ألبوم«حنّة»... أصوات نسائيّة شابّة من فلسطين

من التصميمات الخاصّة بألبوم «حنّة»

 

أصدر «معهد إدوارد سعيد للموسيقى»، و«شركة كي كي في» النرويجيّة للإنتاج (KKV)، ألبومًا تحت اسم «حنّة»، في أيّار الماضي، يتوفّر على شكل أسطوانة غنائيّة، إلى جانب نشره على منصّات الإنترنت. يأتي «حنّة» بعنوان فرعيّ: «أصوات شابّات من فلسطين»؛ ليحمل المتلقّي إلى توجّه العمل بشكل واضح، ويرشده نصّيًّا إلى رسالته، فهو يتعلّق بفلسطين، ويضع المرأة الفلسطينيّة في المركز.

يتكوّن الألبوم من ثماني أغانٍ، منها أغانٍ أصليّة، وأخرى أعيد توزيعها وإنتاجها للألبوم. غنّيت 6 منها بشكل فرديّ، واثنتان تؤدّيهما فرقة «بنات القدس». وقد أُطْلِقَ الألبوم في العشرين من تشرين الأوّل لهذا العام، في قاعة «الشارقة» في «معهد إدوارد سعيد» في رام الله، بحضور بعض من مغنّيات الألبوم، وفريق الإنتاج، وعدد من الضيوف، إضافةً إلى بعض المشاركين من غزّة، الّذين حضروا عبر الفيديو كونفرنس، وكُرِّم كلّ من ساهم في إنجاح هذا العمل.

تختلط مشاعر الألبوم بين التفاؤل، والحزن، والعزيمة، والشوق، والأمل، والتعب، بسلاسة وبساطة، وتحكي الوطن والغربة والمدينة والبحر والأرض والشتات والحبّ...

لا يفصلك مظهر الألبوم عن جوهره؛ فهو الآخر يتزيّن بمسحوق الحنّاء ونقش أحمر قاتم، اعتادت النساء الفلسطينيّات أن يزيّنّ العروسين به قبل الزفاف. تختلط مشاعر الألبوم بين التفاؤل، والحزن، والعزيمة، والشوق، والأمل، والتعب، بسلاسة وبساطة، وتحكي الوطن والغربة والمدينة والبحر والأرض والشتات والحبّ، لتصدح كلّ أغنية بلون غنائيّ وأسلوب مغاير ومميّز عن الأخرى، يحمل هويّة الفنّانة الّتي أنتجته وطابعها، بوتيرة متناسقة.

وبينما تختلف الأغاني في مضمونها، فهي تجتمع في تعبيرها عن أفكار ومشاعر وأسئلة جمعيّة، كأجزاء من قضيّة واحدة لمجموعة من النساء الفلسطينيّات؛ فتقول الأغاني ما تودّ المغنّيات قوله، على لسانهنّ، أو بما يعبّرن به عن الأخريات، فيمسّ الشخصيّ والعامّ على حدّ سواء.

 

نسق حرّ

لا يمكن الحديث عن هويّة موسيقيّة متوقّعة، أو نهج واضح المسار، فقد امتاز الألبوم بنسقه الحرّ، بحيث ترك لكلّ فنّانة مساحتها في اختيار الأغنية الّتي تريد العمل عليها؛ فقد بحثت الفنّانات المشاركات عن الكلمات، وتعاونّ مع ملحّنين وملحّنات من اختيارهنّ، وقد كان لهنّ القدرة على المشاركة في اختيار العازفين أيضًا، وبذلك اتّسمت الأغنية بالطابع واللون الّذي تحبّ كلٌّ منهنّ بشكل متكامل.

تقول حنّة الحاجّ حسن لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، وهي واحدة من المغنّيات المشاركات: "لم نجتمع فعليًّا نحن مغنّيات الألبوم في مكان واحد - فثمّة مغنّيات من القدس، وأخريات من غزّة، ومن مدن فلسطينيّة أخرى - لكنّنا اجتمعنا في الفكرة، وهي ما شجّع الجميع على المشاركة... لأنّ العمل نسائيّ، والأصوات هي أصوات نسائيّة". وأضافت قائلة: "كلّنا نجتمع بكوننا نساء في هذا البلد، نتعرّض للضغوط ذاتها، شجّعتنا فكرة أن نكون معًا في هذه التجربة. ثمّة الكثير ممّا يجمعنا حتّى وإن لم نلتقِ فيزيائيًّا، ودون أن نجلس ونتناقش".

شكّلت عمليّة تجميع الأغنية رحلة شخصيّة لكلّ فنّانة، فيها سعي وانكشاف على عالم واسع من المؤلّفين، والملحّنين؛ للبحث عن مادّة تتوافق مع طبيعة ما تودّ تقديمه، وتسليط الضوء عليه. هذه التجربة لم يكنّ ليكتشفنها لولا الخوض فيها بالأساس، وكلمة السرّ وجود الفرصة لذلك، الأمر بهذه البساطة.

وفي ذات السياق قالت إحسان سعادة، وهي قد لحّنت أغنيتها في الألبوم أيضًا: "أن تبني وتسجّل العمل الخاصّ بك، له شعور مختلف، تجربة مفعمة بالمشاعر. هو شعور بأنّك غير مجبور على هذا العمل، على العكس، فقد فصّل من أجلك قطبة قطبة"، وليصل الألبوم إلى نتيجة حقيقيّة بكونه صوت شابّات من فلسطين كان من الطبيعيّ أن تنتجه نساء، وأن يخرج منهنّ، وأن يعبّر عن واقعهنّ وأعماقهنّ.

 

نساء محتلّات

من اللافت أنّ الطابع النسائيّ لم يكن طابعًا رمزيًّا، أو مقتصرًا على طبيعة الأصوات الّتي شكّلته، إنّما تجربة في حدّ ذاتها، ولكون معظم المشاركات هنّ أصوات يافعة في الحقل، كان الخوض في رحلة مشابهة شيئًا لم يُسْبَق، وقد عاشه معظمهنّ. تقول نور فريتخ الّتي غنّت «يافا - كلشي تغيّر»: "لا تأتي فرص مشابهة كهذه بسهولة، أن ننتج أعمالنا الخاصّة، اعتاد الجمهور من المغنّية الفلسطينيّة أن تغنّي كلاسيكيّات موجودة، إمّا أن تضيف عليها قليلًا، وإمّا أن تغنّيها كما هي، لكن ليس من الرائج، ولا سيّما في السنوات الأخيرة، أن تغنّي شابّات فلسطينيّات أغاني أصيلة وخاصّة، كُتِبَتْ ولُحِّنَتْ لهنّ".

"أن تبني وتسجّل العمل الخاصّ بك، له شعور مختلف، تجربة مفعمة بالمشاعر. هو شعور بأنّك غير مجبور على هذا العمل، على العكس، فقد فصّل من أجلك قطبة قطبة"...

لا يمكن الحديث عن الألبوم كتجربة نسائيّة دون أخذ السياق التاريخيّ في الحسبان، والتطرّق للمعيقات الأساسيّة أمام الإنتاج الإبداعيّ في المنطقة، والإنتاج الفنّيّ في فلسطين تحديدًا، من عرقلة الاحتلال لأيّ إنتاج ثقافيّ، إلى فقر التمويل، إلى احتكار السوق، عوضًا عن هامشيّة الفنون بين أولويّات الحياة بشكل عامّ.

تقول مريم عفيفي، وهي عازفة من فرقة «بنات القدس»: "أيّ دولة احتلال واستعمار تحاول محو الشعب الأصليّ عبر ضرب ثقافته وفنّه، ومحو تاريخه وتراثه عبر ذلك، وهو ما يظهر من خلال اقتحامات جنود الاحتلال لمقرّ معهد الموسيقى، واعتقالات الفنّانين الفلسطينيّين، في المقابل نحن نقاوم الاستعمار وسياساته ضدّنا، ونناضل ضدّها. وبالطبع لكون هذه التجربة نسائيّة، فهو نضال مضاعف، بحيث يجابه الاحتلال في مرّة، والنمط الاجتماعيّ الّذي يحرمها من الوجود وممارسة الفنّ، ويحمل خطاب أنّ هذا ليس دورها الطبيعيّ مرّة ثانية". وتضيف حنين العجلة، وهي فنّانة مشاركة من غزّة: "نتيجة للظرف الاقتصاديّ/ السياسيّ/ الاجتماعيّ، قد تكون الموسيقى من آخر اهتمامات الناس في غزّة، والإنتاج من أصعب الأمور، بينما ظهور المغنّيات والفنّانات ما زال ظهورًا مقيّدًا، ويكاد يكون معدومًا. وفي حال صار هناك ظهور، فنتيجة للأوضاع يتوجّب عليه أن يتّبع نمطًا وشكلًا معيّنًا، معدًّا له مسبقًا".

 

تحدٍّ

ألبوم «حنّة» ألبوم ثوريّ وغير عاديّ، على الرغم من عدم اندراجه ضمن الموسيقى البديلة، أو الإنتاجات المعاصرة، أو ما اعتاد الجمهور على توصيفه بالثوريّ، فـ «حنّة» بأداء رفيع يطرق أبوابًا جديدة، ويحاول كسر صور جاهزة ونمطيّة عن إنتاجات الفنّانات والمغنّيات الفلسطينيّات، والإتيان بصور متحرّرة من المتوقّع والمحدوديّة المفروضة عليها، في مقابل ما يعبّرن به عن أنفسهنّ، وذائقتهنّ، وما يردن غناءه، يحاول الألبوم تحقيق الانسجام بين الفنّانة وما تقدّمه من فنّ جميل، قلّما نسمع مثله بأصوات عذبة.

الألبوم عمل مثابر وقويّ، تشاركت فيه أمّهات وشابّات وعاملات وطالبات، يمتزن بفنّيّة عالية، وبأصوات فريدة وجميلة، يخطون خطوة أولى تمهّد للأخريات المسار، وتشجّعهنّ على عدم التردّد، والمخاطرة، والسعي، فلا يوجد عمل ناضج ومتطوّر من ذاته، إنّما يظلّ يتبلور حتّى يصل إلى المراد، والكثير من الإنتاجات هو الطريق إلى الإنتاج المثاليّ. إنّها تجربة تحدٍّ للرهبة الدائمة من الجديد، مقتحمة لحدود الإرادة والقدرة، ومعيدة فتح الأبواب أمام الإنتاجات الغنائيّة والموسيقيّة بأنواعها، تكتسب ديمومتها من خلال إنتاجها بدافع الرغبة والحبّ، ودون قيود.

 

تجربة أولى

تُوّج ألبوم حنّة بتصدّره قائمة Transglobal World Music Chart (TWMC)، وهي شبكة عالميّة من النقّاد الموسيقيّين كأفضل ألبوم غنائيّ لشهر آب (أغسطس) الماضي، محتلًّا المرتبة الأولى من بين عشرات الألبومات في فئة موسيقى العالم، بحيث نظرت إليه اللجنة وفقًا للكلمات، والأداء، والتوزيع، والتلحين، والإخراج النهائيّ، ودقّة التسجيل. إضافةً إلى تصدّره لائحة أفضل 20 موسيقى عالميّة في أوروبّا عن أغنية «غزّة» لفرقة «بنات القدس»، وهي لائحة لمجموعة إصدارات موسيقيّة عالميّة جديدة، تختار برعاية أفضل 42 دي جي راديو من جميع أنحاء أوروبّا.

«حنّة» بأداء رفيع يطرق أبوابًا جديدة، ويحاول كسر صور جاهزة ونمطيّة عن إنتاجات الفنّانات والمغنّيات الفلسطينيّات، والإتيان بصور متحرّرة من المتوقّع والمحدوديّة المفروضة عليها...

 

يلخّص سهيل خوري - وهو أحد منتجي الألبوم - ماهيّة العمل، يقول: "يهدف هذا الألبوم إلى تشجيع المغنّيات الشابّات من فلسطين، والترويج لهنّ في طريقهنّ لتكوين شخصيّاتهنّ الفنّيّة المتميّزة، ويضيء على مجموعة الشابّات الصاعدات لفرض وجودهنّ وإعطائهنّ فرصة. وقد كان من اللافت رؤية الصدى الّذي يحصل عليه الألبوم من العشرات والمئات من الموسيقيّين في العالم. نأمل أن تلهم هذه الأسطوانة المغنّيات الفلسطينيّات الصاعدات لإنتاج ألبومات خاصّة بهنّ في المستقبل، وعلينا جميعًا أن نفتخر بهذا الإنجاز كتجربة أولى من نوعها على مستوى البلد، ونتطلّع إلى أن يكون الألبوم مساهمة قيّمة في الحركة الموسيقيّة في فلسطين".

غنّت الألبوم كلٌّ من نور فريتخ لـ «يافا كلشي تغيّر»، وحنين العجلة لـ «شو مخبّيلي»، وسميرة خروبي لـ «زهرتان» (رافقها بالغناء: لين تروي، نور فحام، ونورس مغربي، وريم الشريف، نور علوي)، وميرال عياد لـ «عيون النرجس»، وإحسان سعادة لـ «لو تعرفي»، وحنّة الحاجّ حسن لـ «يمّي وقلتلّك»، وفرقة بنات القدس لـ «ما دامت لي/ غزّة». وأنتجه سهيل خوري وأريك هيليستاد، والمنتج المنفّذ يعقوب حمودة، وأدار الإنتاج محمّد مراغة، مع مهندس الصوت إيهاب هنيّة. وشارك في العزف: أشرف دبّاح، وانتصار أبو شلباية، وإياد ستيتي، وإيهاب هنيّة، وحنين الرجبي، ورهف مغربي، وريم عبيدي، وسلمى عبّاسي، وسما ترزي، وسهيل خوري، وشارلي رشماوي، وطارق عبّوشي، ومحمّد خمايسة، ومحمّد كحلة، ومريم عفيفي، وهاني أسعد، وهذر برشة، وياسمين أبو شلباية، ويعقوب حمّودة.

 


 

ترتيل معمّر

 

 

من بيت لحم، خرّيجة صحافة وإعلام - جامعة بيرزيت. تعمل في مجال الفنون البصريّة ضمن مشروع «الفنون البصريّة: نماء واستدامة» (VAFF). حصل مشروع فيلمها القصير «دوريّة» على جائزة «سرد» لعام 2021. لها مساهمات كتابيّة وصحافيّة.