فيلم "على حلّة عيني".. وكيف للفنّ أن يغيّر "جارنا عسّاف"؟

يعرض حاليًا في تونس الفيلم 'على حلّة عيني' للمخرجة التّونسيّة ليلى بوزيد (1984)، الفيلم يُعرض للأسبوع التّاسع على التّوالي، وكم هو مفرح أن يستجلب فيلم عربيّ مستقلّ جماهيره المحليّة، مما تشهد هذه الحالة  تقدمًا ملحوظًا في تونس ما بعد الثّورة.

'على حلّة عيني' هو الفيلم الطويل الأول للمخرجة بوزيد، وقد حصد حتى الآن على 25 جائزة عالميّة. وهنا يجدر التّوقف والإثناء على بعض المخرجات التّونسيات وأفلامهن ما بعد الثورة. هناك جيل من المخرجات الصّاعدات اللواتي يحاولن اتقان مهنة الإخراج السّينمائيّ، وهي مهنة ولها قوانينها قبل كل شيء. وقسم كبير منهن يقدمن سينما بمستوى عالميّ، نخص بالذكر كلّ من المخرجتين الشّابتين كوثر بن هنيّة وهند بو جمعة، وأفلامهما الأخيرة.

يمكن القول بأن الفيلم 'على حلّة عيني' هو بذرة جديدة في السّينما العربيّة على صعيدين: أولًا، هو عرض جريء لفتاة عمرها 18 عام تمارس حياة حرة بإختيار. فرح، بطلة الفيلم والتي تقوم بدورها باتقان، الممثلة الصاعدة بيّة المظفر، هي مطربة في فرقة موسيقيّة شابة تؤدي موسيقى بديلة. بالرغم من قيود المجتمع وقيود النّظام السّابق (نظام زين العابدين بن علي)، تغني فرح عن أحوال الدّولة والمجتمع التّونسيّ. أجرأ ما تعرضه المخرجة هو حرية تصرف فرح بجسدها، فرح تحب صديقها برهان وتقتنص الفرص لأن تختلي به لتكلمه أو تقبله أو تمارس الحبّ معه.  ثانيًا، الفيلم يمثل حالة سخط على النّظام البائد، وهذا السّخط  يأتي واضحًا وبلا تأتأة. فهذا النظام بالنسبة للمخرجة هو نظام طغيان سقيم يسلب حرية الفرد بل ورغبته في الحياة أيضًا. وهناك شعور مريح يرافقنا فور خروجنا من عرض الفيلم، بأن هذا النّظام قد زال.

بالرغم من جرأة المخرجة التّونسيّة بالمواضيع التي تتناولها، وأشك بأن هناك أي دولة عربيّة أخرى ترضى بعرض –بل ودعم- فيلمًا كهذا، إلا أنه لا بد لنا من البت في ماهية هذا التمثيل لشخصية  فرح الشّابة وأبعاده.

فرح (بيّة المظفر) ووالدتها حياة (غالية بنعلي)

'جارنا عسّاف'

في كل مرة أشاهد فيلمًا عربيًا يخوض في موضوع حرية المرأة في مجتمعنا الذّكوريّ الأبويّ، أطرح أمامي السؤال 'الفلسفيّ': 'كيف لهذا الفيلم أن يؤثر على 'جارنا عسّاف'؟ و'جارنا عسّاف' هذا يمثل شريحة كبيرة من مجتمعنا العربيّ المحافظ الذي حُفظت محافظته من أجل الحفاظ على حوض بناته المنجميّ.  سيرة فرح ليست سيرة فتاة عربيّة تقليديّة، ولا يسعنا إلا التّساؤل حول كيف لهذا الفيلم أن يؤثر على الجمهور العربيّ الواسع؟  يمكن القول بأن سيرة فرح هي سيرة تحرر عاديّة في مجتمع غربيّ، وليست سيرة تحرر في مجتمع عربيّ حيث أغلب الشّابات لا يخرجن للسهر ليلًا ولا يمارسن الجنس قبل الزواج، ثم أن أغلب أولائك اللواتي يقررن ممارسة الجنس قبل الزواج، لا بد أن يواجهن، وحتى درجة معينة مربط فرس عقد العرب: عقدة غشاء البكارة. أشد ما أخشاه هو أن يزيد هذا الفيلم من تحفظ 'جارنا عسّاف' على محافظته. عدم تناول موضوع حرية المرأة الجنسيّة  بتأنٍ وتروٍ في مجتمعنا بإمكانه أن يصدم وأن يُعتبر انحلالًا عند أغلب فئات المجتمع.

عسّاف هو مجرد اسم، وهو يمثل شريحة كبيرة من مجتمعنا، -هناك طبعاً شرائح حاضرة أخرى تحيا في قلب الظلام والرّجعيّة ولا تكف عن تنويرنا بذاك الظلام-  أولئك يرفضون الفنّ أصلًا. أعتقد أننا، ومن خلال فنّنا، نسمو للتأثير على 'جارنا عسّاف'، إلا أنّ  فيلم بوزيد لا يسعى لذلك، وهذا حقها.

أخشى أن رسالة بوزيد النّسويّة في عملها الفنّيّ سوف يساء فهمها في مجتمع ما زال ينكر فيه مطرب معروف حق الفتاة في الغناء، ثم يحدث ذلك من غير أن يتم نبذه كليًا من السّاحة الفنّيّة. إلا وأنه، لا بد أن تلقى رسالتها استحسانًا عند بعض الفئات الصغيرة، تلك التي لديها نية بالأصل بتحطيم الفكر المحافظ.  

طاقم الفيلم

لا بد من الإثناء على أداء الممثلة بيّة المظفر في الفيلم، من في أدائها التّمثيليّ من عفويّة وشخصية متحررة وطبيعيّة لأقصى الحدود. أما المطربة غالية بنعلي فقد أبلت بلاءً حسنًا في دور حياة (أم فرح)، ومن الصّعب التصديق أنها لا تمتهن مهنة التمثيل أساسًا.

بالرغم من الألحان المميزة  للموسيقيّ العراقيّ خيّام اللامي في الفيلم وكلمات الشّاعر والمخرج التّونسيّ غسّان عمامي، إلا أننا نستغرب ابقاء كل أغاني الفيلم بصوت الممثلة بيّة المظفر المحدود وكثير النشاز، بالرغم من كون ذلك قرارًا فنيًا واضحًا، لكنه باعتقادي هو خيار فنّيّ سيء، خاصة أن كل أعضاء الفرقة الموسيقيّة، عدا المطربة، هم موهوبون يتقنون عملهم الموسيقيّ على أكمل وجه.  

*سينمائيّ فلسطينيّ