشخصية، تراهم يتنازلون عنها طوعا وبإرادتهم الحرّة.

ضاهر زيداني (تصوير "عرب 48")

"عرب 48": هناك بعض أصحاب المطاعم في الناصرة غير راضين عن هذه الزوبعة وهم يخشون من مقاطعة الإسرائيليين لمطاعم المدينة. ماذا تقول لهم؟

زيداني: هناك بعض أصحاب المطاعم يقدمون لائحة الأطعمة لديهم باللغة العبرية دون العربية! فهؤلاء ليس بيني وبينهم أي شيء وهنيئا لهم بالصهاينة الذين يأتون إليهم. لم أطرد يوما إسرائيليا من المطعم، لكن لدي شروطي، أنا أسست المطعم على مزاجي ولا أريد لأحد أن يعكر لي صفو هذا المزاج لا بلغته ولا بحركاته ولا بضجيجه ولا بالموسيقى التي أشغّلها. لا أرضى بأن يطلب مني أحدهم أن أخفض صوت الموسيقى أو أن أستبدلها. أنا هنا أبيع زبائني مزاجا أولا وقبل كل شيء وما تبقى هي مكملات، ومن يرغب بهذا المزاج أهلا وسهلا به ومن لا يعجبه فليبحث عن مكان آخر، هذه هي خصوصية المكان. أنا لست بيّاع صحون مع كل فخري واعتزازي بما أقدم من أطعمة.

هل يستطيع هذا الإسرائيلي أن يفرض شروطه ومزاجه على مطعم بفرنسا أو في أفريقيا أو أن يطلب منهم فاتورة الحساب باللغة العبرية؟! طبعا لا. لذلك أنا أقدم الفاتورة باللغة العربية، وإذا أراد أحدهم أن أشرح له تفاصيل الفاتورة فأنا مستعد طبعا، لكنني أقدمها بالعربية.

 

التعليقات