بيلين عن أوسلو: مخيب للآمال أن نقف بعد 20 عاما أمام "سقالات" وليس بناية مكتملة

"عدم التوصل الى اتفاق للحل النهائي او الى اتفاق جزئي في طريق الحل النهائي في الأشهر القادمة، فان الفلسطينيين من شأنهم الاقدام على حل السلطة التي ولدت في اوسلو واعادة المفاتيح لنا والالتقاء مع اليمين الاسرائيلي الذي يقترح اليوم دولة واحدة"

 بيلين عن أوسلو: مخيب للآمال أن نقف بعد 20 عاما أمام

في مقال كتبه في الذكرى العشرين لاتفاق أوسلو ونشرته صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، يروي د. يوسي بيلين أحد مهندسي هذا الاتفاق كيف نشأت الفكرة فيقول، إنه وخلال اجتماع بينه وبين  تيري لارسن، في حينه، مدير معهد البحث النرويجي، جرى في 29 نيسان 1992 في أوج عملية الانتخابات اقترح عليه الأخير أن ينظم لقاء بينه وبين فيصل الحسيني، لغرض حل قضايا لم تحلّ في المحادثات العلنية التي كانت تجري في واشنطن  بين الوفد الإسرائيلي والوفد الأردني الفلسطيني المشترك.

هكذا بدأت العملية التي قادت بعد 17 شهرا إلى إقامة سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وإلى توقيع اتفاق سلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإلى المصافحة التي لم يكن أحد يتخيلها قبل ذلك بين يتسحاق رابين وياسر عرفات.

المحطة المهمة الثانية كانت زيارة نائب وزير الخارجية النرويجي يان اجلان، بصحبة لارسن، إلى إسرائيل في أيلول 1992 وذلك بعد أشهر من تعييني نائبا لوزير الخارجية، يقول بيلين، وبعد العشاء الاحتفالي الذي أقمته على شرفه في تل أبيب عقدنا لقاء سريا دعوت إليه د. يائير هيرشفيلد وبلورنا فيه أسس إقامة قناة المفاوضات السرية. وفي كانون أول من العام ذاته وعندما كنا جميعنا في لندن أقر اقتراح هيرشفيلد بأن يكون نظيره الفلسطيني إلى المحادثات أحمد قريع (أبو العلاء)، وأن ينضم من طرفنا د. رون بونداك إلى هيرشفيلد. 

وفي وصغها لمجمل العملية، يقول بيلين، إنها كانت استثنائية لأنني لم أقدر أن أطلع عليها وزير الخارجية، في حينه، شمعون بيرس، لأنه كان سيشعر بواجب إخبار رئيس الحكومة، يتسحاق رابين، وأن الأخير كان قد اتفق معه بأن لا يقوم بأي مفاوضات ثنائية خلا المفاوضات المتعددة الأطراف، ومن المرجح أن يطلب منه وقف المفاوضات السرية مع منظمة التحرير. بيلين يقول، "فقط عندما قدرنا أن هناك شريكا فلسطينيا وعندما اتفق الطرفان على مسودة أولية شعرت أنني قادر على أخبار وزير الخارجية، الذي أعلم رابين، وفوجئت عندما أجابني بيرس بأن الأخير أعطى ضوء أخضر لمواصلة المفاوضات. 

المحطة الحاسمة القادمة، وفق ما يروي الوزير الإسرائيلي السابق، كانت بعد أشهر قليلة أخرى عندما وافق الفلسطينيون على الاستجابة لمطالب إسرائيل السبع مقابل اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية. منذ تلك اللحظة تحولت هذه القناة التي أقيمت لحلحلة مشاكل لم تحل في مفاوضات واشنطن إلى الطريق الرئيس للمفاوضات السياسية، ومن وقتها أصبح لدى إسرائيل عنوان فلسطيني واضح. الحركتان القوميتان المتعاديتان اعترفتا الواحدة بالأخرى، وتتعاونان اليوم في مختلف مجالات  الحياة وخاصة المجال الأمني.

هذا هو التحول الأكبر الذي أحدثه أوسلو، ناهيك عن أنه أدى بالأردن إلى التوصل لاتفاق سريع مع إسرائيل، وأدى بسوريا إلى الإعلان عن استعدادها للدخول بمفاوضات مع إسرائيل، دون علاقة مع الدول الغربية الأخرى. عشرات الدول التي كانت تقاطعنا دبلوماسيا، يقول بيلين، أقامت سفارات لها في اسرائيل. الحظر العربي المفروض على إسرائيل رفع بمعظمه، شركات عالمية كبيرة كانت تخشى الدخول إلى إسرائيل، أقامت فروعا لها فيها والاقتصاد شهد انتعاشا لم تشهده إسرائيل منذ سنين، ووضع إسرائيل في العالم وفي نظر المنظمات الدولية تحسن، لمدة سنوات، وبدأت بوادر تطبيع مع العالم العربي، وبدا وكأن العالم فتح أبوابه لنا، يقول بيلين.

وحول الانتكاسة وبداية التراجع يروي بيلين قائلا، لم نقدر إصرار رافضي الاتفاق من الطرفين جيدا، رأينا أن استطلاعات الرأي تعطي أغلبية لأي اتفاق سياسي في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، واعتقدنا أن هذا كاف. توقعنا أعمال عنف ولكن اعتقادنا كان أنها ستأتي من الجانب الفلسطيني، وأنها ستكون أشبه بالانتفاضة الأولى من حيث الطابع. لم نتوقع العمليات الانتحارية التي قامت بها "حماس والمنظمات الإسلامية المتطرفة"  الأخرى. لم ننظر إلى داخل معسكرنا، وحتى بعد مجزرة الخليل التي نفذها باروخ غولدشتاين لم يرد بفكرنا، كما يقول بيلين، أن أحدا من داخلنا سيقدم على قتل رئيس الحكومة.

وفي التقييم بعتقد بيلين أن ايغئال عمير نجح، على الأقل زمنيا، وهو يقدر أنه لولا مقتل رابين لتم التوصل إلى اتفاق الحل النهائي في الموعد المحدد له وهو 4 ايار 1999 .

وفي النظرة إلى المستقبل يختم بيلين بالقول، إن نجاح اتفاق أوسلو كان يفترض أن يقاس بالتوقيع على اتفاق الحل النهائي، خلال الفترة الزمنية المحددة لذلك وواقع أنه بعد عشرين عاما على توقيعه "نحن نقف أمام سقالات وليس أمام بناية كاملة"، هو مخيب للاآمال، وإذا ما لم يتم، خلال الأشهر القادمة، التوصل إلى اتفاق للحل النهائي أو إلى اتفاق جزئي في طريق الحل النهائي، فإن الفلسطينيين من شأنهم الإقدام على حل السلطة التي ولدت في أوسلو وإعادة المفاتيح لنا، والالتقاء مع اليمين الإسرائيلي الذي يقترح اليوم دولة واحدة.    
  

التعليقات