بين عكا والضفة الغربية

عكيفا إلدار صحيفة «هآرتس» ترجمة عرب48

بين عكا والضفة الغربية
مرة أخرى سينبش اليسار كتب الميزانية للسلطات المحلية ويتحدث عن الشعور بالغبن الذي يؤجج الخواطر في عكا. ومرة أخرى سينهل اليمين معطيات حول دور «عرب إسرائيل» في العمليات الإرهابية ويحذر من المشاعر القومية التي تؤججهم. هؤلاء سيطالبون بسكب الأموال على اللهب في عكا قبل أن ينتشر لـ «مدن مختلطة» أخرى. وهؤلاء سيدعون إلى علاج المحرضين في عكا بيد أكثر صلابة، كي يروا في يافا ويرتدعوا. وكالمعتاد يبسط المعسكران الأمور ويجعلان حياتهما سهلة.

لا يجب أن تكون بروفيسور في علم الاجتماع كي تفهم أن التمييز المزمن ضد المواطنين العرب بكل ما يتعلق بالخدمات والبنى التحتية والتعليم والعمل لا يساهم في تقريب القلوب بينهم وبين الأغلبية اليهودية. ولكن الانتفاضة الأولى التي اندلعت في المناطق(المحتلة) في نهاية عام 1987 كشفت محدودية طريقة «العصا والجزرة». وتعلمت إسرائيل بالطريقة الصعبة، أن التحسن الملحوظ في مستوى المعيشة مقارنة بالوضع الذي ساد هناك في فترة الحكم الأردني والانخفاض الكبير في وفاة الأطفال الرضع لم تحول الفلسطينيين إلى محبي صهيون.

يشير الارتفاع الملحوظ في تأييد حماس في شرقي القدس إلى التأثير المحدود، إذا كان، لحرية التنقل وامتيازات أخرىـ كمخصصات التأمين الوطني التي يتمتع فيها سكان شرق المدينة. كما أن الاغتيالات الممنهجة لقادة حماس في الضفة والقدس والاعتقالات الواسعة للنشطاء، وإغلاق مؤسسات خيرية تابعة للتنظيم زادت من جاذبية التنظيم وخاصة في أوساط الجيل الشاب. مع ذلك، تُعلمنا الحالة المقدسية أن ضم مناطق والسيطرة الرسمية على السكان واليد الصلبة، والجدار العازل والاعتقالات الإدارية وتحديد الهجرة- ليست وصفة للأمن، بغض النظر عن التعايش(104 معتقلين بشبهة الضلوع في الإرهاب حتى نهاية سبتمبر مقابل 37 في عام 2007)

صراخ الحرب الصادر عن إيفي إيتام وأصدقائه في اليمين المتطرف اتجاه عرب إسرائيل في أعقاب الاضطرابات في عكا لا يهدئ الخواطر في المدينة، ويحول المحرضين إلى "أبطال اليوم". ونداءات اليأس من قبل اليسار حول الغبن اللاحق بالأقلية العربية لن يمنع التفجر القادم. صحيح أن التقسيم العادل للموارد لن يضر في العلاقات بين الأغلبية والأقلية. وأن التعامل بعدل أكثر مع مخططات مسطحات البناء في القرى العربية من شأنه أن يخفف قليلا نفور الجيل الشاب،الفئة التي تعاني بشكل أساسي من ضائقة أراضي البناء، من المؤسسة الإسرائيلية. ولكن لا يمكن لأي مال في العالم أن يحول الحمهور العربي/ الفلسطيني، مسلمون كانوا أم مسيحيون، أم علمانيون، إلى جزء عضوي من دولة إسرائيل، التي تعرف نفسها حسب قومية الأغلبية، «دولة اليهود»

إن إقصاء مواطني إسرائيل العرب من بطاقة الهوية للدولة ورموزها الوطنية، وتحويلهم لـ«مشكلة ديموغرافية»، تدفعهم إلى البحث عن هوية في محافظات أخرى. وحولت عملية تشويش الخط الأخضر والضم الزاحف، وانتماءهم الوطني، إلى جانب القرابة الاجتماعية والعائلية للفلسطينيين الذين يعيشون وراء نفس خط الحدود، حولت كل المناطق التي بين شاطئ عكا وضفتي نهر الأردن لدولة مختلطة. وبالنسبة لمواطني إسرائيل العرب، أرض إسرائيل/ فلسطين الكاملة أصبحت منذ زمن كيانا ثنائي القومية ونصف ديمقراطي. استطلاع أجري عام 1976 أفاد بأن 45% من عرب إسرائيل شمل تعبيرهم عن ذاتهم مركبا فلسطينيا. وبالمقابل وصلت النسبة بين أعوام 1985-1999 إلى الثلثين. والغالبية تتنصل من تسميتهم بـ«عرب إسرائيل» ويطالبون بأن يسموا فلسطينيين.

مقتل رابين، وخيبة الأمل من اتفاقات أوسلو والانتفاضة الثانية صعدت في هذا التوتر. وصعّد ذلك من تضامن عرب إسرائيل مع سكان المناطق وعززت الروح الوطنية، وخاصة في أوساط الجيل الشاب. وشدد أعضاء لجنة أور للتحقيق في أحداث أكتوبر عام 2000 أن الأمر لا يعني أن الوسط العربي بكليته يؤيد كل طرق نضال الفلسطينيين، وأن أغلبيته الساحقة تؤيد بشكل دائم عملية السلام. إلا أنه في نفس الوقت يتضامن بشكل كلي مع الطموح لإقامة دولة فلسطينية ويرى أن السياسات الإسرائيلية هي العقبة الأساسية أمام تحقيقها.

التقرير الهام والمهمل للجنة أور اقتبس القول "دولتي في حالة حرب مع شعبي". وطالما أن دولتهم في حالة حرب مع شعبهم تكفي جمرة واحدة في يوم الغفران لإشعال النار، ولن يطفئها أي منحة مالية أو اعتقال ولن يطفئوها.

التعليقات