محمّد هنيدي... أخصّائيّ تجميل لم تنجح عمليّته

محمّد هنيدي في فيلم «نبيل الجميل أخصّائي تجميل» (2022)

 

مقتضيات الضيافة

يقترب الفنّان الكوميديّ محمّد هنيدي هذا العام من الستّين - 58 عامًا، بعد احتفاله في مطلع شباط (فبراير) الماضي بعيد ميلاده، قضى ثلثيها تقريبًا في العمل الفنّيّ، متنقّلًا بين الدراما والسينما والمسرح والإذاعة أيضًا، بجانب خوضه تجربة الإعلانات وتقديم البرامج. خلال هذه المسيرة، استطاع هنيدي أن ينال إعجاب الجمهور الّذي اعتاد رؤيته سنويًّا في عمل أو أكثر، ولمّا تنقطع هذه العادة حتّى الآن.

اقتضت هذه الضيافة والترحيب أن ينفّذ هنيدي بنود العقد المبرم بينه وبين الجمهور، الّذي ينصّ على تقديم كوميديا صالحة للاستخدام من قِبَل الطرف الأوّل، تُحقّق المرجوّ منها من ضحك وتسلية وخلافه للطرف الثاني، الّذي يتعهّد بتوفير الجماهيريّة اللائقة بالنجم من إقبال، وتحقيق أعلى الإيرادات، وما إلى ذلك. إلّا أنّ ثمّة ’تملّصًا‘ ملحوظًا بدأ يتنامى تدريجيًّا، خاصّة منذ فيلم «تيتة رهيبة» (2012) تقريبًا؛ إذ ذهبت الجماهير لتأدية دورها المعتاد، وخرجت من دور العرض تضرب كفًّا بكفّ في أفلام مثل «يوم مالوش لازمة» (2015)، «عنتر بن شدّاد» (2017)، «الأنس والنمس» (2021). رغم ذلك، حقّقت هذه الأفلام إيرادات مرتفعة، وهو ما يدعو إلى الدهشة، سواء مع هنيدي أو غيره من بعض النجوم الّذين يفقدون أسهمهم لدى المشاهدين رويدًا رويدًا؛ بسبب الاعتماد على خلطات قديمة مكرّرة حفظها الجمهور عن ظهر قلب، وأشهرهم أحمد حلمي إلى جانب هنيدي.     

      

 

في فيلمه الجديد، يبدو أنّ هنيدي لم يعد يلتزم بالعقد المبرم مع جمهوره، أو أنّ ثقته السابقة برصيده هي ما تدفعه إلى الاستمرار بالوقوع في الأخطاء نفسها، بداية من العنوان الطويل لفيلمه الجديد، في محاولة لنصب شِرك الكوميديا قبل المشاهدة، «نبيل الجميل أخصّائي تجميل» (2022)، بطولة نور، محمّد سلام، رحمة أحمد؛ والفكرة والإنتاج لمحمّد هنيدي - في تجربته الإنتاجيّة الأولى؛ وسيناريو مشترك لأمين جمال ومحمّد محرز، وإخراج خالد مرعي.

عُرِض الفيلم قبل نهاية العام الماضي بقليل، في الثامن والعشرين من كانون الأوّل (ديسمبر)، كي يلحق بموسم أعياد رأس السنة كما أعلن هنيدي، وكالعادة لا تزال إيراداته تحقّق الملايين، متنقّلًا في دور العرض في مصر، وخارجها في بعض الدول العربيّة.

 

الاعتياد والألفة  

منذ ظهوره الأوّل أواخر الثمانينات حتّى الآن، اعتمد هنيدي كلّيًّا على تكوينه الجسمانيّ وملامحه الطفوليّة، في تفجير موجات من الضحك. صحيح أنّه استطاع مع جيله من الشباب، وعلى رأسهم الفنّان الراحل علاء وليّ الدين، تقديم نوع جديد من الكوميديا، كان بوسعه مناطحة كوميديا عادل إمام الّتي احتكرت شبّاك التذاكر لسنوات، وهو ما حدا بـ ’الزعيم‘ أن يغيّر من جلده لمواجهة هذا الجيل، إلّا أنّ عنصرَي التجديد والابتكار ظلّا مفقودَين في تجربة هنيدي الكوميديّة؛ فهو دائمًا ذلك الشابّ القصير المضحك الّذي يتورّط في المشاكل، ويتغلّب عليها بنفس الأداء، وبمجموعة من الحيل المتشابهة.

لسنوات طويلة، حظي هنيدي بجماهيريّة مصريّة وعربيّة، حتّى ارتبط حضوره بأشهر الطقوس المعتادة، خاصّة في الأعياد وأيّام الإجازات والمناسبات وما إلى ذلك. اعتاد المشاهد في كلّ عام فيلمًا جديدًا لهنيدي يكون «همام في أمستردام» (1999)، «جاءنا البيان التالي» (2001)، «فول الصين العظيم» (2004)، وكلّها أفلام لا تزال تُعْرَض، وينتظرها الجمهور في نفس المناسبات السابقة، ربّما من أجل ذلك غفر المشاهد له الكثير، واعتبر أنّ وجهه الضاحك الطفوليّ، وبنيته الأكثر طفولة، فأل حسن، بوسعه جلب البهجة في أوقات الراحة.

 

محمّد هنيدي في فيلم «نبيل الجميل أخصّائي تجميل» (2022)

 

كما اعتاد هنيدي عددًا من الثيمات الّتي لم يُسْتَغْنَ عن تجميعها في كلّ فيلم، أو مسرحيّة، أو حتّى مسلسل، على مدار ما يتخطّى العقدين، بل نجده راهن عليها باطمئنان لم يكن في محلّه بالتأكيد، بداية من فيلم الانطلاقة «إسماعيليّة رايح جاي (1997)، وصولًا إلى فيلمنا الجديد. من تلك الثيمات التهكّم بنبرة الصوت، سواء بترفيعه أو تغليظه وفق دراما الحدث، أو كسر الإيهام عن طريق انفعالات حقيقيّة، وهو ما يُطْلَق عليه ’كسر الحائط الرابع‘، وبالطبع لا يترك هنيدي أيّ فرصة للغناء سواء بمفرده أو مع الكورس، وأحيانًا في دويتهات ثنائيّة مثل «وش إجرام» (2006) و«البطل» (1997). أمّا الملمح الأثير فهو للشخصيّة نفسها الّتي يؤدّيها هنيدي، وهي دائمًا لشابّ أو رجل في مقتبل العمر، لا يزال يبحث عن فرصة وعمل وحبيبة أو زوجة، وهو ما لم يعد يتناسب بأيّ حال من الأحوال مع مرحلته العمريّة، ومع ذلك، لا تزال شخصيّاته في مقتبل عمرها.

 

بيت النجّار المتداعى

نعيش في الفيلم مع الشابّ ’جميل‘ عقب تخرّجه في كلّيّة الطبّ، ومحاولات سعيه في تكوين مستقبله بالعمل اختصاصيّ تجميل في مستشفًى خاصّ وآخر حكوميّ، بينما يعيش مع أخته الوحيدة ’زينب‘، الّتي تؤدّي دورها الممثّلة رحمة أحمد، في منزل بسيط بحيّ شعبيّ. وكما هي العادة، ستشهد هذه الأماكن الثلاثة على عدد من المواقف والمغامرات الكوميديّة، أو الّتي كان من المفترض أن تكون كذلك؛ فقد غلب عليها الافتعال الشديد، سواء على مستوى الدراما أو أداء الممثّلين؛ لنجد أنفسنا أمام مجموعة من ’الإسكتشات‘ الّتي يغلب عليها الارتجال والعشوائيّة؛ فمن ضمن فجوات السيناريو الضعف الواضح في رسم الأحداث والحبكة الدراميّة، ما انعكس أيضًا على الشخصيّات الّتي يصل بعضها إلى عدم المنطقيّة؛ مثل شخصيّة المعلّم ’أتاوة‘ (الممثّل محمّد رضوان)، على سبيل المثال، وهو فتوّة الحارة الّتي يسكن فيها نبيل، ويفرض الأتاوات على الأهالي، تفصيلة وُضِعَت فقط لكي يندهش منها جميل في أحد المشاهد، حين يخبره أنّنا في الألفيّة الثالثة.    

حتّى الموسيقى التصويريّة، فضلًا على عدم توظيفها دراميًّا، فقد وُضِعَت كيفما اتُّفِق، إذ تكاد تكون اختفت تقريبًا بعد أوّل نصف ساعة من الفيلم. وتبقى المشكلة الأكثر بروزًا من نصيب عنصر التمثيل - تماشيًا مع المثل القائل ’إذا كان ربّ البيت بالدفّ ضاربًا‘. يأتي في المقدّمة رحمة أحمد أو ’مربوحة‘؛ الوجه الجديد المشارك في الجزء السادس من مسلسل «الكبير» المعروض في رمضان الماضي، وقد لاقت استحسانًا كبيرًا من الجماهير رغم أنّ أداءها لم يخلُ من الافتعال - أو الاستظراف - وربّما لم يظهر ذلك بوضوح في المسلسل، لكنّه ظهر جليًّا في الفيلم. في نفس السياق أيضًا، يأتي أداء الممثّل محمّد سلام، ورغم أنّه من الممثّلين المتميّزين بالفعل، لكن ثمّة حاجة ملحّة إلى مراجعة أدواره وأسلوب التعامل معها في الفترة المقبلة.

 

 

عرف المشاهد المصريّ الممثّلة اللبنانيّة نور منذ بداية الألفيّة الثالثة، مع أفلام مثل «شورت وفانلة وكاب» (2000)، «أصحاب ولّا بيزنس» (2001)، «إزّاي البنات تحبّك» (2003)، وغيرها. منذ ذلك الوقت، وعلى مدار عقدين تقريبًا، قدّمت نور عددًا لا بأس فيه من الأعمال الدراميّة والسينمائيّة، متنقّلة بين أسماء مختلفة للشخصيّات، من بينها ’رباب‘، ’شروق‘، ’سلمى‘، ’نور‘، وغيرها، وذلك لم يكن إلّا على مستوى الاسم فحسب، أمّا الشخصيّات نفسها فلا فرق يُذْكَر بينها. 

في معظم أفلامه، يتّبع المخرج خالد مرعي أسلوبًا يمكن تعريفه بـ ’سينما النجم‘، تعتمد هذه المدرسة بشكل رئيسيّ على البطل الّذي يحتلّ النصّ، وبقيّة العناصر الفنّيّة مكان ثانويّ بالنسبة إليه، وهو نفس الأسلوب الّذي يتّضح جليًّا في فيلم «نبيل الجميل أخصّائيّ تجميل»، بمساعدة النصّ المهلهل للسيناريست أمين جمال؛ إذ لا توجد قصّة يمكن القبض عليها، غير مجموعة من ’الإسكتشات‘ المتجاورة في محاولة استجلاب الكوميديا من بئر ضحل. اللافت للنظر أيضًا في قصص أمين جمال هو التلفيق - وهي سمة لا تخلو منها جميع الأفلام تقريبًا إلّا في ما ندر - من حيث المواضيع، أو الحبكة، أو سير الأحداث.

 


 

وائل سعيد

 

 

 

كاتب وناقد سينمائيّ مصريّ، يكتب في عدد من المجلّات العربيّة، مدير تحرير «مجلّة الكرمة».