05/07/2016 - 17:36

ثنائي سبيل: وُجِدَتْ الموسيقى كي تكون وحدها

من العدم دخل الصّوت كما دخلت النّقطة على الورقة البيضاء، لذلك لا أستغرب من أنّ الفنّان التّشكيليّ كاندينسكي قد تأثّر بفاغنر وخلق نظريّة للألوان من خلال الموسيقى. وُجِدَتْ الموسيقى كي تكون وحدها... ستكون أعمق حين تخدم نفسها.

ثنائي سبيل: وُجِدَتْ الموسيقى كي تكون وحدها

يوسف حبيش وأحمد الخطيب

في حوار بين آلتين، العود والإيقاع، وفي طريق متناغمة من الألحان الشّرقيّة غير التّقليديّة، ومن أجل أفق جديد للموسيقى الكلاسيكيّة العربيّة؛ يتابع 'ثنائي سبيل' المؤلّف من الموسيقيّين الفلسطينيّين، أحمد الخطيب ويوسف حبيش، رحلتهما ورؤيتهما المشتركة في التّأليف الإيقاعيّ، وقد نظّمت جمعيّة 'عِرَبْ' للموسيقى، بدعم من 'صِلات: روابط من خلال الفنون'، ورشة عمل للثّنائيّ في مترو المدينة (الحمرا) بلبنان، خلال حزيران (يونيو).

درّب الخطيب وحبيش خلال الورشة موسيقيّين ومغنّين من لبنان على العزف الجماعيّ والفرديّ، وعرضا عليهم رؤيتهما بصفتهما ثنائيًّا؛ كما مرّر الموسيقيّان ورشة عمل في مخيّم برج الشّمالي لـ 'فرقة المنفيّين'، الّتي شاركاها في سهرة فلسطينيّة يوم الاثنين الماضي.

كان لي حوار مع الموسيقيّين حول رؤيتهما الموسيقيّة، ومشاريعهما التّدريبيّة، وواقع الموسيقى في فلسطين.

بدأت رحلة عازف العود أحمد الخطيب (1974) في الأردنّ عازفًا للكمان، ثمّ تخرج من جامعة اليرموك متخصّصًا في آلتي التّشيلّو والعود، انتقل بعدها إلى فلسطين، حيث عمل أستاذًا لآلة التّشيلّو في معهد إدوارد سعيد؛ وفي السّويد، درس أساليب التّعليم الموسيقيّ.

 

أمّا عازف الإيقاع يوسف حبيش (1967)، فقد بدأ العزف في سنّ مبكرة، سبع سنوات. يعيش بين حيفا وباريس، درس الفلسفة والموسيقى وله أبحاث في الثّقافات، وقد درّس في معهد إدوارد سعيد مدّة سبع سنوات، ثمّ في بيت الموسيقى على مدى عشر سنوات. يقدّم حبيش أيضًا ورشات في العلاج الموسيقيّ.

الموسيقى علاج

يقول الخطيب حول الورشتين التّدريبيّتين وأهدافهما: 'كان همّنا في الورشة إثارة فضول الموسيقيّين الشّباب لكي يجرّبوا شيئًا جديدًا في إطار عملهم، لا أن نملي عليهم رؤيتنا الموسيقيّة. ثمّة نقص واضح في ورشات العمل الموسيقيّة وفي تدريس الموسيقى للجيل الجديد وفهمهم لها؛ الحدّ الأدنى من الثّقافة الموسيقيّة لم يعد موجودًا كما كان في السّابق، ثقافتنا ثقافة غنائيّة، وذلك على حساب الموسيقى الآليّة، ولذلك أخذت على عاتقي الاشتغال بها. الموسيقى الآليّة تحتاج إلى ثقافة واسعة من المستمع، ولذلك هي حساسّة جدًّا.'

أمّا حبيش فيقول حول الورشات: 'تربويًّا، من خلال الورشات الموسيقيّة، نحن نعمل على إنشاء كادر موسيقيّ يستطيع أن يكمل الطّريق؛ قد يصبحون أساتذة موسيقى، وبهذه الطّريقة قد تدخل الموسيقى إلى المدرسة وإلى كلّ مراحل الحياة. الموسيقى علاج للمشاكل التّربويّة، وهي تنمّي الذّكاء الرّياضيّ والعاطفيّ. هدفنا أن نقرّب للأجيال الموسيقى الّتي يبعدها الإعلام عنهم، لأن ثمّة من يفهم الموسيقى على علمًا، وثمّة من يتّخذها سلعة.'

ويضيف أيضًا: 'نهدف من خلال هذه الورشات أن ننقل تجربتنا، وأن نعطي الموسيقيّين اتّجاهات خاصّة وحيويّة للعمل عليها؛  ثمّة مواهب شابّة في المخيّمات نعمل أيضًا على تبنّيها، لقد ذهبنا إلى مخيّم برج الشّمالي وسنعود في شهر كانون الثّاني (يناير) المقبل لنقدّم الفرقة على مسرح المدينة.'

لا لأنّنا ضحيّة...

وحول الموسيقى والغناء الفلسطينيّين وواقعهما، وعلاقتهما بالهويّة الفلسطينيّة، يقول الخطيب: 'تطوّر نشاط الموسيقيّين الفلسطينيّين في الآونة الآخيرة؛ ثمّة عازفو عود على مستوى عالميّ، وثمّة أسلوب جديد في عزف الموسيقى الكلاسيكيّة العربيّة بلغة حديثة.  لا أحبّذ، موسيقيًّا فلسطينيًّا، تقديم أنفسنا بصفتنا ضحيّة دائمًا، بل ثمّة رؤية خاصّة أقدّمها للعالم إنسانًا، رغم أنّني أحمل قصّة وجذورًا، لكن هذا يجعلني أبتعد عن فخّ سماع الآخر لي كوني فلسطينيًّا فقط'.

ثنائي سبيل ورباعي بيلا

أمّا حبيش فيقول في ذلك: 'في فلسطين ثمّة أيقونة في الغناء، هي كاميليا جبران، كما أحبّ صوت ريم بنّا، سناء موسى، تيريز سليمان، ريم تلحمي، رنا خوري، أشرف داوود، سفيان مريسي، عصام نقشة، عبد الرّحمن علقم. بغضّ النّظر عن خصوصيّة الهويّة الفلسطينيّة، فإنّ الموسيقى تضيف للهويّة حتّى وإن لم يكن هناك احتلال، فالثّقافة هي ما يؤكدّ وجود الإنسان واستمراره، وهي ما تضمن التّقدّم الحضاريّ. الهويّة الثّقافيّة صيرورة دائمة، وهي في رأيي الأساس، ومن بعدها الهويّة السّياسيّة. الفنون والإبداع هي ما تقوله للآخر ويخاطب الجميع، ويخاطب أيضًا الذّات والجيل الجديد.'

شراكة

يقول الخطيب حول الرّؤيا المشتركة الجامعة له ولحبيش: 'كانت لدينا رؤيا مشتركة للموسيقى أثناء عملنا معًا، كنّا منفتحين على الموسيقى الغربيّة وطبيعة التّعامل مع الإيقاع. أسّسنا معًا مجموعة ’كرلمة’، وفي عام 2010 كان لنا ألبوم ’سبيل’ ثمّ ’جدايل’، الّذي كان يقارب بين الموسيقى الشّرقيّة والغربيّة في المضامين. همّنا المشترك أن نستقطب مضامين جديدة للموسيقى الشّرقيّة لجعلها معاصرة، نبحث عن صوت جديد وجملة جديدة، من خلال المحافظة على روح المقام.'

ويضيف: 'الموسيقى ليست كينونة ثابتة، ثمّة صيرورة ما في كلّ شيء. إذا كان عمل الماضي قد تحوّل إلى تراث، فإنّ عملنا نفسه سيصبح تراثًا هو أيضًا إذا أثبت نفسه. إنّ أيّ تجربة جديدة ستفتح أفقًا للموسيقيّين الآخرين ليجرّبوا من خلالها، ثمّة معلّمون كبار أثّروا في تجربتنا، مثل  الموسيقار العراقيّ منير البشير ، ذلك لأنّ لهم تجربة متفرّدة.'

أعمق من النّصّ

أمّا حبيش، وفي حديث حول مفهوم الموسيقى لديه، يقول: 'الموسيقى الّتي هي اهتزازات من وجهة نظر فيزيائيّة، لها تأثير على كلّ مناحي الحياة، وعلى الجماد أيضًا؛ إنها تهذّب الذّوق البشريّ وتطوّر ذائقة الإنسان الجماليّة. الجماليّات هي العلاقة بين حضور الأشياء والنّسب بينها، من العدم دخل الصّوت كما دخلت النّقطة على الورقة البيضاء، لذلك لا أستغرب من أنّ الفنّان التّشكيليّ كاندينسكي قد تأثّر بفاغنر وخلق نظريّة للألوان من خلال الموسيقى. وُجِدَتْ الموسيقى كي تكون وحدها، وهكذا ستكون لها مقولتها الخاصّة، ستكون أعمق حين تخدم نفسها لا حين تخدم الكلمة. هذه قناعتي الشّخصيّة.'

 

ويوضح فكرة استقلاليّة الموسيقى لتخدم ذاتها، فيقول: 'لست ضدّ الغناء، لكن ثمّة ما هو أعمق من النّصّ، وهو الصّوت وخباياه الّتي هي أجمل آلة موسيقيّة.  ثقافة الموسيقيّ هي ما يغني تجربته وتجعله قادرًا على الإلمام بمجالات فنّيّة كثيرة، إنّها تطوّر خياراته وذائقته. درست الفلسفة، أمّ العلوم، والموسيقى، ولديّ اهتمام بالأنثروبولوجيا والرّياضيّات؛ معرفة الكلاسيكيّات وتذوّقها ودراستها، هو ما يضمن نجاح التّجريب، وذلك لغنى مضامينها الرّائعة. ليس لدينا مشكلة في أن نعزف لمغنّين، لكن ثمّة صعوبة في الاختيار، لأنّنا نبحث عن تجربة متفرّدة تستطيع أن تتناغم مع مقولتنا الفنّيّة.'

التعليقات