كيف تتجسّس الدول على مواطنيها من خلال الإنترنت؟

تستخدم ملفّات تعريف الارتباط لتتبّع سلوك الفرد عبر الإنترنت، بما في ذلك مواقع الويب الّتي يزورها والمنتجات الّتي يشترونها وعمليّات البحث الّتي يقومون بها

كيف تتجسّس الدول على مواطنيها من خلال الإنترنت؟

(Getty)

خلال السنوات الأخيرة، كان ثمّة قلق متزايد بشأن استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة والتجسّس على المواطنين، إذ يمكن استخدام الكمّيّة الهائلة من البيانات الّتي يتمّ إنشاؤها بواسطة أنشطة الأفراد عبر الإنترنت لتتبّع تحرّكاتهم ومراقبة محادثاتهم وحتّى التنبّؤ بسلوكهم المستقبليّ، وفي حين أنّ الإنترنت قد أحدثت بلا شكّ العديد من التغييرات الإيجابيّة في العالم، فمن الضروريّ النظر في مدى إمكانيّة استخدامها أيضًا كأداة للمراقبة، وهو ما يثير مخاوف كبيرة بشأن حقوق الخصوصيّة الفرديّة وإمكانيّة إساءة استخدام السلطة.

ولطالما كان أحد أهمّ المخاوف المتعلّقة بالإنترنت هو قدرته على تتبّع أنشطة الأفراد عبر الإنترنت، والذي يتمّ من خلال استخدام ملفّات تعريف الارتباط، وهي ملفّات صغيرة يتمّ تخزينها على كمبيوتر الفرد عند زيارته لموقع ويب، وتستخدم ملفّات تعريف الارتباط لتتبّع سلوك الفرد عبر الإنترنت، بما في ذلك مواقع الويب الّتي يزورها والمنتجات الّتي يشترونها وعمليّات البحث الّتي يقومون بها، حيث يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات من قبل الشركات لتوجيه جهود الإعلان والتسويق نحو أفراد محدّدين.

ومع ذلك، لا يتمّ استخدام ملفّات تعريف الارتباط فقط من قبل الشركات لأغراض الدعاية، ويمكن أيضًا استخدامها من قبل الحكومات ووكالات إنفاذ القانون لتتبّع سلوك الأفراد عبر الإنترنت. على سبيل المثال، تمّ اتّهام وكالة الأمن القوميّ (NSA) في الولايات المتّحدة باستخدام ملفّات تعريف الارتباط لتتبّع أنشطة الأفراد عبر الإنترنت كجزء من برنامج المراقبة الخاصّ بها، وهو ما أثار مخاوف كبيرة بشأن مدى استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة والتجسّس على المواطنين.

ومن الطرق المتّبعة التي يمكن من خلالها استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة وهي من خلال استخدام منصّات وسائل التواصل الاجتماعيّ، حيث تمّ تصميم منصّات وسائل التواصل الاجتماعيّ لتشجيع الأفراد على مشاركة المعلومات حول أنفسهم واهتماماتهم وأنشطتهم، ومع ذلك، فإنّه يمكن أيضًا استخدام هذه المعلومات من قبل الحكومات ووكالات إنفاذ القانون لتتبّع تحرّكات الأفراد وأنشطتهم.

وفي عام 2017، أدخلت الحكومة الصينيّة نظام ائتمان اجتماعيّ يتتبّع أنشطة الأفراد على منصّات التواصل الاجتماعيّ، بما في ذلك الإعجابات والمشاركات والتعليقات، حيث تستخدم الحكومة الصينيّة هذه المعلومات لإنشاء نتيجة لكلّ فرد، والّتي يمكن استخدامها بعد ذلك لتحديد وصولهم إلى الخدمات مثل القروض والسفر والتعليم، وأثار نظام الائتمان الاجتماعيّ مخاوف كبيرة حول مدى استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة، وفي عام 2019، استخدمت شرطة مدينة لندن تقنيّة التعرّف على الوجه لمراقبة الحاضرين في كرنفال نوتنج هيل، وهو مهرجان سنويّ يقام في شوارع المدينة، وأثارت هذه الخطوة مخاوف كبيرة حول مدى استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة وتآكل حقوق الخصوصيّة الفرديّة.

وكانت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في عام 2016 قد وجدت أنّ 91% من الأميركيّين يعتقدون أنّهم فقدوا السيطرة على معلوماتهم الشخصيّة عبر الإنترنت، ووجدت الدراسة أيضًا أنّ 86% من الأميركيّين قد اتّخذوا خطوات لحماية خصوصيّتهم على الإنترنت، مثل مسح سجلّ التصفّح الخاصّ بهم، واستخدام أدوات الاتّصال المشفّرة، واستخدام ملحقات المتصفّح الّتي تعزّز الخصوصيّة، وعلى الرغم من ذلك، فإنّه لا يزال استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة والتجسّس على المواطنين سائدًا، إذ وجدت دراسة أجرتها مؤسّسة الحدود الإلكترونيّة (EFF) في عام 2015 أنّ الحكومات في جميع أنحاء العالم تستخدم بشكل متزايد تقنيّات المراقبة لمراقبة أنشطة المواطنين عبر الإنترنت، وأفضت الدراسة إلى أنّ 42 من أصل 65 دولة شملها الاستطلاع لديها قوانين تسمح بالمراقبة الجماعيّة لأنشطة المواطنين على الإنترنت.

ويعدّ استخدام الإنترنت كأداة للمراقبة والتجسّس على المواطنين قضيّة معقّدة تتطلّب نهجًا متعدّد الأوجه لمعالجتها، ويتمثّل أحد الأساليب في زيادة الشفّافيّة والمساءلة في استخدام تقنيّات المراقبة، ويمكن القيام بذلك عن طريق مطالبة الحكومات ووكالات إنفاذ القانون بالكشف عن أنواع تقنيّات المراقبة الّتي تستخدمها والأفراد أو الجماعات الّتي تستهدفها.

وبحسب العديد من الخبراء، فإنّ إنشاء أطر قانونيّة واضحة تحمي حقوق خصوصيّة الأفراد هو أمر بالغ الأهميّة، ويمكن القيام بذلك عن طريق سنّ تشريعات تتطلّب من الشركات الحصول على موافقة صريحة من الأفراد قبل جمع واستخدام معلوماتهم الشخصيّة، ويمكن القيام بذلك أيضًا من خلال وضع مبادئ توجيهيّة واضحة لاستخدام تقنيّات المراقبة من قبل الحكومات ووكالات إنفاذ القانون.

التعليقات