عريدي والسويدي: مهرجان سينما فلسطين، قدّم "سينما المجتمع" لأهل الدوحة ومؤسّساتها

من عروض "مهرجان سينما فلسطين - الدوحة"

 

تشهد الدوحة خلال السنوات القليلة الماضية، اهتمامًا واحتفاءً متزايدين بالثقافة الفلسطينيّة ومبدعيها، تقوم عليهما جهات عديدة، من ضمنها مجموعات ناشطة مستقلّة، شبابيّة بالأساس، مثل "شباب قطر ضدّ التطبيع"، و"الروزنا"، ومؤسّسات عامّة، مثل "المدارس الفلسطينيّة"، و"المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات"، و"الحيّ الثقافيّ – كتارا"، وغيرها.

كانت آخر محطّات الاهتمام والاحتفاء، تنظيم الدورة الأولى من "مهرجان سينما فلسطين – الدوحة"، تحت شعار "حكاية من بلد الحكايات"، من 10 حتّى 16 تشرين الأوّل (أكتوبر)، في الحيّ الثقافيّ – كتارا، ضمن شراكات مع جهات فلسطينيّة وقطريّة عديدة، من بينها محفل قلنديا الدوليّ، ووزارة الثقافة القطريّة، ووزارة الثقافة الفلسطينيّة، والسفارة الفلسطينيّة في الدوحة، وغيرها.

شهد المهرجان عرض 25 فيلمًا، فلسطينيًّا وقطريًّا، طويلة ومتوسّطة وقصيرة، روائيّة وتسجيليّة وتحريكيّة، تهدف إلى حكاية قصص عن فلسطين، سينمائيًّا، افتُتِحت بـ "واجب" لآن ماري جاسر، واختُتمت بـ "اصطياد أشباح" لرائد أنضوني"، بالإضافة إلى محاضرة واحدة، بعنوان "رحلة قرن: سينما فلسطين والاستعمار".

 

 

التقى مدير تحرير فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، على مواسي، مديرتا المهرجان، رَفْيا عريدي، وكَلْثَم السويدي، للوقوف على مبادئ ومنطلقات تنظيم المهرجان، ومسار الإعداد له، وأهمّ الإنجازات الّتي حقّقها، والتحدّيات الّتي واجهها القائمون عليه، وما سيكون عليه مستقبلًا بعد إنجاز دورته الأولى.

فكان هذا الحوار...

 

فُسْحَة: لماذا السينما تحديدًا، وليس دونها من أشكال إنتاج إبداعيّ وثقافيّ؟

رَفْيا وكَلْثَم: اخترنا السينما تحديدًا؛ لأنّ فيها جانبًا يتضمّن حكاية؛ فهي تحكي مباشرة وبوضوح شؤون مجتمع، إن كان قطريًّا أو فلسطينيًّا. الجميل في السينما الفلسطينيّة والقطريّة الّتي عُرِضَت خلال المهرجان أنّها ليست تجاريّة، حتّى وإن كانت أفلامًا قصيرة في الجانب القطريّ، بل تحكي قصصًا معيّنة لها علاقة بالمجتمع وبهمومه. اعتقدنا أنّ ذلك يمكن أن يمثّل انطلاقة مميّزة.

ثيمتنا في المهرجان "الحكايات"، ونحن نرى أنّ أجمل وسيلة لتقديم قصّة، عرضها عبر فيلم؛ فذلك أقرب إلى حكي الحكاية، وهو يجذب أكثر. أن تحكي الحكاية شفويًّا، أو إخباريًّا، أو تنظّم حملات توعويّة، أمر يختلف عن عرضها بصريًّا بشكل لافت للناس، قد يكون ممتعًا، ولا بأس في أن يكون كذلك في خضمّ نشاطات التوعية الّتي تُنظّم.

السينما أجمل طريقة لتحكي حكاية... إنّها الجمال والقرب من الناس والسلاسة.

 

فُسْحَة: "الثقافة، والمجتمع، والتعليم، والترفيه". الأسس الأربعة الّتي أعلنتم أنّ المهرجان يقوم عليها ويطمح إليها، فما مدى نجاحه في تحقيق ذلك؟

رَفْيا وكَلْثَم: يمكننا القول، إنّنا حقّقنا المبادئ الأربعة، باستثناء التعليم. تركّزت الدورة الأولى من المهرجان في عرض الأفلام، لمحدوديّة الميزانيّة، ولصغر فريق عمل المهرجان، الّذي تكوّن من ثلاثة أشخاص بالأساس، ما حدّ من التوسّع نحو تنظيم أنشطة إضافيّة سوى عرض الأفلام، وتنظيم محاضرة واحدة حول تاريخ السينما الفلسطينيّة.

 

مع فريق عمل المهرجان ومتطوّعيه

 

نعمل بشكل متواصل منذ بداية عام 2018، وقد واجهنا عقبات وتأجيلات كثيرة؛ فاخترنا أن نبدأ بأمر مصغّر، يركّز على جوهر المهرجان الأساسيّ، ألا وهو عرض الأفلام.

نطمح أن تشمل السنوات القادمة من المهرجان "ماستر كلاس"، وورش عمل، وجلسات حواريّة، نتناول فيها موضوعات تتعلّق بالسينما وما يواجه السينمائيّين في المنطقة العربيّة.

الجيّد أنّنا استطعنا أن نعرّف المجتمع والمؤسّسات الداعمة في الدوحة، بمفهوم جديد، ألا وهو "سينما المجتمع"، أي أن يقوم مهرجان سينمائيّ على جهود أفراد، وأن تكون عروضه مجّانيّة لكلّ فئات المجتمع. هذا كان شيئًا جديدًا، وهو أمر جميل بداية.

كان لدعم المؤسّسات والشركاء الثقافيّين اللوجستيّ، دورًا في إخراج المهرجان على نحو لائق، شكلًا ومكانًا، بالإضافة إلى دعم مؤسّسات أخرى تقنيًّا، في بعض المراحل، ما ساهم في إخراج المهرجان بأقلّ كلفة ممكنة وبالجودة المطلوبة.

 

فُسْحَة: ما المعايير الّتي اعتمدتم لدى اختيار الأفلام، المضامينيّة والجماليّة؟

رَفْيا وكَلْثَم: عُرِضَ في المهرجان 24 فيلمًا فلسطينيًّا وقطريًّا، ما بين طويل وقصير، 8 منها طويلة، و15 فيلمًا قصيرًا، وواحد متوسّط.

من المعايير الّتي اعتمدناها التنوّع في الطول، والنوع، والمضمون؛ بين طويل وقصير، وروائيّ ووثائقيّ وتحريكيّ (أنيميشين)، واجتماعيّ وإنسانيّ وسياسيّ وتأريخيّ. حاولنا أيضًا تغطية كلّ أماكن وجود الفلسطينيّين؛ الضفّة الغربيّة، والقدس، وغزّة، وأراضي 48، والشتات.

 

 

بسبب محدوديّة التمويل وصغر فريق العمل، لم نفتح الباب لاستقبال طلبات مشاركة أفلام، تواصلنا مباشرة مع مخرجين شاهدنا أفلامهم سابقًا، واخترنا الأفلام بناءً على تقديرنا لعدّة أمور، مثل مدى حبّ الناس للفيلم والتفاعل معه، وفهمهم له. لم تكن لجنة اختيار ومشاهدة. المهرجان صغير في دورته الأولى، ونحن نطمح مستقبلًا إلى أن يتطوّر ويتوسّع نحو تحقيق ذلك.

 

فُسْحَة: لماذا "واجب" لآن ماري جاسر في افتتاح المهرجان، و"اصطياد أشباح" لرائد أنضوني في ختامه؟

رَفْيا وكَلْثَم: كلا الفيلمين عاليا الجودة، حظيا بحضور واحتفاء عالميّ، وفازا بجوائز عديدة، ولفتا الانتباه بشكل قويّ لنوعين مختلفين من القصص أو الحكايات. لم نرغب في أن نفتتح المهرجان بـ "اصطياد أشباح"، لأنّه فيلم مركّب ودسم جدًّا، ويحتاج إلى تأمّل وتفكير بعد مشاهدته، وقد خشينا أن يؤثّر ذلك في إقبال المشاهدين مجدّدًا على عروض الأفلام الأخرى، على مدار أيّام المهرجان، إلى حين استيعابهم له و"هضمه".

"واجب" يتضمّن شيئًا من الكوميديا، ويتطرّق إلى جوانب أقرب إلى حياة الناس اليوميّة، مثل علاقة الأب بابنه؛ فجميعنا مررنا بهذه التجربة في مرحلة ما من مراحل حياتنا، بمختلف جنسيّاتنا وأعمارنا، حيث الحوار بين جيلين مختلفين. لذا فضّلنا أن يكون "واجب" فيلم الافتتاح، و"اصطياد أشباح" فيلم الختام.

 

فُسْحَة: ما الخطوات الّتي تنوون الإقدام عليها نحو مأسسة المهرجان أكثر، بناءً على تجربتكم في دورته الأولى؟

رَفْيا وكَلْثَم: استطعنا أن نتعلّم أمورًا كثيرة من تجربة تنظيم دورة المهرجان الأولى، لها علاقة بالجمهور الّذي حضر، وطبيعة الأفلام، وطريقة اختيارنا أماكن عرضها، والدعم اللوجستيّ الّذي من الممكن الحصول عليه، وكذلك تقييم مدى حضور الجانب التعليميّ، وهو واحد من أهداف المهرجان الّتي نرغب في تحقيقها مستقبلًا، نحو اهتمام أكبر في الكتابة السينمائيّة الإبداعيّة مثلًا، والإخراج.

 

 

مبدئيًّا، نحن مستمرّون، هذا ما تمنّيناه قبل إطلاق الدورة الأولى، وزاد إصرارنا على ذلك بعد الإطلاق ورؤيتنا الإقبال على العروض.

يلزمنا أن نُمَأسِس المهرجان أكثر، لأنّه كان من المتعب لنا، أفرادًا منظّمين، العمل بأمور مثل التصاريح، والتوثيقات الرسميّة، كوننا لا نملك "هويّة رسميّة" مؤسّساتيّة. كان الجميع يسألنا: من أنتم؟ لمن سنعطي التصاريح؟ ولمن سنعطي التمويل؟ ما هي إنجازاتكم السابقة لنقدّم لكم الدعم؟ إذ ليس شائعًا هنا أنّ مجموعة من الأفراد المستقلّين يبادرون لتنظيم مشاريع كهذه؛ فغالبًا يكون تنظيمها من قبل شركات. من الصعب أيضًا طلب أفراد لتمويل من داعمين، تجنّبًا لحصول مغالطات وتجاوزات.

نفضّل أن نعمل بشكل مستقلّ، لكنّنا سنحتاج إلى تأسيس شركة مستقبلًا تقوم على تنظيم المهرجان في دوراته المقبلة، حتّى نحتفظ أيضًا بالحقوق على عملنا وإنجازاتنا، وإنشاء أرشيف لنا، وهو ما يمنحنا، أيضًا، صفة رسميّة أكثر للتواصل مع المجتمع، والمؤسّسات، والشركات.

قانون الجمعيّات في قطر يستلزم عدّة خطوات بيروقراطيّة، واستصدار عدد من الموافقات، وثمّة قوانين وإجراءات كثيرة، تضبط مسار إ نشاء جمعيّة ما؛ ولهذا يتّجه أصحاب المبادرة، عادةً، إلى إنشاء شركات إنتاج أو تنظيم فعاليّات أو مهرجانات، فهذا الأمر أيسر، كما أنّ المردود المادّيّ سيكون أفضل في حال إنشاء شركة، لأنّ القانون القطريّ يصرّح لأيّ شركة بأخذ مقابل مادّيّ لدى تنظيم حدث ما، على عكس الجمعيّة الأهليّة الّتي من المفترض أن تقدّم خدمات مجّانيّة، وتحت مظلّة وزارة الثقافة، أو العمل، أو غيرها، ونحن بالتأكيد مبادرة غير ربحيّة، وسنبقى كذلك، وإن تسجّلنا بصفتنا شركة، لتيسير الإجراءات والمعاملات الرسميّة.

ممّا يَسَّرَ شؤون التنظيم الرسميّة، مثلًا، أنّ وزارة الثقافة الفلسطينيّة أصدرت كتاب تزكية بالأفلام المدرجة ضمن برنامج المهرجان – الّتي ساهمت في إنتاج بعضها -، وتوصية للسفارة الفلسطينيّة في الدوحة بدعم المهرجان، بناءً على معرفتهم السابقة بعملنا في فلسطين.

 

فُسْحَة: خلال السنوات الأخيرة، يُلحظ اهتمام واحتفاء لافتان بالثقافة الفلسطينيّة في الدوحة؛ ما أرضيّة ذلك؟ وما تفسيركما له؟

رَفْيا وكَلْثَم: منذ ستّينات وسبعينات القرن الماضي، كانت فلسطين حاضرة دائمًا في المجالس الاجتماعيّة في قطر (الدواوين) والنوادي، مثل نادي الطليعة، من خلال تناول أحداث مختلفة، كالنكسة، والانتفاضة، وخطابات جمال عبد الناصر؛ وكانت الثقافة القوميّة والنشاطات المتعلّقة بها حاضرة بقوّة، كما كانت جمعيّات أهليّة قائمة لدعم القضيّة الفلسطينيّة، مثل "لجنة قطر الأهليّة لمساندة الانتفاضة الفلسطينيّة" الّتي تأسّست عام 1988، وكانت مؤلّفة من مجموعة مثقّفين وفنّانين، من أبرزهم الفنّان علي ميرزا، والدكتور علي خليفة الكوّاري، والدكتور مرزوق بشير، والفنّان يوسف أحمد، وغيرهم، وقد كان لهم تأثير كبير في المجتمع القطريّ، ولا يزالون.

 

 

ثمّة أرضيّة محلّيّة معنيّة بالشأن الفلسطينيّ، في الجانبين، الثقافيّ والسياسيّ، وتحديدًا ما يتعلّق بالتطبيع. الجالية الفلسطينيّة كبيرة في الدوحة، وهي موجودة منذ مدّة طويلة، وقسم منها وفد إلى هنا خلال خمسينات القرن المنصرم، لتغدو قطر بلدًا ثانيًا لهم.

مثل هذه الأرضيّة كانت مشجّعة لنا في تنظيم المهرجان، بالإضافة إلى وجود جاليات عربيّة كثيرة تدعم القضيّة الفلسطينيّة، وتهتمّ بشؤونها. لكنّنا لم "نلعب على الوتر" الفلسطينيّ خلال تنظيمنا للمهرجان، كنّا نحاول قدر الإمكان تقديمه بصفته فعاليّة ثقافيّة سينمائيّة تحكي حكايات من فلسطين وعنها بالأساس، وشعارنا كان "حكايات من بلد الحكايات"، سواءً من قطر أو من فلسطين.

 

فُسْحَة: اخترتم تحت اسم "سينما فلسطين"، عرض أفلام قصيرة من إنتاج سينمائيّين قطريّين، ضمن برنامج بعنوان "مسرّات قطر"، فلماذا هذا القرار؟ ما الهدف منه؟

رَفْيا وكَلْثَم: كوننا في الدوحة، وبما أنّها البلد المضيف، كان هذا القرار. نحن نؤمن بالتمازج؛ لذا استضفنا أفلامًا قطريّة، وسيكون هذا أمرًا ثابتًا في الدورات القادمة. يهمّنا أيضًا الوقوف على التجربة السينمائيّة القطريّة الحديثة، والاحتفاء بالسينمائيّين القطريّين، الشغوفين بالإنتاج، والكتابة السينمائيّة، والإخراج. لقد أحببنا التعرّف إليهم أكثر، عن كثب، ونسعى إلى التشبيك بينهم والسينمائيّين الفلسطينيّين مستقبلًا... هذا من ضمن أهدافنا للتمازج الثقافيّ بين البلدين بعامّة، وبين المشهدين السينمائيّين فيهما بخاصّة، وتبادل الخبرات الثقافيّة والاجتماعيّة.

سنعمل قريبًا، على نقل أفلام "مسرًات قطر" الّتي عُرِضَت خلال المهرجان إلى فلسطين، عبر شراكات ثقافيّة أنجزناها وننجزها، مع "مهرجان السجّادة الحمراء" في غزّة، و"مركز خليل السكاكينيّ" في رام الله، و"مساحة" في حيفا، ونحن نتواصل حاليًّا مع جهات في كلّ من القدس وبيت لحم، لإنجاز شراكات.

 

من أفلام "مسرّات قطر" المعروضة ضمن المهرجان

 

نقصد تعريف الجمهور في فلسطين بأنّه ثمّة حراك ثقافيّ، ولا سيّما سينمائيّ، في قطر، وهي حاجة لمسناها خلال تنظيمنا لأنشطة وفعاليّات سابقة؛ مثل جولة محاضرات للباحث فادي عاصلة، وجلسة موسيقيّة للفنّانة أمل كعوش، ومعرض تصوير فوتوغرافيّ للفنّان محمّد بدرانة، وغيرهم. لقد وجدنا أنّ استضافة الفنّانين الفلسطينيّين هنا، في الدوحة، وجمعهم بفنّانين ومثقّفين قطريّين، أزال العديد من الحواجز، وغيّر الكثير من الأفكار النمطيّة لدى الزائرين، حول الخليج بعامّة، والإنتاج الإبداعيّ والثقافيّ فيه. كما أنّ أهل الدوحة، بالمقابل، كانوا راغبين بعد هذه اللقاءات، بالتعرّف أكثر إلى الفنّانين والمثقّفين الفلسطينيّين وتجاربهم، واستمرار العمل والتعاون معهم، واستضافة المزيد منهم. هنا أيضًا، في قطر، ثمّة صورة نمطيّة سائدة عن فلسطين، تختصرها في أنّها مكان مدمّر، تسوده الحرب، بسبب الصورة المكرّسة في الإعلام؛ لذا فأهلها يستغربون من وجود كلّ هذا الأمل وبريق الحياة لدى الفلسطينيّين الّذين يأتون لزيارة بلدهم.

من ردّات الفعل الّتي لمسناها حول أفلام المهرجان، مثلًا، استنتاج أنّ فلسطين، وعلى الرغم من حضور المحتلّ، تعجّ بالحياة.

 

فُسْحَة: هل كان ثمّة إقبال من المجتمع القطريّ، من غير المقيمين، على فعاليّات المهرجان؟

رَفْيا وكَلْثَم: كان حضور الجمهور القطريّ إلى المهرجان جيّدًا، يمكننا القول إنّه بلغ الـ 20% من مجمل المشاركين في المهرجان، من مختلف الجنسيّات العربيّة والعالميّة. نحن لم نسوّق المهرجان من باب الهويّة، الفلسطينيّة، أو القطريّة، أو العربيّة، وفقط، هو بالدرجة الأولى مهرجان سينمائيّ، والسينما لغة عالميّة، وهذا كان تسويقنا له.

 

فُسْحَة: "سينما فلسطين"، هذه الصياغة اللغويّة في عنوان المهرجان، قليلة الاستخدام في أسماء مهرجانات تُعنى بشؤون السينما الفلسطينيّة، هل هي أمر عفويّ، أم قرار يُقصد منه معنًى خاصّ؟

رَفْيا وكَلْثَم: اخترنا أن يكون اسم المهرجان، من حيث الصياغة اللغويّة، "مهرجان سينما فلسطين"، وليس "السينما الفلسطينيّة"، مثلًا، أو "المهرجان السينمائيّ الفلسطينيّ"، وما دون ذلك من احتمالات، لشعورنا بأنّ حضور لفظ "فلسطين"، دالًّا على المكان والثقافة والناس، يخفت ويبهت في أيّامنا، لصالح الانتماء السياسيّ المتمثّل بالجنسيّة. نريد، ومن خلال هذه الصياغة اللغويّة، أن نثبّت وجود البلد المسمّى "فلسطين"، نحن لسنا شعبًا فقط، مشتّتًا، بل شعب له بلد، لذا يغدو قول "أنا من فلسطين"، مقابل "أنا فلسطينيّة/ ة"، مهمًّا للغاية.

 

من الأفلام الفلسطينيّة المعروضة ضمن المهرجان

 

نحن نحتفل بكلّ "سينما فلسطين"، منذ بداية إنتاجها، حتّى اليوم. فلسطين لم تبدأ اليوم، ونحن نطمح إلى الوقوف على هذه السينما في مختلف مراحلها الزمنيّة، متى أُتيحت لنا الموادّ الأرشيفيّة. عرضنا سابقًا في الدوحة فيلمًا لماريز غرغور، "لقاء مع أرض مفقودة"، حول الجالية الفرنسيّة في فلسطين قبل النكبة، وتحديدًا في مدينة يافا، ومن خلال هذا الفيلم والموادّ الأرشيفيّة الغنيّة الّتي يعتمد عليها، شاهد الناس، هنا، كم كانت يافا تضجّ بالحياة. كنّا قبل النكبة، ثقافيًّا، بوضع أفضل بكثير ممّا نحن عليه اليوم، لم نعاني من انغلاق أو أيّ محدوديّة في تقبّل الكثير من الأمور. أن تأتي أمّ كلثوم، مثلًا، وتغنّي في "سينما الحمرا" بيافا، يقول الكثير.

إنّه ببساطة، احتفاء بكلّ الإنتاج السينمائيّ في فلسطين، وعنها، منذ ما قبل النكبة، حتّى اليوم.

 

فُسْحَة: من المتوقّع، وبسبب خصوصيّة المجتمع القطريّ، ذي العادات والتقاليد المحافظة، وكونه حديث عهد بالسينما وصناعتها، ألّا يُتقبّل كلّ مضمون لديه، سينمائيًّا، ولا سيّما التجارب الّتي تتناول ما يُسمّى "التابوهات". هل كانت لديكم محاذير وضوابط معيّنة لدى تنظيم المهرجان واختياركم الأفلام الّتي ستعرضون؟

رَفْيا وكَلْثَم: أخذنا بعين الاعتبار حساسيّة المجتمع، وحاولنا أن نوازي بين حرّيّة الإبداع من جهة، وألّا نعرض ما هو صادم للمجتمع المحلّيّ من جهة ثانية؛ كون المهرجان في دورته الأولى ومستقلّ، ويمكن الاستغناء عمّا قد يسبّب مشكلات، ليرى النور في دورات قادمة. راعينا بعض الأمور البسيطة في هذا الفيلم أو ذاك. الأفلام الّتي عرضناها لم تتضمّن مشاهد تُعَدّ صادمة، أو تتضمّن شتائم مبالغًا بها. أصمتنا بعض الشتائم ذات الدلالات الدينيّة والجنسيّة بالاتّفاق والتنسيق مع أصحاب الحقوق، مخرجين وموزّعين؛ فهذا من الصعب تقبّله هنا.

هذا مهرجان مجتمعيّ، موجّه للمجتمع العامّ، وليس للعاملين في مجال السينما تحديدًا، على غرار الكثير من المهرجانات الّتي تُنظّمها المؤسّسات السينمائيّة إجمالًا. نحن مضطرين إلى مراعاة المجتمع، ولا يمكننا أن نفرض عليه أمورًا وفق اجتهاداتنا الفرديّة؛ وأن نقول لهم: يجب أن تشاهدوا، ويجب أن تتقبّلوا.

 

فُسْحَة: عقدتم شراكات عديدة مع جهات فلسطينيّة وقطريّة خلال تنظيمكم المهرجان، نرغب في أن نطّلع على طبيعة الشراكات مع الجهات الفلسطينيّة، وتحديدًا "محفل قلنديا الدوليّ" المنعقد حاليًّا، ولا سيّما أنّه حدث معنيّ بالفنون المعاصرة.

رَفْيا وكَلْثَم: من باب رغبتنا بالتعريف بالنشاطات الثقافيّة في فلسطين، وبالتشبيك، أحببنا أن نقدّم "محفل قلنديا الدوليّ" في الدوحة، ليكون المهرجان جزءًا من فعاليّاته. لم تشهد الدوحة سابقًا أيّ نشاط ضمن فعاليّات المحفل، الّذي اختار أن تكون ثيمته هذا العام "التضامن"، ونحن نرى أنّ كلّ ما نقوم به هنا، جاليةً فلسطينيّة، أو ناشطين ثقافيّين، يتعلّق بفلسطين، يقع في باب التضامن، والحرص على التعريف بحكاية فلسطين.

 

من الشراكات الفلسطينيّة المُعْلَن عنها

 

لم نركّز الحديث عن ثيمة "التضامن"، كون المهرجان كلّه، ضمنيًّا، فعلًا تضامنيًّا، ونحن سعداء بأن يكون المهرجان أوّل نشاط ضمن "محفل قلنديا الدوليّ" في الدوحة. وهذا أوّل مهرجان سينمائيّ يُنظّم ضمن المحفل على مدار دوراته المختلفة، الّذي شمل عروض أفلام سابقًا، لكن ليس مهرجانًا كاملًا.

كنا نخطّط لاستضافة معرض صور فوتوغرافيّة للفنّان محمّد بدارنة، لكنّنا اضطررنا إلى تأجيله، للأسف، لأسباب تنظيمية ولوجستيّة، تتعلّق بالجهة المستضيفة.

 

فُسْحَة: تتّسم المهرجانات السينمائيّة الفلسطينيّة، وأخرى معنيّة بالفيلم الفلسطينيّ في مختلف دول العالم، بأنّها تتضمّن، بالإضافة إلى برامج عروض الأفلام، أنشطة أخرى مرافقة، مثل محاضرات، وندوات، وورش عمل، وحوارات، وما إلى ذلك. في "مهرجان سينما فلسطين – الدوحة" غاب هذا الجانب تقريبًا، واقتصر على محاضرة واحدة، ما السبب، وهل تنوون الاهتمام بهذا الجانب، التعليميّ، مستقبلًا؟

رَفْيا وكَلْثَم: التنظيم قام على جهود فرديّة، والميزانيّة محدودة جدًّا، "الملتقى السينمائيّ" أحد الأهداف الّتي نطمح إلى تحقيقها مستقبلًا. عادة، لا تُنظّم المهرجانات في دورتها الأولى، ولا سيّما إن كانت بهذا الحجم الصغير، أنشطة سينمائيّة مرافقة لعروض الأفلام. هذا يحتاج وقتًا كافيًا، وميزانيّات، وتشبيكات، وتواصل مع المجتمع، لمعرفة احتياجاته، ولا سيّما السينمائيّون، ثمّ التخطيط لمثل هذه الأنشطة المرافقة.

من خلال الدورة الأولى، يمكننا أن نقيّم حاجة المجتمع، لندوات، وورش عمل. الدورة الأولى بمثابة دورة تجريبيّة، وبناءً عليها نفكّر بما يجب أن يكون عليه "الملتقى السينمائيّ" مستقبلًا.

 

*****

 

بطاقة تعريف:

 

كَلْثَم خليفة السويدي: باحثة وكاتبة قطريّة. بدأت العمل عام 2007 في جامعة قطر لسنوات، انتقلت بعدها للعمل لدى مكتبة قطر الوطنّية بمنصب خبيرة أولى لتجارب المستخدمين، ثمّ عادت مؤخرًا للانضمام إلى جامعة قطر. حاصلة على الماجستير في السياسات العامّة من جامعة حمد بن خليفة، ناشطة في المجال الثقافيّ، وأسّست مؤخّرًا مشروع ’كاتوب‘، وهو شركة قطريّة متخصّصة في كتابة المحتوى الإبداعيّ، وخدمات الترجمة، والتدقيق اللغويّ، والاستشارات البحثيّة.

 

رَفْيا حسين العريدي: منتجة فلسطينيّة من عرّابة - جنين، وُلدت في الناصرة وتقيم في الدوحة منذ مطلع الثمانينات. بدأت خبرتها في الإنتاج عام 2008، من خلال برنامج 'مناظرات الدوحة'، مع محطّة بي. بي. سي، بإشراف مؤسّسة قطر. تعاقدت منذ العام 2011 مع مؤسّسة الدوحة للأفلام، لإنجاز مشاريع إنتاجية، أبرزها 'مشروع التاريخ الشفويّ' الذي يوثّق قصص حياة وذكريات أهالي وسكّان قطر قبل حقبة البترول، بتفويض من 'هيئة متاحف قطر'، كما عملت مع عدد من المخرجين المستقلّين في فلسطين.

 

 

علي مواسي

 

شاعر وباحث. يعمل محرّرًا لفُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، بالإضافة إلى تحرير إصدارات مؤسّساتيّة وخاصّة، وتدريب مجموعات، وتدريس اللغة العربيّة وآدابها. ينشط ثقافيًّا وسياسيًّا في عدد من الأطر والمبادرات. له مجموعة شعريّة بعنوان "لولا أنّ التفّاحة" (2016)، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع - عمّان.