موسيقى غجريّة بأصابع مقدسيّة

سامر راشد

كما التّرحال عند الغجر، ارتحل سامر راشد بجمهور العرض الموسيقيّ 'تجلّيات غجريّة'، بين سبع مقطوعات دمجت بين الموسيقى الغجريّة والجاز، لتشكّل مجتمعة أوّل ألبوم موسيقيّ خاصّ بآلة الفيولّا في منطقة الشّرق الأوسط، وهو باكورة أعمال المقدسيّ الشّابّ.

في إصداره الأوّل، حرص سامر على أن يقدّم ما هو جديد، فتلتقطه الأذن وتصغي له، لذا جاءت المقطوعات متنوّعة شكلًا ومضمونًا، مقدّمة للجمهور طريقة عزف مختلفة، بقوالب إيقاعيّة وموسيقيّة غير معتادة، فخرجت مقطوعة 'Latin Grove' حيويّة ونابضة، وكان المؤلّف قد أصدر لها فيديو كليب خاصّ، أمّا مقطوعة 'Viola Gypsy' المنفردة، فكان فيها من السّعادة والشّجن معًا، ما يكفي لإثارة المشاعر.

ترحال

من قصر رام الله الثّقافيّ، حيث أطلق سامر باكورة أعماله، سافر والجمهور إلى البلقان الّتي وصل إليها الغجر أواسط القرن الخامس عشر، فعزف لنا مقطوعة قديمة جدًّا من هناك، وتحديدًا من مسادونيا، اسمها 'Kasapskooro'. ولأنّ لكلّ مقطوعة قصّة تُحكى، فإنّ لمقطوعة 'Romance' قصّة بين سامر وشقيقته، الّتي وصفته ووصفت الذّكور بعامّة بالجفاء وفقدان المشاعر، فجاء الرّدّ رومانسيًّا بامتياز. 

حنّة الحاجّ حسن، سامر راشد، ميرا أبو هلال

مثابرة سامر تجلّت بهذا الألبوم الّذي أصدره بعمر الخامسة والعشرين، لذا جعل فيه مقطوعة حملت اسم 'Swing 25'، أمّا 'Swing'، أو التّأرجح بالعربيّة، فهي نوع من أنواع الموسيقى الأمريكيّة الّتي ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي.

لم تغب القدس عن ذهن ابنها، فخصّها بمقطوعة 'تحت سماوات القدس'، لتحاكي موسيقاها غير التّقليديّة، وبعمق، أجواء شوارع وأزقّة المدينة المحتلّة، وكأنّ نسمات هوائها العليل حضرت لتثلج صدور الحضور.

اكتمل ألبوم 'تجلّيات غجريّة' بإعادة توزيع متكاملة لرائعة من روائع فيروز، وهي 'البنت الشّلبيّة'، فخرجت بنسخة غجريّة تركيّة، وكذلك أغنية 'على موج البحر' للفنّانة ميّادة بسيليس.

أصوات داعمة

ما كان لعرض إطلاق الإصدار أن يكتمل دون أصوات شابّة أرادت أن تدعم زميلها سامر في عمل فنّيّ رائع يستحقّ أن يصل للنّاس. انطلاقًا من إيمانها بأهمّيّة الإنتاج الفنّيّ للموسيقيّين الشّباب، شاركت الفنّانة المقدسيّة الشّابّة، ميرا أبوهلال، زميلها سامر راشد، في عرضه، فغنّت الجاز العربيّ في أغنية 'شو بخاف دقّ عليك' لفيروز؛ وميرا من مواليد القدس عام 1992، حاصلة على دبلوم الموسيقى من كلّيّة دار الكلمة الجامعيّة للثّقافة والفنون، وهي طالبة عود وغناء في معهد إدوارد سعيد الوطنيّ للموسيقى، وبعمرها الصّغير، استطاعت إصدار أربع أغان خاصّة، هي 'بحر بيروت'، و'يا حزن' و'في الحركة بركة'، و'ثلج'.

انضمّت ميرا لفرقة 'يلالان' للموسيقى والغناء بعمر الخامسة عشر، وشاركت بصوتها في تسجيل العديد من الأسطوانات والمشاريع الفنّيّة، كان على رأسها ألبوم 'زاجل' لفرقة الفنون الشّعبيّة الفلسطينيّة. شغف ميرا بالموسيقى مردّه إلى انحدارها من أسرة مثقّفة موسيقيًّا، تدعمها وتساند حلمها بالاحتراف. 

أمّا الفنّانة الشّابّة حنّة الحاجّ حسن، فأدّت بإحساس جميل 'يا محلا الفُسحة'، الّتي أعاد سامر توزيعها على طريقته، فحنّة هي الأخرى دارسة للموسيقى، وعضو في عدد من الفرق الفلسطينيّة الغنائيّة، مثل 'نوى'، و'سنابل'، و'نقش'، و'صابرين'، و'يلالان'، تؤدّي الأغاني التّراثيّة والطّربيّة الّتي كبرت على سماعها.

بحثًا عن الخاصّ

لم يولد 'تجلّيات غجريّة' اعتباطًا، فالموسيقيّ الشّابّ ثابر واجتهد ليصل إلى أحد ملهميه من العازفين، وهو عازف الكمان التّركيّ والمتخصّص في موسيقى الجاز التّركيّة والغجريّة، نديم نلبنتوغلو، وعلى يد الأخير تعلّم سامر كيف يمكن تحويل الرّؤى الموسيقيّة الّتي استلهمها من غيره من العازفين ونمت في مخيّلته إلى شيء خاصّ فيه، وهكذا خرج إلى النّور إنتاج موسيقيّ فلسطينيّ فيه من التّحديّ الكثير، لا سيّما أنّ عمليّة المزج بين نوعي موسيقى، هما الجاز والغجريّة، تحتاج إلى قدرات وتقنّيات عاليّة.

عرض 'تجلّيات غجريّة' في قصر رام الله الثّقافيّ

يرى سامر راشد أنّ 'تجلّيات غجريّة' منحه فرصة ليُظْهِرَ ما في جعبته من القدرات، الّتي تجعله مساهمًا في الإنتاج الموسيقيّ الفلسطينيّ بعامّة، وأحد المجتهدين لتحسين مستوى الموسيقى في فلسطين، وهو ما يرى أنّه يتحقّق عبر التّنويع والاختلاف.

درس سامر راشد العزف على آلة الفيولّا في المعهد الوطنيّ للموسيقى في مدينة القدس، فكان من أوائل خرّيجي المعهد الّذي درّس فيه لاحقًا. شارك عازف الكمان البريطانيّ، نايجل كينيدي، في إحدى حفلاته،  وكذلك الفنّان مارسيل خليفة، وله مشاركات كثيرة بالعزف في العديد من المهرجانات المحلّيّة والعربيّة والعالميّة