3000 ليلة؛ التحرّر من الأسر مرّتين

كثيرة هي حكايات السّجن ورواياته، لكن ثمّة خيوط قد تكون جديدة في الحديث عن السينما الفلسطينيّة التي تجتهد لتقدّم شكلًا ومضمونًا مختلفين، أحيانًا، لحكايا الواقع المتكرّر، كما هو الحال مع فيلم 3000 ليلة، حيث الاهتمام الخاصّ بالمرأة الفلسطينيّة في معتقل نستطيع أن نعطيه معاني كثيرة، احتلالًا ومجتمعًا ووطنًا وحكاية ذاتيّة.

في 3000 ليلة، الفيلم الروائيّ الأوّل بعد سلسلة أفلام وثائقيّة، تتابع المخرجة ميّ المصري رحلتها السينمائيّة عبر تصوير قصّة حقيقيّة لنساء فلسطينيّات أسيرات في معتقل إسرائيليّ، مع إسرائيليّات متّهمات بقضايا جنائيّة يتصارعن معهنّ، وذلك في فترة الثمانينات.

طفل لأمومة جماعيّة

لم تكن ليال عصفور (تؤدّي دورها ميساء عبد الهادي) تعلم أنّ هناك 8 سنوات بانتظارها في المعتقل، لكي تتغيّر حياتها فجأة بعد اتّهامها بمساعدة أحد الشبّان الذين شاركوا في اشتباك مع العدوّ.

رفضت ليال القول إنّ الشابّ قد هاجمها كي تخرج من المعتقل، بالرغم من ضغوط الزوج وسلطات الاحتلال، واختارت المعتقل بدلًا من تلك الكذبة، وبذلك تدمّرت حياتها السابقة تدميرًا سريعًا، إذ تركها الزوج وسافر إلى كندا؛ لتكتشف بعد ذلك حملها، وتلد في المعتقل طفلًا تسميه نور. يتنقّل نور بين أيدي الأسيرات كأنّه طفل لأمومة جماعيّة، وفرح مشترك. ويبدو أنّ الخيال هو مدرسة الطفل الأولى، فوالدته تعلّمه من خلال الرسم على الجدار  وقصّ الحكايا واللّعب.

تواجه ليال بعد ذلك تحدّيًا ثانيًا، إذ يكون عليها أن تختار بين الطفل أو المشاركة في إضراب تقوم به الأسيرات احتجاجًا على مجزرة صبرا وشاتيلا. تسلّم ليال طفلها بعد تردّد وخوف، وتشارك في الإضراب، يرافق ذلك خيار مناقض لصديقتها الأسيرة التي تساعد إدارة السجن في الكشف عن معلومات مقابل الخروج من السجن.

رموز

قال صيموئيل بيكيت، رائد مسرح العبث مرّة عن كتابات جيمس جويس، إنّ الشكل فيها هو المضمون والمضمون هو الشكل؛ وهنا، في 3000 ليلة، اقترب الشكل من المضمون كثيرًا؛ فوضعت اللغة السينمائيّة كلّ عدّتها كي تحكي نفسها؛ من أسماء الشخصيات، وهي ليال عصفور ونور، إلى لعبة الطفل، وهي عصفور خشبيّ، فأغنية الختام: يا ظلام السجن خيّم، وغيرها.

يشعر المشاهد بأنّه في جوّ رمزيّ مكثّف، ورغم أنّ بعض الرموز مستهلكة، كالعصفور الدالّ على الحرّيّة، إلّا أنّها ستتحرّك وتتغيّر كما هي حال ليال، وهذا ما يمنح أجواء الفيلم حالة فريدة. العصفور سيطير في النهاية، والجدار المرسوم عليه بالطبشور سيمتدّ إلى واقع أكبر، والزنزانة ستصبح وطنًا. الصورة صامتة غالبًا، وذلك كي تقول ما يمكن أن نتخيّله، ولهذا جُعِلَتْ مشاهد التعذيب أقلّ ممّا هي في الحقيقة ألمًا وبشاعة.

 المساحة الصغيرة معتمة، والتشابه بين ملابس السجينات يجعل الصورة تتكرّر، لكنّ اختلاف الشخصيّات وتفاوت أعمارهنّ ومواقفهنّ يلوّن الحالة، لتصبح اللوحة أوسع ممّا هي عليه.

خروج

لحظة الخروج من الأسر ليست اللحظة التي تقود إليها الأحداث، فهي لحظة متوقّعة، لكنّ المواقف التي تولد داخله، وخيار ليال بالمشاركة في الإضراب هو حالة الخروج تلك. الخروج من ليال العاديّة إلى المناضلة. ربّما يحتاج ذلك إلى تجربة تسمّى 'الأسر'! المشاهد السريعة لحالة النضوج تمثّلت بحركات بسيطة، مثل استماع ليال إلى صديقتها أناهيد فيّاض، وهي تتعاون مع إدارة المعتقل لتخرج وتعود إلى أطفالها.

تتحرّر ليال مرّتين من الأسر؛ الأولى بسبب خياراتها غير الخاضعة داخله، والثانية بعد 8 سنوات، عندما تخرج فعليًّا منه

قد يلاحظ أيضًا أنّ باطن الشخصيّات مجهول، إذ ما من حياة سابقة تتداخل مع اللحظة الحاليّة، سوى في حالة سناء التي تمتزج شخصيّتها القويّة الحازمة التي اكتسبتها في المخيّم بقيادتها للأسيرات في المعتقل؛ وهي شخصيّة عادة ما توضع المرأة الفلسطينيّة في إطارها، ووجودها لم يكن سوى تجسيد حيّ لواقع قاس. الشخصيّات الأخرى تحبّ وتتلصّص على الرجال في المعتقل المقابل، دون ملامح تعكس طبيعة حياتهنّ العاطفيّة قبل السجن.

صُوّر الفيلم في سجن قديمش بالأردنّ، بمشاركة فرنسيّة أردنيّة إماراتيّة، وعُرِضَ في عدّة أماكن في العالم، من ضمنها مهرجان تورنتو السينمائيّ الدوليّ، كما في فلسطين، وفي الصالات اللبنانيّة خلال الشهور الماضية.