مظفّر ... بأصواتٍ فلسطينيّةٍ

بقصائد للشّاعر العربيّ العراقيّ الكبير، مظفّر النّوّاب، قدّمها شعراءُ وفنّانون في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، الثّلاثاء، 3 شباط (فبراير) 2016، انطلقت أولى فعاليّات وأمسيات البرنامج الجديد للمتحف، 'شاعر الشّهر'، والّذي من المقرّر أن ينتظم بواقع أمسيةٍ واحدةٍ شهريًّا لشاعرٍ فلسطينيٍّ أو عربيٍّ أو عالميٍّ، إذ يُحتفى به من خلال قراءاتٍ لأشعاره، يقدّمها في حضرة درويش شعراءُ وفنّانون من محبّيه، بأن يختار كلٌّ منهم ما يلفته ويمسّه من قصائد هذا الشّاعر.

لذا، بدت أمسية مظفّر النّوّاب متنوّعةً في قراءاتها وقرّائها، ما بين شاعرٍ، وفنّانٍ تشكيليٍّ، ومطربةٍ، يقدّم كلٌّ بطريقته القصيدة الّتي اختارها من مجموع القصائد الكثيرة للشّاعر اللّاذع حّد منع تداول قصائده، تحت طائلة القانون، في العديد من الدّول العربيّة، الّتي لم يَسْتَثْنِ أحدًا منها.

أصناف القصيدة

ويمكن للمتمعّن في قصائد النّوّاب تقسيمها إلى ثلاثة أصناف: الأوّل كان فيها الشّاعر نفسه محورها، كما في تلك الّتي تناولت علاقته مع الحزب الحاكم في العراق، ومع الحزب الشّيوعيّ العراقيّ، ومع الأنظمة العربيّة بعامّة، وكان النّوّاب في هذه القصائد غالبًا ما يتمثّل تجربته الشّخصيّة، ويبدو هذا على سبيل المثال في قصائد، مثل: 'وتريّاتٌ ليليّةٌ'، و'بحّار البحّارين'، و 'عروس السّفائن'، وغيرها.

أمّا الصّنف الثّاني من قصائده، فهي تلك الّتي  كتبها متمثّلًا فيها تجارب عامّةً، وأخرى خاصّةً بغيره، كتجارب الفلسطينيّين في لبنان، وتجارب أشخاصٍ كان لهم دورٌ في الحياة السّياسيّة والاقتصاديّة العربيّة، وفي هذه القصائد لم يكن النّوّاب نفسه المحور؛ لقد كان محورها آخرون، أو الجغرافيا والمكان. يتجلّى ذلك في قصائد 'تلّ الزعتر'، و'كيف نبني السّفينة في غياب المصابيح والقمر'، و'فتى اسمه حسن'، و'عبد الله الإرهابيّ'، و'مرثيّةٌ لأنهارٍ من الحبر الجميل: إلى ناجي العلي'، وغيرها، وهنا يلاحظ حضور القضيّة الفلسطينيّة الطّاغي في أشعار 'العراقيّ الثائر'.

أمّا الصّنف الثّالث، فقد أطلق عليه النّقّاد اسم 'المواجيد'، ووجدوا أنّها تنقسم هي الأخرى إلى ثلاثة أقسام: وجدان الجسد (المرأة)، ووجدان النّفس (الخمر والغربة)، ووجدان الرّوح (الله الإنسان)، ويبرز هذا في قصائدَ، مثل: 'رباعيّات'، و'عتاب'، و'قراءة في دفتر المطر'، و'سلفيني'، و'ندام'، وغيرها.

بأصواتٍ فلسطينيّةٍ

وبالعودة إلى أمسية 'شاعر الشّهر'، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ شعراءَ وفنّانين وفنّاناتٍ قرأوا من أشعار النّوّاب، فقدّم الشّاعر عرفات الدّيك قصيدة 'عبد الله الإرهابيّ'، والتّشكيليّ وليد أيّوب قصيدة 'بنفسج الضّباب'، فيما قدّمت الفنّانة ريم تلحمي قصيدة 'الحركة الثّانية من وتريّاتٍ ليليّة'، والّتي حملت عنوان 'بكائيّاتٍ على صدر الوطن'.

أمّا الشّاعر خالد جمعة، فقدّم قصيدة 'دمشق باللّون الرّماديّ'، فيما قدّم الشّاعر فارس سباعنة قصيدة 'نعم مولاي تراب'، واختُتمت الأمسية بقراءة الفنّانة عبيدة صلاح لقصيدة 'في الحانة القديمة'.

فلسطين مظفّر

لفلسطين حضورٌ خاصٌّ في قصائد النّوّاب، من بينها قصيدته في رثاء ناجي العلي، وقصيدة 'تلّ الزّعتر'، وقصيدة 'القدس عروس عروبتكم'، و'من باع فلسطين؟'، و'أحجار فلسطين'، وغيرها الكثير، وهو الّذي كان قد أطلق عام 2009، قصيدةً جديدةً حول العدوان الإسرائيليّ على قطاع غزّة؛ جاء فيها:

ما أسخفَها تلكَ الجملةُ

'الصّبرُ جميلْ'

ولدتْ جملًا أخرى تشبهُها

خُذ مثلًا الخوفُ جميلْ

الذّلُّ جميل

الموتُ جميلْ

الهربُ منْ الأقدارِ جميلْ

وجميلٌ أنْ يُقتلَ منّا في غزّةَ يومًا مائةُ قتيلْ

وجميلٌ أنْ ننسى في اليومِ التّالي

- فالنّسيانُ جميلْ وجميلٌ -

أنْ تأتينا أمريكا بجيوشٍ وأساطيلْ

وجميلٌ أنْ تحترقَ الأرضُ

فلا يبقى زرعٌ ونخيلْ

وجميلٌ أنْ تختنقَ الخيلُ

فلا يبقى نزقٌ وصهيلْ

وجميلٌ أنْ تتهاوى كلُّ عواصمِنا كيْ تبقى دولةُ إسرائيلْ

يا ربِّ ... كفرتُ بإسرائيلْ

وكفرتُ بكلَ حوادثِنا المبنيّةِ دومًا للمجهولْ

وفي النّهاية، يمكن القول إنّ مظفّر النّوّاب من أبرز الشّعراء العرب المعاصرين الّذين كانت قصائدهم ابنةً شرعيّةً للشّعر العربيّ القديم، حتّى إنّ الحاضر الغائب، محمود درويش، قال إنّ شعره خلاصة الشّعر العربيّ، ابتداءً من امرئ القيس، فقد كان في الهجاء ابنًا للمتنبّي، وكان في الحكمة والفلسفة ابنًا للمعرّيّ، وفي موضوع الخمر ابنًا لأبي نُواس.

 

*صورة الخبر الرّئيسيّة: مظفر النواب بريشة الفنان خالد شاهين