في جنين... فنّ من أجل حرّيّة التنقّل

عرض فرقة نقش

 

أربعة أيّام جعلت من جنين مساحة للجمال، رقص وغناء وموسيقى، إذ استقبل مسرح المحافظة، ما بين الثاني والخامس من آب، فعاليّات مهرجان فلسطين الدوليّ، الذي ينظّمه مركز الفنّ الشعبيّ، وباستضافة فرقة نقش للفنون الشعبيّة، تحت شعار 'حرّيّة التنقّل والحركة.'

الفاتحة 'طلّت'

بين 'يمّا مويل الهوى' والدلعونا'، تألّقت فرقة براعم للفنون الشعبيّة في عرضها الراقص الافتتاحيّ المهرجان، بعنوان 'طلّت'، مقدّمّة المرأة بصورها المتعدّدة؛ أمًّا وزوجة وحبيبة وثائرة، في 10 لوحات فنّيّة.

لوحة 'القهوجيّ' كانت لافتة على نحو خاصّ، لما تتمتّع به من روح خفيفة، إذ تكوّنت من قهوجيّ يحاول أن يعبّر عن رفضه عبر تجميع قبّعات 'الدبّيكة الشاميّة' وإلقائها أرضًا، ليتصالح أخيرًا مع العرض، رافعًا قبّعته للفنّ بتحيّة بلاد الشام.

عرض 'طلّت' لفرقة البراعم

تقول إحدى الراقصات (40 عامًا)، بدور الأمّ: 'هذه التجربة غنّيّة بكلّ ما فيها من مفردات، ونحن نحضر هنا بما نملك من مسمّيات وتجارب مختلفة في الحياة، نقول من خلال عرضنا إنّ التراث الفلسطينيّ معطاء بكلّ ما فيه من إبداع، وعلى اختلاف الهويّات والأعمار.'

نقش

تجمّعت قرى المجدل، والبروة، والكرمل، والبرج، ومسكة، في عرض لفرقة نقش، في اليوم الثاني من أيّام المهرجان، حيث خرَّجت مدرسة الفرقة فوجها الثاني، مطلَّة بلوحات راقصة تحمل أسماء قرى هُجّر أهلها قسرًا، وحلّت مكانها مستوطنات إسرائيليّة، وقد جاء صوت من لوحة راقصة للأطفال يقول: 'إلنا الفرحة وإلنا الشمس، إحنا لبلادي أملنا.'

115 طالبًا تخرّجوا من مدرسة نقش، وقد جلست دينا الأسير مع شركائها في تدريب طلّاب مدرسة الدبكة، هشام يونس ومحّمد زحالقة، ناظرة بعين الفخر إلى طلّابها، تراقب ترتيب الحركات مع الموسيقى، وقد عبّرت عن شعورها قائلة:' أظنّ أنّ هذه المرحلة مفصليّة للطلّاب الصغار، ربّما هم لا يدركون بعد أهمّيّة الرسالة التي يؤدّونها، لكنّني على ثقة من إدراكهم أنّهم بدأوا الطريق.'

أثناء حديثها اقترب أحد طلّابها ابن الستّة أعوام يسألها: 'كيف كنت؟ أهلي شافوني... صحّ؟'

حفل تخريج طلّاب فرقة 'نقش'

يعبّر أهل الطالب تيّم عبادي عن شعورهم بالفخر بطلّة ابنهم في لوحة 'برج'، ويقول والده: 'انتظر تيّم هذه اللحظة كثيرًا، منذ بدأ التدريب وهو يستيقظ قبل الجميع، ويتابع حركات الرقص، على ألحان نار دبكة نار، وأغاني المطرب شفيق قبها. أتمنّى أن يستمرّ شغفه في الدبكة طويلًا.'

يالا للّي أمان

بالأبيض والأسود أخذتنا يلالان إلى ألحان الشيخ إمام، في اليوم الثالث على التوالي من أيّام المهرجان، فبدأ قسم من الجمهور بالتسلّل أكثر نحو المقدّمة ليسمع عن كثب، في تسلّل يذكرنا بدخول الشيخ إمام في مواسم الأعراس والأفراح إلى مواضع النساء ليسمع غناءهنّ وأهازيجهنّ، حتّى يمتلك أذنًا موسيقية.

تأسّست فرقة يلالان الغنائيّة عام 2005، وقد منحتها الموسيقى الأندلسيّة والمغربيّة أهمّيّة خاصّة، كونها تشكّل حلقة الوصل بين جملها اللحنيّة القصيرة والجمل اللحنيّة الأطول، موجدة بذلك التوازن بين تلك الجمل، وباعثة روحًا مميّزة في الأداء تطرب السامعين.

ومنذ 14 سنة، حافظت الفرقة على هويّتها الخاصّة في عروضها، إذ تفرّدت بعروض بسيطة كلمة ولحنًا، عزفت فيهاعلى المقامات الشرقيّة، مثل البيات والعجم.

عرض فرقة 'يلالان'

عبّر عازف العود في الفرقة، إبراهيم نجم، عن أهمّيّة التمازج في الإرث الموسيقي، عربيًّا وفلسطينيًّا، قال: 'انطلقنا من البورتوار المصريّ إلى اللحن الفلسطينيّ، ومن ثمّ  إلىألحان وكلمات خاصّة بنا، تراعي ديناميكيّة الأحداث في فلسطين، وبساطة سردها، بعيدًا عن التكلّف الأدائي.'

درس

'في وقع أقدامهم صوت واحد باختلاف دقّات قلوبهم، يدبكون على سيمفونيّة واحدة، ولهدف واحد، أليس هذا درس في الوحدة الوطنيّة؟!'

كانت تلك الكلمة الختاميّة للمهرجان، والتي ألقتها نادية الستيتي، رئيسة مجلس إدارة نقش للفنون الشعبيّة في اليوم الرابع والأخير من أيّام المهرجان، مؤكّدة على أنّ الفنّ ليس نشاطًا ثانويًّا القصد منه التسلية فقط، كما يُرَوّج البعض، بل الفنّ عمل خلّاق، وهو من يصنع روح الأشياء ويعطي لتكوينها معنًى.

وأثنت الستيتي على جهود جميع القائمين على المهرجان، من أعضاء مركز الفنّ، والكمنجاتي، ومسرح الحرّيّة، وسينما جنين، والمتطوّعين من خلف الكواليس، على جهودهم الجبّارة؛ وشكرت رعاة المهرجان؛ وهم بنك فلسطين الدوليّ، وشركة جوّال، والاتّحاد الأوروبيّ، والقنصليّة السويديّة في القدس- سيدا، والشركة العربيّة الفلسطينية (إيبك)، وبمساهمة DHIP وCKU وXL، وتعاون مع شبكة الفنون الأدائيّة الفلسطينيّة.

رغم القيد

كان العرض في اليوم الرابع لفرقة نقش، مكتظًّا بألوان الفلكلور الفلسطينيّ، والدبكة الشماليّة، بحركات شبيهة للدبكتين اللبنانيّة والحورانيّة، لكن بتردّدات مختلفة، مع أزياء مستوحاة من لباس المرأة الفلسطينيّة الريفيّة.

'حرّيّة الحركة والتنقّل' كان شعار المهرجان لهذا العام، مؤكّدًا على الفنّ العابر للقارّات رغم سياسات الاحتلال التعسّفيّة في الحدّ من الحركة والتحكّم بالحدود. وقد أكّد الاحتلال عنجهيّته فمنع فرقة إسكندريلّا المصريّة من القدوم إلى فلسطين، واعتقلوا مؤسّس فرقة نقش، لؤي طافش، ما شكّل تحدّيًا للهيئة المنظّمة للمهرجان، فقدّمت نقش عرضًا فنّيًّا صوّرت فيه قضيّة الأسر، أهدته إلى من هم خلف الزنازين.