22/02/2017 - 00:47

أمير دندن ويعقوب شاهين... نحو أغنية فلسطينيّة

نحن في حاجة ماسّة إلى صناعة أغانٍ فلسطينيّة جديدة، مواكبة ومنسجمة مع ما حولها من أغانٍ عربيّة، لتستعيد اللهجة والبيئة الفلسطينيّتان موقعهما بين نظيراتها العربيّة، فهذه مهمّة ثقافيّة ووطنيّة في آن، تحتاج جهود هؤلاء النجوم.

أمير دندن ويعقوب شاهين... نحو أغنية فلسطينيّة

أمير دندن ويعقوب شاهين

شهد الموسم الحاليّ من برنامج المواهب الغنائيّة 'أراب آيدول' (محبوب العرب)، مشاركة عدد كبير من الفنّانين الفلسطينيّين الشباب، إذ بلغ 11 مشاركًا. وبرّرت اللجنة ذلك بأنّ الأصوات كلّها كانت قويّة ولم تستطع أن تضحّي بأحدها، لتفرض قوانين اللعبة، بعد ذلك، خروج المشتركين واحدًا تلو الآخر، إلى أن استبقت كلًّا من شادي دكور، ونادين خطيب، ويعقوب شاهين، وأمير دندن. واستمرّ بعد ذلك الجمهور بالاختيار عبر التصويت، فصمد كلّ من يعقوب وأمير في انتظار النتيجة النهائيّة، السبت المقبل. ومع اقتراب موعد الحلقة النهائيّة ولحظة تتويج الفائز باللقب، يزداد ترقّب المشاهدين حدّة، لا سيّما الفلسطينيّين، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال مؤشّرات عدّة، لعلّ أبرزها وأسهلها تناولًا مواقع التواصل الاجتماعيّ، حيث لم يعد الاهتمام بالبرنامج مقصورًا على عموم الجمهور، ولا على المختصّين بالفنّ، بل تعدّى ذلك ليشمل أوساطًا ثقافيّة مختلفة وشخصيّات سياسيّة، الأمر الذي يحيلنا إلى الموسم الثاني من البرنامج، أيّام كان محمّد عسّاف مشتركًا ينتظر النتيجة النهائيّة كذلك، إذ كان الوضع لا يقلّ ترقّبًا في هذه الأوساط عن الآن، بل ربّما فاقها.

إلى الواجهة

لكن لماذا كلّ هذا الاهتمام الفلسطينيّ بمشتركي هذا البرنامج؟

يتطلّع الفلسطينيّون، من وجهة نظري، إلى نجومهم الشباب بصفتهم بيارق جديدة، وأسماء تعيد فلسطين إلى الواجهة من خلال الفنّ، وهذا أمر عاطفيّ محمود، يبلغ في القلب أحيانًا من القناعة مبلغ الإيمان به واجبًا وطنيًّا وإنسانيًّا؛  فليس هيّنًا على قلب الفلسطينيّ، أيًّا كان منزله، أن يشهد حضور فلسطين بهذا الكمّ من الاحتفاء مجدّدًا، بعد أن تراجع في سلّم أولويّات العرب اليوميّة، وهو ما يؤجّج الذاكرة حتّى يفيض ماء الحزن ويجري دم الحماسة المتخثّر من جديد. كما أنّ حدثًا كهذا يُعدّ معبرًا إلى استعادة الثقة، والإيمان بالكفاءات، وهو مطلوب جدًّا.

لحظة تتويج محمّد عسّاف بلقب 'أراب آيدول'

لكن، أليست هذه الحال حال كلّ الشعوب التي تجلس وراء الشاشة تتمنّى فوز المشاركين من أبنائها؟
بلى. هذه هي الإجابة التي تعكس الواقع، إلّا أنّ الفرق البارز يكون عندما نعلّق مسؤوليّات على هؤلاء النجوم، ولا نكتفي بتعليق الأمنيات، لا سيّما بعدما خضنا تجربتين ما زالتا طريّتين؛ محمّد عسّاف وهيثم خلايلة.

عندما فاز عسّاف باللقب، شهدنا والعالم ولادة نجم فلسطينيّ جديد على الهواء مباشرة، وكنّا غارقين في أمنياتنا بأن يفوز ويرفع اسم 'غزّة' عاليًا. منّا مَنْ كان هدفه أن يذكّر العالم بضرورة التعاطف مع غزّة، ومنّا مَنْ كان هدفه أن نقول للعالم إنّ غزّة قادرة على الإبداع والوقوف بأبهى صورة في أحلك الظروف. إلّا أنّ قلّة فقط مَنْ انتبهوا إلى أهمّيّة العمل على عسّاف مشروعًا فنّيًّا حاملًا للمشروع الثقافيّ الوطنيّ، لا مشروعًا وطنيًّا صرفًا، وأظنّنا، حتّى الآن، قد فشلنا في تطبيق هذا الأمر.

أكثر من أغنية وطنيّة وتراثيّة

إنّ تأخّر الفلسطينيّين في تقديم سينما متفوّقة أثّر في قضيّتنا سلبًا، إذ كنّا منشغلين، بالأساس، في تصوير الوثائقيّات، على أهمّيّتها، ولم نلتفت إلى أنّ السينما أخطر وسيلة إعلام، حتّى بدأت السينما الفلسطينيّة بالازدهار نخبويًّا، فحقّقت جوائز عالميّة عدّة، آخرها 'جائزة الدبّ الفضّيّ' التي حصل عليها المخرج رائد أنضوني عن فيلمه 'صيد الأشباح' من مهرجان برلين السينمائيّ 'برليناله'. لكنّ هذا ليس كافيًا، فالرأي العامّ ليس مقصورًا على النخب، وعلينا أن ننتج سينما شعبيّة أيضًا، يتناولها المشاهدون بغضّ النظر عن شرائحهم وطبقاتهم.

هيثم خلايلة خلال مشاركته في 'أراب آيدول'

علينا، أيضًا، أن نخلق أغنية فلسطينيّة، وذلك لأسباب كثيرة، قد يكون أقلّها أهمّيّة أن يجد المشتركون الفلسطينيّون، لاحقًا، أغاني فلسطينيّة يغنّونها إلى جانب الأغاني اللبنانيّة والمصريّة والخليجيّة، لا تُحصر فقط بالأغنية الوطنيّة والتراثيّة.

نحن في حاجة ماسّة إلى صناعة أغانٍ فلسطينيّة جديدة، مواكبة ومنسجمة مع ما حولها من أغانٍ عربيّة، لتستعيد اللهجة والبيئة الفلسطينيّتان موقعهما بين نظيراتها العربيّة، فهذه مهمّة ثقافيّة ووطنيّة في آن، تحتاج جهود هؤلاء النجوم. لقد قدّم عسّاف في ألبومه الأوّل أغنيات بلهجات عربيّة مختلفة، وكانت الأغنية الفلسطينيّة من أضعفها، لأنّها تعلّقت، ربّما، بالجانب السياسيّ من القضيّة الفلسطينيّة، وعلى نحو بات متكلّفًا.

لماذا لا ننتج أغنية فلسطينيّة عاطفيّة، بلحن رومانسيّ منسجم مع روح المرحلة، ليتمكّن العرب من حولنا من التقاطها؟ لماذا لا نفعل ذلك ما دام الاحتلال عاجزًا، حتّى الآن، عن ثنينا عن الحبّ؟

سيحتاج هذا الأمر وقتًا ليتعوّد المتلقّون على اللهجة، وهويّة الأغنية الفلسطينيّة، كما يحتاج صبرًا وتصميمًا.

لقد فاز النجمان أمير دندن ويعقوب شاهين حتّى الآن بقلوبنا، وقلوب مشاهدين كثر حول العالم، وقد يفوز أحدهما باللقب أيضًا، لكن ماذا يتوجّب على كليهما أن يفعلا، وإلى أين يمكن أن يمضيا؟

مثلما تدخّل عبد الناصر

في الحقيقة، بدأت أخشى على عسّاف من خفوت نجمه المفاجئ، والذي أصاب نجومًا كثيرين كنّا نرى أنّ استمرارهم القويّ لا بدّ منه، وأعزو ذلك إلى تخبّط الساحة الغنائيّة الفلسطينيّة؛ فالرجل لم يألُ جهدًا، وقدّم أغنيات وطنيّة حلوة، وأخرى رومانسيّة، لكن بلهجات أخرى، وكان ثمّة مآخذ عدّة على ألبومه، لعلّ أهمّها المكساج الظالم لمساحة صوته، والذي لم يأت عبثًا، إنّما لأنّ الأغاني كانت أقصر من صوته؛ فأين أبناء بيئة هذا الصوت من صناعة أغنياته؟

جمال عبد الناصر يكرّم أمّ كلثوم ومحمّد عبد الوهّاب

ها نحن أمام تحدّ يتّسع يومًا بعد يوم، فهذا الموسم من 'أراب آيدول' لم يقدّم أمير دندن ويعقوب شاهين فحسب، إنّما كشف النقاب عن أصوات فلسطينيّة ناضجة وكثيفة وغزيرة، دعتني إلى البحث عنها على يوتيوب، لأجد أنّ معظمهم قدّم أعمالًا لم تلق دعمًا كافيًا، وهالني أنّ معظمها كُتبت بلهجات مختلطة ببعضها، على الرغم من أنّ ملحّني بعضها نجحوا في وضع ألحان مواكبة وتحمل هويّة فلسطينيّة حداثيّة حلوة!

لا بدّ أن نعترف أنّنا في أزمة فنّيّة فعلًا، أزمة عدم استثمار الطاقات، بل وهدرها، ولا أجد ضيرًا في تدخّل الجهات الرسميّة، مثل منظّمة التحرير، نحو تغيير هذا الواقع، فقد سبق وتدخّل جمال عبد الناصر في ما غدا يسمّى لاحقًا 'لقاء السحاب'، حين لمّ شمل أمّ كلثوم وعبد الوهّاب، إذ أدرك أهمّيّة لقاء هذه الطاقات واستثمارها؛ وقد كان تدخّله من باب الدعم والتقريب، لا من باب فرض الرأي وتوجيه الأصوات في اتّجاهات محدّدة أو فرزها.

التدخّل المطلوب يجب أن يكون داعمًا للفنّ بالدرجة الأولى، ثمّ للفنّانين، فهم بمجرّد وصفهم بالفنّانين الفلسطينيّين، عن استحقاق وجدارة، يؤدّون دورًا مهمًّا في قضيّتنا!

 

سلطان القيسي

 

شاعر وكاتب فلسطينيّ من قضاء يافا، من مواليد الثمانينات، يحمل الجنسيّة الأردنيّة ويقيم في عمّان، يكتب في الصحافة العربيّة. صدرت له مجموعتان شعريّتان؛ 'بائع النبيّ' عن دار موزاييك - عمّان، و'أؤجّل موتي' عن دار فضاءات - عمّان، وترجمة 'الوطن - سيرة آل أوباما' لجورج أوباما، الأخ غير الشقيق للرئيس الأمريكيّ باراك أوباما، عن مؤسّسة العبيكان، الرياض.

التعليقات