"مشروع ليلى" الممنوع: أصوات تحتجّ وتعترض

كان من المفترض أن تُطلق فرقة 'مشروع ليلى' اللّبنانيّة يوم الجمعة، 29 نيسان (أبريل) 2016، ألبومها 'ابن اللّيل' في المدرّج الرّومانيّ في عمّان. حفلٌ كان ينتظره جمهور الفرقة الكبير، لا في الأردنّ فقط، إنّما في فلسطين أيضًا، إذ أنّ جمهورها هنا لا يمكنه مشاهدة عروض الفرقة إلّا في العاصمة الأردنيّة، لسهولة السّفر إليها.

لكنّ الحفلة أُلغيت! فقد أصدرت الفرقة مساء يوم 26 نيسان (أبريل) 2016، بيانًا عبر صفحتها الرّسميّة في موقع فيسبوك، تبلغ عن تلقّيها خبر سحب رخصة العرض لحفلتها. وقالت في البيان: 'التّبرير الخطّيّ الّذي وصلنا من وزارة السّياحة والآثار ينصّ على أنّ القرار جاء بسبب تعارض الحفلة مع ’أصالة‘ الموقع، رغم أنّه سبق لنا أن أحيينا ثلاث حفلات في الموقع نفسه سابقًا، وخضعنا لنفس آليّة طلب التّرخيص من السّلطات المختصّة. أمّا على أرض الواقع، خارج النّصوص الرّسميّة، فإنّ الأمر أكثر تعقيدًا.'

وتابع البيان: 'لقد تمّ أيضًا إبلاغنا بشكلٍ غير رسميٍّ بأنّه لن يكون من المسموح لنا بأن نقدّم عروضنا في أيّ مكانٍ في الأردنّ، بسبب معتقداتنا السّياسيّة والدّينيّة، وإقرارنا بالمساواة الجنسيّة والحريّة الجنسيّة.'

وقد اعتذرت الفرقة بشدّة لاضطّرارها إلى إلغاء حفلها في الأردنّ، 'البلد الّذي نعتبره بلدنا'، كما وصفت في بيانها، وأضافت: 'فالأردنّ وطنٌ لأجمل وأكرم المؤيّدين للفرقة، والّذين عملنا معهم ولأجلهم. الأردنّ أيضًا هو البلد الوحيد الّذي يجمع بين الفرقة وجمهورها في فلسطين، الّذي ينظّم رحلاتٍ برّيّةً ليحضر حفلاتنا في عمّان.'

'بدنا ليلى في عمّان'

أثار هذا الخبر ضجّة كبيرة عبر صفحات التّواصل الاجتماعيّ وشريحة واسعة من القطاع الثّقافيّ الأردنيّ بخاصة، والعربيّ بعامّة. فقد أنشأ محبّو 'مشروع ليلى' حدثًا على فيسبوك، تحت عنوان 'بدنا ليلى في عمّان'، وقد دعوا فيه محبّي الفرقة إلى التّوجّه إلى المدرّج الرّومانيّ في العاصمة الأردنيّة، في نفس اليوم الّذي كان من المفروض أن يُنظّم فيه الحفل، 29 نيسان (أبريل) 2016، وذلك دعمًا 'لمشروع ليلى' ورفضًا لقرار إيقاف حفلهم ومنعهم من الغناء في الأردنّ مجدّدًا.

'نحنا بلد ما بقدر يتقبّل الآخر'

بدورها، كتبت الصّحافيّة سارة القضاة عبر صفحتها في موقع فيسبوك: 'كتير عيب مجرّد فكرة إلغاء حفل مشروع ليلى باعتبار أغانيهم خادشة للحياء، بالوقت المهرجان الوطني الوحيد 'جرش' استضاف هيفاء وهبي وأليسا وغيرهم باعتبارهم رمز للفنّ المحافظ على الحياء. نحنا بلد ما بقدر لا يتقبّل الآخر ولا بقدر يستوعب فكرة الفنّ المجدّد. عيب!'

'المنع هو أحلى دعاية'

أمّا الكاتب السّوريّ كرم نشار، فكتب عبر صفحته في موقع فيسبوك: 'منع مشروع ليلى من الغنا بالمدرّج الرّوماني بعمّان واحد من الأمثلة اللّي بترجع بتذكّرني أنّي بالعمق بكره 'الدّولة'.. مش الأنظمة العربيّة ولا حكم المخابرات ولا القمع الفكري بسّ، لا.. فكرة الدّولة بحدّ ذاتها قائمة على شي قمعي. الإنسان اللّي ما بيحبّ مشروع ليلى وبحسّهم عباديين للشّياطين، بيقدر بكلّ بساطة ما يروح على حفلتهم، وبيقدر يكتب مقالة ضدّهم، وبيقدر حتّى يعمل مظاهرة برّاة المدرّج ضدّهم. كلّ هل أمور داخله ضمن حقّه بالتّعبير عن رأيه المناهض لهدول الشّياطين الفاسقين جماعة مشروع ليلى، بسّ لأ! فكرة الدّولة بتخلّيه يروح أبعد من هيك! لازم الدّولة تمنع الحفلة من أساسها! شو استفاد؟ يعني النّاس اللّي كانت رايحة ما رح تقدر تدخل على اليوتيوب وتسمع الأغاني وتفهم الكلمات؟ لك بالعكس المنع هو أحلى دعاية ورح يخلّي عالم أكتر تهتمّ بالفرقة وتسمع أغانيها وتفهم ليه هي تمثيل لمعاني التّمرّد والتّحرّر السّياسي والدّيني والجنسي بهل الشّرق البائس كلّه على بعضه.

بعتقد يا جماعة أني مش يساري فقط، أنا أناركي وبكره الدّولة، وبرأيي ما رح تنحلّ مشاكل هل عالم، لنعرف نلاقي صيغة نعيش مع بعضنا بدون هل جهاز القمعي المعفّن كلّه على بعضه.'

تراجع مؤسف في الحرّيّات الثّقافيّة

أمّا مدير مسرح البلد في عمّان، رائد عصفور، فكتب عبر صفحته في موقع فيسبوك: 'إن صحّ قرار منع عرض فرقة مشروع ليلى، سيكون مؤسفًا هذا التّراجع في الحرّيّات الثّقافيّة والفنّيّة.. ليس مهمًّا أن تحبّ أو تكره ما تقدّمه مشروع ليلى، لكن المهمّ أن لا نرضخ لأصوات الدّواعش وأدعياء الإعلام.. نأمل أن تدافع الدّولة والنّاس عن حرّيّة الثّقافة والفنّ والقيم المدنيّة وتنتصر لها، ولا تمكّن الدّواعش من التّغلغل والتّفشّي في حياتنا.'

السّياحة والمشهد الثّقافيّ في الأردنّ تضرّرا

في حديث خاصّ لمجلّة فُسْحَة مع آمال حمّودة، من شركة 'ستارة'، الجهة المنظّمة لحفل 'مشروع ليلى' في عمّان، حول قرار إلغائه، قالت: 'نحن، شركة ستارة، بدأنا بتنظيم الحفل في كانون الثّاني، أبلغنا الجهات المعنيّة بالحفل، وقبل ما يقارب 4 أسابيع وصلتنا موافقة شفهيّة من محافظة العاصمة تؤكّد حصولنا على الموافقة الأمنيّة. تفاجأنا يوم الأحد الماضي باتّصال يخبرنا بأنّ الموافقة الأمنيّة على الحفل سُحِبَت. محافظة العاصمة لا تقوم بإصدار أيّ موافقة مكتوبة ولذلك نعتمد الموافقات الشّفهيّة بالغالب. إلغاء حفل كهذا سيؤثّر على مصداقيّة ستارة مع الجمهور والفنّانين ومزوّدي الخدمات الّذين نتعامل معهم، ولأنّ الحفل أُلغي دون توضيح وتقديم أسباب منطقيّة، فإنّ هذا سيؤثّر بالتّأكيد على الأردنّ والمشهد الثّقافيّ والفنّيّ العامّ، وعلى عمليّة تنظيم الفعاليّات من المنظّمين، لا سيّما إن كنّا سنستضيف عروضًا عالميّة.'

وأضافت حمّودة: 'نحن نقدّر جهود الأجهزة الأمنيّة وتوفيرها الحماية لنا، لكن نحن بحاجة لقوانين واضحة ودقيقة تنظّم هذه العمليّة. هذا الحدث سيؤثر أيضًا سلبًا على السّياحة في الأردن، رغم أنّ الوثيقة الوحيدة الّتي تثبت الرّفض الرّسميّ للحفل صدرت من وزارة السّياحة والآثار، إلّا أنّ الوزارة بعد أن علمت بالموضوع أظهرت دعمًا كبيرًا وكانت تعمل لصالح المضيّ في الحفل. هي خسارة كبيرة لنا وللمشهد الثّقافيّ، ولكن ما زلنا نأمل استضافة مشروع ليلى مرّة أخرى في الأردنّ.'

القمع المتكرّر في كلّ مكان

إنّ منع فرقة 'مشروع ليلى' من الغناء وإلغاء حفلها في عمّان، لا يختلف أبدًا عن أداء بعض الجماعات الرّجعيّة في كلّ مكان، لا يختلف عن منع مسرحيّة 'وطن على وتر' في عكّا، ولا منع أمسية موسيقيّة أو ندوة في أيّ بلدة فلسطينيّة، على يد جماعات ترى نفسها وصيّة على الحياة وكلّ تعاليمها، والّتي تمنع وتهدّد وتتهجّم كلاميًّا وجسديًّا على كلّ من يخالف رأيها بحجّة 'خدش الحياء العامّ'، وما إلى ذلك من رجعيّة وتخلف. إنّ المطالبة بالحرّيّات الجماعيّة في العالم العربيّ، في ظلّ الثّورات المستمرّة، غير مفصول أبدًا عن ضرورة إعلاء الأصوات المطالبة بالحرّيّات الفرديّة فيه، بالحرّيّات الجنسانيّة، وحرّيّة الاختيار، وحرّيّة التّعبير عن الرّأي.. ثوراتنا ضدّ الأنظمة القمعيّة والعسكريّة والاستعمار، تمشي يدًا بيد مع ضرورة ثوراتنا ضدّ الجماعات الرّجعيّة. حرّيّة الفرد، حرّيّة المرأة، حرّيّة المثليّين والمثليّات، حرّيّة التّعبير من خلال الثّقافة والفنّ، كلّها بمثابة جزء أساسيّ في المطالبة بحرّيّاتنا، شعوبًا، أينما كنّا.

على قدر ما يؤلم حدث مثل إلغاء حفل 'مشروع ليلى' في عمّان، على قدر ما تُفرح القلب التّعليقات والاحتجاجات ضدّ هذا القرار التّعسّفيّ، وإن كانت عبر الإنترنت، من خلال تدوينات أو تعليقات في منابر متنوّعة. ربّما، حان الوقت، أن يُبَلْور شكل آخر لهذه الاحتجاجات، تمشي يدًا بيد مع الأصوات العالية الّتي لا زالت تصدح في الشّوارع والأحياء، ولم تتعب من هذا الدّمار.