23/08/2023 - 16:16

حرائق الغابات: عصر جديد من التلوّث

من الأمور المثيرة للقلق الموادّ غير المرئيّة المعروفة بالمركبات العضويّة المتطايرة مثل البوتان والبنزين، وتسبّب هذه الموادّ تهيّج العينين والحلق، في حين يعرف بعضها بأنّه مسرطن

حرائق الغابات: عصر جديد من التلوّث

(Getty)

تواجه أميركا الشماليّة موسم حرائق غابات استثنائيًّا، مع تعرّض مناطق قريبة وبعيدة على حدّ سواء لدخانها، وأحد الجوانب المحدّدة للدخان الناتج عن حرائق الغابات، "الجسيمات الدقيقة"، وهي سموم يمكنها بأعداد كبيرة، أن تجعل الدخان مرئيًّا.

وعند مطلع تمّوز/يوليو، كان المواطن الأميركيّ قد تعرّض ل450 ميكروغراما من الدخان لكلّ متر مكعّب، وهو أسوأ من السنوات الممتدّة من 2006 إلى 2022 كاملة، وفق ما نشر الاقتصاديّ مارشال بورك في جامعة ستانفورد على منصّة "إكس" أخيرًا، مستشهدًا بحسابات أجراها مختبر متخصّص في الجامعة.

ومن الأمور المثيرة للقلق أيضًا الموادّ غير المرئيّة المعروفة بالمركبات العضويّة المتطايرة مثل البوتان والبنزين. وتسبّب هذه الموادّ تهيّج العينين والحلق، في حين يعرف بعضها بأنّه مسرطن.

وقالت ريبيكا هورنبروك، عالمة كيمياء الغلاف الجوّيّ في المركز الوطنيّ لأبحاث الغلاف الجوّيّ، والّتي تقوم برحلات جوّيّة عبر الدخان لإجراء بحوثها، لوكالة فرانس برس إنّ الجسيمات الدقيقة الّتي يبلغ قطرها 2,5 ميكرون "تشكّل خطرًا على صحّة الإنسان وتنبعث بكمّيّات كبيرة".

وأضافت "عادة، إذا كنت في اتّجاه الريح عند وقوع حريق هائل، فذلك يكون السبب وراء ظلمة السماء وانعدام الرؤية" مثل السماء الّتي شوهدت فوق نيويورك نتيجة الحرائق الّتي كانت مستعرة على مسافة مئات الأميال في كيبيك في وقت سابق من هذا العام.

وتتغلغل الجسيمات الدقيقة الّتي يبلغ قطرها 2,5 ميكرون داخل الرئتين وقد تصل حتّى إلى مجرى الدم.

عندما تمتزج المركبات العضويّة المتطايرة مع أكاسيد النيتروجين -- الّتي تنتجها حرائق الغابات لكنّها موجودة أيضًا بكثرة في المناطق الحضريّة جرّاء حرق الوقود الأحفوريّ -- تساعد في تكوين الأوزون الّذي قد يؤدّي إلى تفاقم السعال والربو والتهاب الحلق وصعوبة التنفّس.

انتشر شراء السيّارات بشكل كبير بعد الحرب العالميّة الثانية، وفي العقود الّتي تلت ذلك، كوّن العلماء فكرة عن طريقة تأثيرها على البشر، بدءًا من ظهور الربو في مرحلة الطفولة إلى زيادة خطر الإصابة بنوبات قلبيّة وحتّى الخرف في وقت لاحق من الحياة.

وأوضح كريستوفر كارلستن، مدير مختبر التعرّض لتلوّث الهواء في جامعة بريتيش كولومبيا، أنّه خلافًا لذلك، لا توجد هذه الكمّيّة من المعلومات حول دخان حرائق الغابات.

واستنادًا إلى حوالي عشرين دراسة منشورة "يبدو أنّ تأثير الدخان على الجهاز التنفّسيّ أكبر منه على القلب والأوعية الدمويّة مقارنة بالتلوّث المروريّ"، على ما قال، وقد عزى السبب إلى أنّ أكاسيد النيتريك أكثر في التلوّث المروريّ.

وبدأ مختبر كارلستن إجراء تجارب على البشر باستخدام دخان الخشب للحصول على مزيد التوضيحات.

وقال كارلستن، وهو طبيب أيضًا، إنّ التدخّلات الطبّيّة موجودة، بما فيها الستيرويدات المستنشقة ومضادّات للالتهاب غير الستيرويديّة وأنظمة تنقية الهواء، لكن هناك حاجة إلى بحوث لمعرفة أفضل السبل لاستخدامها.

من جهته، قال جوشوا فيرتسل، رئيس لجنة الجمعيّة الأميركيّة للطبّ النفسيّ المعنيّة بتأثير تغيّر المناخ على الصحّة العقليّة، إنّ ارتفاع درجة حرارة العالم يؤثّر أيضًا على الصحّة النفسيّة بطرق كثيرة.

وأوضح أنّ إحدى التفاعلات هي الشعور بالضيق و"الغضب والحزن والقلق في مواجهة الكوارث الطبيعيّة الّتي يتوقّعون حدوثها"، فيما تكون هذه المعدّلات أعلى بكثير لدى الشباب منها لدى المسنّين.

وهناك أيضًا "التأقلم" العقليّ، وهو نتيجة ثانويّة للتطوّر تساعد على التعامل مع الضغوط الجديدة، لكن في حال عدم توخّي الحذر، قد يتعرّض الفرد لأخطار.

بالنسبة إلى هورنبروك المقيمة في كولورادو، فإنّ ما شهده شرق أميركا الشماليّة في العام 2023 هو ما يتعامل معه الجانب الغربيّ من القارّة منذ سنوات، ومن المرجّح أن تصبح المشهد العالميّ أكثر قتامة نظرًا إلى استمرار البشريّة في حرق الوقود الأحفوريّ.

وأشارت إلى أنّه في حين ساهمت التدابير الخاصّة بمكافحة التلوّث في كبح انبعاثات السيّارات والقطاع الصناعيّ، ستكون هناك حاجة إلى اتّخاذ إجراءات مناخيّة للتصدّي لآفة حرائق الغابات.

وقالت "من المحبط رؤية أنّنا نعيش اليوم ما كنّا نحذّر منذ سنوات"، لكنّها أضافت أنّه لا يزال هناك أمل مضيفة "ربّما بدأ الناس الآن ملاحظة ذلك وقد نرى بعض التغيير".

التعليقات