صابر الرباعي في روابي؛ ما الذي أغضب النشطاء والصحافيّين؟!

حفل صابر الرباعي في روابي | عدسة عرين ريناوي

فتحت زيارة الفنّان التونسيّ، صابر الرباعيّ، باب الجدل الفلسطينيّ واسعًا، لا بسبب تجاهل الواقع الاستعماريّ وزيارة العرب إلى فلسطين بطبيعيّة كاملة فحسب، بل أيضًا بسبب الحشد الضخم الذي شهده الحفل، والذي تفتقد إلى مثله الأحداث والمناسبات الوطنيّة في الضفّة الغربيّة في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى اتّهام منظّمي الحفل بإهانة الصحافيّين وطردهم.

15 ألفًا

نُظّم حفل صابر الرباعي يوم 19 آب (أغسطس)، على مدرّج مدينة 'روابي' الحديثة، والتي أُنْشِئَتْ في الأراضي الواقعة تحت سيادة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة وفق اتّفاق أوسلو، حيث تتوسّط الطّريق بين مدينتي القدس ونابلس، وتبعد عن عمّان مسافة 70 كليومترًا؛ وقد صرّح رجل الأعمال الفلسطينيّ، بشّار المصريّ، المدير التنفيذيّ لـ 'مجموعة مسار' الشريكة في إنشاء 'روابي'، أنّ الحفل شارك فيه قرابة الـ 15 ألفًا، وأنّ 'روابي' ستكون دائمًا سببًا لفرح الفلسطينيّين ومتعتهم.

ويعني ذلك العدد أنّ مسرح 'روابي' تفوّق على المسرح الجنوبيّ في مدينة جرش التاريخيّة، الذي يستوعب قرابة الـ 5000، وكذلك المسرح التاريخيّ في قرطاج، الذي يستوعب قرابة الـ 7500.

بلال كايد

أبدى عدد من النشطاء السياسيّين والصحافيّين والعاملين في الحقل الثقافيّ، استغرابهم الشديد من أن يشهد حفل كهذا، لا يقدّم فيه الفنّان الضيف، الرباعي، أيّ جديد فنّيّ، كلّ هذا الإقبال، في ظلّ أوضاع سياسيّة ومعيشيّة صعبة تشهدها فلسطين، بينما لا تجد قضايا وطنيّة مصيريّة أيّ اهتمام، مثل قضيّة إضراب الأسرى عن الطعام، وعلى رأسهم الأسير بلال كايد، المستمرّ في الإضراب منذ 68 يومًا، وذلك احتجاجًا على السياسات الإسرائيليّة بحقّهم ومطالبة بحرّيّتهم.

كتب نضال الكعبي، العامل في فرقة الفنون الشعبيّة الفلسطينيّة: الفرق في الفعل بين ما يصنعه بلال كايد في زنازين الاحتلال، وما يصنعه رأس المال السياسيّ الفلسطينيّ في مدينة روابي، يقع تمامًا على النقيض؛ في حين يحاول بلال ورفاقه صنع – حرفيًّا - معنى الحرّيّة والكرامة، يحاول رأس المال خلق نموذج ليبراليّ تحت الاحتلال في أقفاص مناطق ’أ‘، نموذج مجتزأ في ’حبّ الحياة‘ وفقًا لشروط دولارات ويوروهات ’العالم الأوّل‘.

وقد نقلت صفحات فيسبوكيّة عديدة، تهتمّ بمتابعة الشأن الفلسطينيّ، منشورًا مشتركًا، يشير إلى تكاليف حفل صابر الرباعي، ويتطرّق إلى الأسير كايد: تعداد سكّان مدينة روابي 2000 ، وأكثر من 15000 شخص حضر إلى حفل صابر الرباعي؛ وبما أنّ ثمن تذكرة الحفل 140 شيقل، فمعنى ذلك أنّ أكثر من 2,250,000 شيقل (مليونان و250 ألفًا) صُرِفَتْ خلال أقلّ من 4 ساعات في حفل غنائيّ! علمًا أنّه، وفي نفس اليوم، كانت وقفة تضامنيّة مع الأسير بلال كايد (في رام الله)، المضرب عن الطعام لليوم الـ 70، وعدد المشاركين لم يتجاوز الـ 10 أشخاص!

 

طرد الصحافيّين

كما تلقّى منظّمو الحفل وعناصر الأمن المكلّفة بحفظ النّظام خلاله، موجة انتقادات شديدة من صحافيّين فلسطينيّين، إذ تعدّدت الشهادات حول منع الصحافيّين من التغطية للحدث، بل وطردهم؛ إذ كتب الصحافيّ محمود حريبات: المدينة الحديثة العصريّة التي تُسمّى روابي، تعاملت اليوم مع الصحافيّ الفلسطينيّ، وفي يوم الصورة العالميّ،  بشكل لا له علاقة بالعصريّة ولا الحداثة، وبطريقة مهينة وعدم احترام، وبالتالي هي الدعوة لمقاطعة كلّ ما يتعلّق بهذا المكان، حتىّ يعرفوا كيف يحترمون الصحافيّ.

أمّا الصحافيّ حافظ أبو صبرة فقد كتب: ابتسامة مواطن هدم الاحتلال بيته بوجه الصحفي اللي جاي يقاسمه المعاناة، أو إحساس عائلة شهيد تحسسه إنه ابنها لأنه نقل صورة حياة الشهيد وغيروا الصورة الخاطئة بنظر العالم من رقم كتبته إسرائيل لحياة وحلم مستمرة بوجود ذكراه، بتسوى مليون روابي. اللي بحط روحه عكفه مشان يوثق انتهاكات الاحتلال مارح يكون رخيص بسعر تذكره متل ما عم يروج موظفو رجال الأعمال.

اعتذار

وقد تناقلت بعض المصادر الإعلاميّة أنّ بشّار المصري، الرئيس التنفيذيّ لـ 'مجموعة مساراتّصل معتذرًا لنقيب الصحافيّين، ناصر أبو بكر، عمّا حصل مع مجموعة من الصحافيّين خلال الحفل، وقال وفق تلك المصادر إنّه مستعدّ لإرسال اعتذار خطّيّ للنقابة، لا بل وأن يقابل الصحافيّين ليعتذر منهم مباشرة، علمًا أنّه لم يصدر أيّ بيان رسميّ بذلك حتّى الآن.

وقد فسّر المصري ما حدث قائلًا 'إنّه إشكال بسيط'، وأضاف، وفق وكالة 'معًا': إدارة المدينة تتحمّل مسؤوليّته، لكنّه لم يكن أبدًا كما تناقله بعض الصحافيّين وما وصفوه من طرد الصحافيّين من الاحتفال، إنّما ما حدث هو أنّ الصحافيّين أخذوا مكانهم أمام مسرح الاحتفال، فأعرب الحضور، وخصوصًا في الصفّ الأوّل من المدرّج، عن غضبهم بأنّهم لم يتمكّنوا من رؤية الفنّان ولا المسرح، فتحرّك موظّف تنسيق دخول وحركة الصحافيّين وطلب من الصحافيّين أن يخرجوا من المكان وأن يبتعدوا عن المسرح لإتاحة الفرصة للحضور بالاستمتاع بالمشهد والاحتفال. مؤكّدًا أنّ ذلك الموظّف سيُفصل!

تنسيق

تأتي زيارة الرباعي هذه إلى فلسطين، في ظلّ نيل موضوع التطبيع العربيّ الإسرائيليّ واستراتيجيّة المقاطعة العالميّة، مساحة كبيرة من النقاش، مؤخّرًا، آخر فصوله الدورة الحاليّة من الألعاب الأولومبيّة في البرازيل، حيث تتكرّر مقاطعة الرياضيّين العرب للرياضيّين الإسرائيليّين، كما أنّها تأتي في ظلّ استمرار الحراك السياسيّ في تونس، بلد الرباعي، المطالب بسنّ قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل، وسط تأييد شعبيّ.

حول ذلك كتب عبد الرحمن بتراوي: ’الخطاب الفنّيّ في الأغنية الفلسطينيّة يجب أن يتغيّر.‘ هذا ما قاله الفنّان التونسيّ صابر الرباعي في مؤتمره الصحافيّ بمدينة ’روابي‘، أحد أكبر مشاريع التطبيع الفلسطينيّ الصهيونيّ المشترك، والذي شارك بمهرجان فيها ضمن زيارة تمّت بتصريح وتنسيق من الاحتلال، حين يصل الرباعي أو غيره لفلسطين بهذه الطريقة ويقدّم مراجعته الناقدة للأغنية الفلسطينيّة وطبيعتها التحريضيّة الوطنيّة، بغضّ النظر عن نواياه من وراء ذلك، فإنّ المحصّلة من الزيارة تكون هي أنّ عليكم أن تتعايشوا مع وجود هذا الاحتلال، وتتظاهروا أنّ حياتكم طبيعيّة في ظلّه.

'مشروع تطبيعيّ'؟!

واقتبست الناشطة ضدّ التطبيع، نجوان بيرقدار، جزءًا من مقالة منشورة في موقع 'تنوير'، تصف مدينة 'روابي' بـ 'المشروع التطبيعيّ'، شاركته على صفحة حدث حفل الرباعي، جاء فيه: لكنّ المواطن الفلسطينيّ لا بدّ أن يتعرّض لصدمة فعليّة عندما يعلم أنّ مستشار ’روابي‘ القانونيّ، اختير من بين المحامين جميعًا، ليكون موظّفًا سابقًا في مكتب أرييل شارون، راعي الاستيطان وصاحب العصا الأشدّ غلظة التي لطالما اكتوى بنارها أبناء شعبنا في كلّ مكان. يؤكّد محامي روابي، موظّف شارون السابق، دوف ويسغلاسDov Weisglass ، أنّ السلطات ’الإسرائيليّة’ ترى في مدينة روابي المقولة النقيض (anti-thesis) للعنف والتطرّف. هل تقود مثل هذه المشاريع إلى التطبيع والتعاون والتعايش؟ يردّ مستشار روابي القانونيّ بوضوح تامّ: نحن نقوم بعمل ضخم من أجل دولة إسرائيل.

يُشار إلى أنّ زيارة العرب إلى الأراضي المحتلّة عام 1967، لا يُعَدّ تطبيعًا وفق معايير 'الحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديميّة والثقافيّة إلى إسرائيل'، إذ تُفرّق بين دخول فلسطين بتصريح من الاحتلال ودخلوها بتأشيرة إسرائيليّة؛ كما تُفَرّق بين دخول أراضي 48 وأراضي 67، وعليه فإنّ زيارة صابر الرباعي وغيره من الشخصيّات العربيّة إلى الضفّة الغربيّة لا تُعَدّ تطبيعًا وفق تلك المعايير، وهذه المسألة تُعَدّ محلّ جدل دائم في المجتمعين السياسيّ والثقافيّ الفلسطينيّين؛ إذ يرى البعض أنّه ضرب لجهود مكافحة التطبيع في الدول العربيّة والتفاف 'مفبرك' عليها، وتراه كذلك أمرًا معيقًا لحملة المقاطعة العالميّة (BDS)، التي تُسجّل إنجازات مشرّفة في الآونة الأخيرة، وبشكل متصاعد.