عندما تفوّقت ليدي على چاچا

من فيلم A Star is Born

 

وصلت قاعة السينما؛ لاختبار تجربة سينمائيّة جديدة، تحظى بإعجاب الكثيرين وتقييمهم، وخرجت منها متعطّشة للاستماع لأغاني الفيلم، وفعلتها دون توقّف؛ فقد نزعت ليدي چاچا عن نفسها كلّ الأثواب المبهرجة والتسريحات الغريبة، وانطلقت في شخصيّة تجعل المشاهد كأنّه يكتشف صوتها لأوّل مرّة، كالفراشة الخارجة من قلب الشرنقة .. هكذا يصفها السيناريو، وهكذا نراها في فيلم "ولادة نجمة A Star Is Born"، هي صوت جميل يؤدّي أغاني جميلة.

 

لا جديد

بعد عرض موسيقيّ ناجح، يدخل نجم موسيقى الكانتري، جاكسون ماين (برادلي كوبر)، حانة هامشيّة روّادها من المثليّين؛ بحثًا عن الكحول الّذي يدمنه، وهناك – كما في معظم أفلام الدراما الرومانسيّة – ينكشف لأوّل مرّة على عرض موسيقيّ خاصّ، ويتعرّف على آلي - موهبة غنائيّة لم تحظ بالفرصة المناسبة - وكأنّ المخرج (برادلي كوبر أيضًا) يريد لهذا الحبّ أن ينفجر بقوّة وسرعة لا تجعلنا نشعر بالحماسة؛ فخلال دقائق من اللقاء تبدأ العلاقة بين ماين وآني، باقتراحه عليها مشاركته المسرح بأغنية من تأليفها، ومن هناك تنطلق لتقع في أحضان منتجي أغاني البوب، ويبدأ نجمها بالسطوع.

 

 

برادلي كوبر الّذي يؤدّي دور البطولة، ودور المخرج، وهو كاتب السيناريو، لا يقدّم أيّ جديد في هذا الفيلم؛ فالقصّة عولجت من قبل في أفلام عدّة وبأشكال متنوّعة، نجم يذبل مقابل نجمة تسطع، حبّ يجمع شخصين على كفّتَي ميزان لا تتعادلان أبدًا، الكثير من الكحول والمخدّرات والإدمان والاكتئاب مقابل شغف بالنجاح، والكثير من الأحداث الماضية، الّتي لا تزال تطرق باب القلب والعقل، مقابل انطلاق وتحليق نحو المستقبل.

 

بساطة

وسط هذه التفاصيل المتوقّعة مسبقًا، والّتي لا تترك مجالًا للمفاجأة، ورغم طول الفيلم غير المبرّر، ولا يفيد تطوّر الرواية؛ نتابع قصّة حبّ ساذجة بسيطة، خالية من الأحداث الدراميّة العنيفة، على الرغم من أنّ حياة نجم مدمن، لا يمكن أن تخلو من المتاعب الّتي تهدّد أيّ علاقة حبّ، إلّا أنّ كوبر اختار عكس ذلك تمامًا.

 

 

مقابل أداء كوبر، الّذي ترشّح مرارًا لـ "جائزة الأوسكار" لأفضل ممثّل، نشاهد أداء هاويًا لليدي چاچا، لكن ربّما هذا الأداء البسيط، الّذي يجعلها تشبه أيّ فتاة حقيقيّة تنتقل من اللامكان إلى النجوميّة، وتبقى مخلصة للحبّ، ما يجعلها تحظى بإعجاب المشاهدين وحبّهم. يصوّر لنا الفيلم امرأة تنتقل بخفّة بين نجوميّتها وحبّ زوجها، ومساعيها لثنيه عن إدمانه، وحثّه على بدء رحلته العلاجيّة، وبين هذه وتلك يكشف لنا الفيلم زاوية من حياة المشاهير، حيث يستعبد المال الفنّان، ويحوّله إلى آلة تكرّس كلّ محتواها لخدمة الشهرة والمال.

 

شغف

قدّمت السينما من قبل، عددًا كبيرًا من المغنّيات في أدوار شبيهة، إلّا أنّ المخرج بذكائه يقدّم لنا ليدي تختلف كلّيًّا عن چاچا، الّتي نألفها؛ فيمنحها شكلًا طبيعيًّا، غير عصريّ، لا ابتذال فيه، يدفع بنا نحو التعاطف معها، ويجعلها بكلّ مرونة تخطف الأضواء من كوبر النجم.

 

 

ولا يمكن في هذا الفيلم، إلّا أن نلتفت إلى جمال التقنيّات من التصوير والمونتاج، والإحساس الرائع الّذي تمنحه لنا هذه التقنيّات، خاصّة عندما تتزامن مع الأغاني على المسرح... شعور جميل تمنحه لنا هذه اللقطات، وكأنّنا فعلًا هناك، وسط هذه الحشود المتعطّشة للمزيد من الموسيقى، وكأنّنا نعيش نشوة النجاح، ونحن نراقب تموّج المعجبين من فوق المسرح.

أمام كلّ هذه العثرات الصغيرة، يقدّم برادلي كوبر تجربته الأولى مخرجًا، بأسلوب خاصّ لا يجرف القلوب بعمق الفكرة وتعقيد الحبكة، إنّما بالشغف الّذي لا نختبره فورًا أمام الشاشة، لكنّه يحظى بالفرصة، بعد التمعّن طويلًا في كلمات أغاني الفيلم وموسيقاه.

 

 

سماح بصول

 

 

تسكن في الرينة، شمال فلسطين. صحافيّة، محرّرة 'دوغري نت' بالعربيّة، ومركّزة مشروع الإعلام العربيّ في مركز 'إعلام'. حاصلة على البكالوريوس في اللغة العبريّة وأدبها، طالبة ماجستير في ثقافة السينما.