قاسم حدّاد لفُسْحَة: لا قداسة لنصّ، وأثق بالجديد الجادّ

الشّاعر قاسم حدّاد

إثر زيارته لفلسطين في نيسان الماضي، أجرت فُسْحَة حوارًا مع الشّاعر البحرينيّ الكبير، قاسم حدّاد، مسلّطةً الضّوء على جوانب من ممارسته الإبداعيّة، ورؤاه النّقديّة، ومواقفه السّياسيّة، ومن ضمنها زيارته إلى فلسطين، بالإضافة إلى بعض تفاصيل حياته اليوميّة، فكان هذا...

فُسْحَة: تقدّم لنا المطبوعات الورقيّة والفضاءات الإلكترونيّة صورةً زخمةً لقاسم حدّاد المثقّف والمبدع والنّاشط، لكنّنا لا نعرف سوى القليل عن الشّاعر في تفاصيل حياته الإنسانيّة اليوميّة؟ فمن يكون؟ وكيف تحضر تلك التّفاصيل لدى صياغة القصيدة؟

قاسم حدّاد: ليس ثمّة ما يثير الاهتمام في تفاصيل الحياة اليوميّة لديّ؛ شخصٌ يسعى لاكتشاف العالم بالكلمات. أستمتع بأن أعمل كلّ شيءٍ بنفسي وبيديّ. مولعٌ بالذّهاب إلى السّوق لاكتشاف كيف أنّ الحياة أكثر جمالًا وطزاجةً من القصائد كلّها. في السّنوات الأخيرة، رأيت في الطّبخ ما يغني عن الشّعر، إذ أعدّ الأكل بنفسي للعائلة بين وقتٍ وآخر؛ تعلّمت الطّبخ من زوجتي، ففي مِنَح التّفرّغ والإقامات الألمانيّة فوائد كثيرةٌ غير الكتابة. منذ عدت من ألمانيا قبل حوالي سنتين، أحاول ترتيب مكتبتي، وفيما كنت منشغلًا بالإعداد لمعرض 'فان غوخ' مع ابنتي وابني، تزداد المكتبة فوضى، وبهذا أكون نسخةً من بشرٍ آخرين كثيرين وهم يمارسون حياتهم اليوميّة. الكتابة لا تجعل الكاتب متميّزًا أو مختلفًا عن غيره، سوى أنّه أكثر هشاشةً وعرضةً للأخطاء.

فُسْحَة: قلتَ مرارًا، إنّ الأقانيم الثّلاثة في الحياة، هي الحبّ والشّعر والحرّيّة؛ كيف تلتقي هذه الثّلاثة، ما هو الخطّ النّاظم بينها، وما الّذي يعنيه كلّ واحدٍ منها لديك؟

حدّاد: ورثت هذه الأقانيم الثّلاثة من أسلافي السّورياليّين، وهؤلاء من الغنى بحيث يجعلونك تكتشف جماليّات جنونهم يومًا بعد يوم.

هذه الأقانيم هي النّبع والمصبّ الّذي يضع الإنسان أمام الغاية من الحياة بوصفها متعةً ولذّةً تتفجّران بلا هوادةٍ كلّما تيسّر للإنسان أن يكون صادقًا في كلّ تفاصيل حياته، ومع نفسه بالدّرجة الأولى، وينجو دائمًا من الأوهام الرّائجة والسّائدة في الثّقافة العربيّة منذ منتصف القرن المنصرم.

كلّ واحدٍ من هذه الأقانيم الثّلاثة، يقدر على صقل قلب الإنسان مثل أكثر المرايا جمالًا وجرأةً وزهدًا في الحياة التّافهة.

يمكنني القول هنا، إنّ كلمة عليٍّ بن أبي طالب صالحةٌ لهذا النّموذج من البشر: 'يا دنيا غري غيري،' فالشّعر والحبّ والحرّيّة تكفيني وتزيد.

فُسْحَة: 'الجذور والأجنحة'، ثنائيّةٌ يوظّفها قاسم حدّاد كثيرًا في نصوصه وكلامه، ليبيّن رؤيته ورؤياه حول الشّعريّة ومكامنها، فلماذا يحتاج الجذر إلى جناحٍ، والعكس، لماذا يحتاج الجناح إلى جذر؟

حدّاد: في الثّقافة والإبداع، ليس من الحكمة الإعلان عن المزاعم. العمل والنّصوص هي التّجربة الكفيلة بإقناعنا بكلّ ما يتعلّق بالحياة موصولةً بالفنون. كما أنّ كلّ هذه الممارسة لا تتحقّق ببعض النّجاح إلّا إذا تمكّنتْ من التّحليق بمخيّلةٍ حرّةٍ، واغتنتْ بتراثٍ غزيرٍ من التّاريخ ومعرفته هو وتجربته. بهذا المعنى، سوف نظلّ بحاجةٍ دائمةٍ لبعض التّواضع أمام الكتابة والفنون الأخرى، كلّما تعلّق الأمر بمغامرة العمل الإبداعيّ.

الجناحان هنا هما ما يجعلان تجربتنا جديرةً بنفسها، لكن دون مزاعم ولا ادّعاء، حتّى إذا سمعنا أحدهم يطرح علينا الحداثة بشرط القطيعة مع التّراث، فإنّنا سوف نكتشف سريعًا أن ثمّة خللٌ في الرّؤية يتوجّب الانتباه له، لئلّا نفرط في مستقبلِ ما نحلم.

محرّر فُسْحَة، علي مواسي، مع الشّاعر قاسم حدّاد خلال زيارته إلى رام الله

فُسْحَة: في موت الكورس[1] جاء: 'هكذا ننجز شيئًا ليس وثنًا، مرشّحًا للتّحوّل والتّجدّد. وحش الهدم.' فهل من هدمٍ جديدٍ في مشهدنا الإبداعيّ العربيّ، وتحديدًا الشّعريّ، أم أنّ ما كان هدمًا منذ منتصف القرن العشرين، انقلب على نفسه وتحوّل هو نفسه إلى وثنٍ يدافع عن عرشه بشراسة، رافضًا أن يهدمه أحد؟

حدّاد: اليقظة الإبداعيّة هي الّتي تسعف المخيّلة وتعمل على تنشيطها، ولكي نتفادى الوقوع في وَهْدَةِ الوثن، يتوجّب علينا وضع الأسئلة والشّكّ في الأجوبة، فكرًا وفنًّا، أمام خطواتنا.

من هنا، يصحّ لنا الزّعم أنّ 'موت الكورس' فعلٌ مستمرٌّ في تجربة الإبداع الأدبيّ والفنّيّ، أو هكذا نحبّ أن يكون عملنا الجديد دائمًا؛ إلّا أنّنا لسنا ننطق بالحقيقة الكاملة النّاجزة، أو أنّنا منزّهون عن الخطأ.

كان 'موت الكورس' اقتراح ثمانينات القرن المنصرم، ليس من العدل الافتراض أنّنا لا نزال نراه صالحًا بكامل نصّه لما بعد ذلك القرن.

الآن، على صعيد المشهد الشّعريّ الرّاهن، أتمنّى أن يقدر أصحاب التّجربة الجديدة اجتراح ما يناسبهم من الرّؤى والأفكار الشّعريّة لمستقبل تجربتهم، وأحسب نفسي من الواثقين في الجديد الجادّ من التّجارب الشّعريّة الرّاهنة.

ليس ثمّة قداسةٌ لنصٍّ، كما ليس ثمّة قداسةٌ لشخصٍ.

فُسْحَة: ما الّذي يجعل قاسم حدّاد يحبّ قصيدةً ما لشاعرٍ ما؟ أو بصياغةٍ أخرى، ما الّذي يجب أن يتوفّر في قصيدةٍ ما ليحبّها قاسم حدّاد؟

حدّاد: النّصّ الّذي أشعر برغبتي في إعادة قراءته غير مرّة، كما أنّني أحبّ في النّصّ أن يقنعني بأنّه مكتوبٌ باللّغة العربيّة من قبل شاعرٍ عربيٍّ، وهذا ما يميّز النّصّ الشّعريّ المترجم عن النّصّ الشّعريّ العربيّ.

بالطّبع هذا ليس قانونًا صالحًا للآخرين، إنّما هذا ذائقةٌ شخصيّةٌ فحسب.

فُسْحَة: امتزاج القصيدة بألوانٍ مختلفةٍ من الإبداع السّمعيّ والبصريّ العربيّ؛ خالد الشّيخ وإبراهيم بوسعد وصالح العزّاز وضياء العزّاوي ولبنى الأمين وأمين صالح، سمةٌ لافتةٌ في تجربة قاسم حدّاد، فماذا الّذي يجده الشّاعر في ذلك، وما الّذي يقوده إليه؟ هل من مبرّرات ذلك، ربّما، احتياج النّصّ الشّعريّ في زماننا إلى وسائط تجعل إيصاله للمتلقّي أيسر وأكثر جذبًا فانتشارًا؟ هل من نقصٍ في النّصّ يملؤه لقاؤه مع نصوصٍ من أنواع أخرى؟

حدّاد: أرى أنّ فنون التّعبير أضحت بمثابة النّوافذ على الآفاق الرّحبة؛ ومبكرًا شعرت بضرورة الانفتاح على الفنون الأخرى، ما يستدعي المزيد من الثّقافة البصريّة لدى مبدعي الفنون الرّاهنة؛ لأنّ الحاسّة البصريّة في الثّقافة العربيّة صارت حاسّةً شبه معطّلةٍ لدى المبدع والمتلقّي، لفرط الحظر الدّينيّ والاجتماعيّ الّذي تتعرّض له الفنون البصريّة طوال تاريخنا العربيّ الإسلاميّ.

وبعد أن صارت وسائل ووسائط الاتّصال والتّعبير على درجةٍ متقدّمةٍ من التّطوّر والتّقنيّة العالية المتاحة، صار علينا عدم التّخلّف عن اكتشاف جماليّات هذه الوسائط، ونوعيّة الإضافة الّتي توفّرها لمجمل الفنون.

من جهةٍ أخرى، أشعر دائمًا أنّ تجربة تقاطع الفنون من أكثر التّجارب الثّقافيّة متعةً ومعرفةً، وربّما يفتح مثل هذه التّجارب آفاقًا مختلفةً في سبيل تفادي وتجاوز الطّرق المسدودة أمام مفاهيم الكتابة والتّعبير في الثّقافة العربيّة الرّاهنة.

بالنّسبة لي، أضافت تجاربي مع مختلف فنّاني وفنون التّعبير الكثير من الخبرة والمعرفة إليّ، وفتحت لتجربتي آفاقًا نوعيّةً بالغة الجمال، والحقّ أنّهم جميعًا أعطوني درسًا أحتاجه ويفيد تجربتي الأدبيّة. شكرًا لهم.

فُسْحَة: قاسم حدّاد، الاسم الوازن في الثّقافة العربيّة، صاحب الشّهرة والحظوة في المحافل الإبداعيّة والأدبيّة وغيرها، والمثقّف ذو العلاقات الغزيرة والاحتفاء الكبير أينما حلّ، وفي كلّ ذلك سلطةٌ من نوعٍ ما. كيف يَنْظُرُ حدّاد، صاحب الصّوت الشّعريّ المفعم بالحديث عن الحرّيّة وإنسانيّة الإنسان والتّمرّد على أشكال السّلطة المختلفة، كيف ينظر إلى السّلطة؟ وكيف يتجنّبها ويحذر من الوقوع في فخاخها؟

حدّاد: إذا كان ما يقوله سؤالك صحيحًا، فذلك ممّا يضعني تحت وطأة مسؤوليّةٍ أخشى أن أقصر عنها، وهذا شرفٌ أحبّ أن أكون جزءًا منه بمعيّة العديد من أصدقائي الشّعراء الّذين يصقلون تجربتي بصنيعهم الإبداعيّ.

يبقى القول إنّ القلب دليلٌ لا يخذل في جميع الحقول، فما بالك في حقل الأدب والفنّ؟ وليس مثل السّلطة، بشتّى تجلّياتها، خطرٌ على مخيّلة الإبداع، وهذا ما يستدعي من الشّاعر اليقظة الفعّالة، من أجل الانتباه للأشكال غير المتناهية للسّلطات وهي تحاول الاستحواذ والهيمنة، وتقويض المشروع الإبداعيّ الحرّ بنكهته النّقديّة، والّتي تقف في منطقة المستقلّ المستغني عن مطلق السّلطات.

وظنّي أنّ في هذا الموقف شرط الذّهاب إلى المستقبل بالنّسبة للأديب والفنّان.

فُسْحَة: لطالما تمنّى قاسم حدّاد أن يزور فلسطين، وهو الّذي كان وما زال صديقًا لمشروع تحرّرها الوطنيّ ولأهمّ مبدعيها، وها هو اليوم يزور 'رُبْعَها' المتاح له، أي الضّفّة الغربيّة، فهل تشبه فلسطين الواقع، فلسطين الفكرة والخيال؟ ماذا أحبّ الشّاعر هنا، وما الّذي لم يحبّه؟

حدّاد: فلسطين درسنا الأوّل في الحرّيّة، وأشعر أنّها لا تزال كذلك، بفعل الانحدار الوطنيّ الّذي تتدهور إليه مجمل حركات التّحرير العربيّة، لا سيّما بعد سقوط الأنظمة العربيّة الوطنيّة إلى حضيضٍ أخلاقيٍّ لا ينتمي للحضارة بأيّ طرف، وبعد أن أثبتت كافّة قوى المعارضة العربيّة، بما فيها المعارضة الفلسطينيّة، أنّها أكثر سوءًا من الأنظمة (السّلطات) العربيّة الحاكمة. وأنا هنا أتحدّث عن درس الحرّيّة الفلسطينيّ الّذي يمثّل بالنّسبة لي الجذوة الأولى والعميقة للثّورة الفلسطينيّة، وكلّ ما عدا ذلك يذهب جفاءً.

بعد زيارتي الأولى لفلسطين (الضّفّة الغربيّة)، بدأت أحلم بزيارة فلسطين كاملةً في أقرب وقتٍ ممكنٍ.

أحببتُ، في ما رأيت من فلسطين، ضربًا من الأمل المفقود في بلاد العرب الأخرى، لا سيّما بعد ثورات الرّبيع الأخيرة، تلك الّتي هزمت 'الشّعوب' عوض هزيمة الأنظمة الحاكمة الّتي بقيت على كواهلنا أكثر ضراوةً وعسفًا وتشفّيًا.

فُسْحَة: جدلٌ صاخبٌ يطرأ كلّما زارت شخصيّةٌ ثقافيّةٌ عربيّةٌ مهمّةٌ فلسطين، فثمّة من يرون أنّ هذا يدخل في باب 'التّطبيع' الّذي تستغلّه إسرائيل بصورةٍ منهجيّةٍ لتبييض صورتها وإخفاء جرائمها أمام العالم. وثمّة من يعتقدون أنّ زيارة الضّفّة الغربيّة الّتي تتحكّم إسرائيل بها وبمعابرها عسكريًّا، لا يعفي أيّ شخصٍ من مسؤوليّته عن 'التّطبيع'، طالما أنّ فلسطين خاضعةٌ لاستعمارٍ أجنبيّ، وطالما أنّ السّلطة حكمٌ ذاتيٌّ يدير شؤون الفلسطينيّين، جزئيًّا، وفق القيود والشّروط الإسرائيليّة.

فكيف ينظر قاسم حدّاد إلى هذه المسألة؟ وبماذا يردّ على وجهة النّظر تلك؟

حدّاد: لا أحسن المشاركة، إيجابيًّا، في مثل هذه السّجالات. أزور فلسطين لمقابلة أصدقاء قدماء والتّعرّف إلى أصدقاء جددٍ، ولا أنخرط في الشّأن الّذي يمكن أن يحول دون ذلك.

نعم، رأيت حواجز الجيش الإسرائيليّ وعنفه وقتله في المناطق الّتي ذهبت إليها، هذا ما لا تقرّه الإنسانيّة في أيّ وقتٍ ومكانٍ. لكن، اذكر لي بلدًا عربيًّا لا تصادف في شوارعه منذ سنواتٍ طويلةٍ، حواجز العسف والتّمييز والعنف والقتل أيضًا؟ لا أفهم لماذا علينا قبول حواجز القتل الوطنيّ، بينما نتحصّن بها ضدّ الحواجز الإسرائيليّة؟

لا أقارن، لكنّني أسأل؟

يا صديقي، لقد عاصرتُ أكثر من جيلٍ يجابه ويحارب إسرائيل، وعشت كيف أن النّظام العربيّ طوال تاريخه الحديث، يقمعنا ويؤجّلنا ويحاربنا بإسرائيل بوصفها عدوًّا، وها هو النّظام نفسه، مع بعض المعارضة الوطنيّة، يقمعنا ويؤجّلنا ويحاربنا بإسرائيل بوصفها صديقًا!

أنا أحترم، بالطّبع، جميع الآراء الأخرى، ولستُ مؤهّلًا لإطلاق أحكامٍ على أحدٍ، ولا أجد من الأخلاق اتّهام أحدٍ أو تخوينه لمجرّد أنّه اختار موقفًا مغايرًا لقناعاتي. الجميع له حرّيّة الاختيار ما دام لا يضير غيره، متمنّيًا على الجميع ألّا يزعم الدّيمقراطيّة وهو يسارع إلى ارتجال حكم التّخوين على كلّ من يختلف معه، كما ليس من الحكمة التّوهّم أنّنا نمتلك جدارة الذّهاب إلى المستقبل دون شرط الدّيموقراطيّة أوّلًا؛ وأنا هنا، لا أردّ على أحدٍ.

فُسْحَة: عن الحراك الشّعبيّ الضّخم الّذي شهدته البحرين عام 2011 و 2012، أو ثورة البحرين في سياق ثورات الوطن العربيّ بعامّة: هل ثمّة استكمالٌ لبيان 'كما نرى'[2] بعد مرور خمس سنواتٍ عليه؟ وما موقف قاسم حدّاد، صاحب الصّوت المتمرّد، من تدخّل السّلطات في شؤون 'أسرة الكتّاب والأدباء' البحرينيّة، الّذي بلغ حدّ اعتقال ومحاكمة عددٍ من أعضائها؟

حدّاد: الحراك في البحرين، مثله مثل أشكال الحراك في معظم المناطق الأخرى؛ وحين تَخَوَّفْنا من التّدهور السّياسيّ والاجتماعيّ بسبب توجيه قيادةٍ دينيّةٍ الحركة المطلبيّة المشروعة منذ ثلاثينات القرن الماضي في البحرين، فإنّ ذلك التّخوّف في 'هكذا نرى' (2 آذار 2011)، كان متواضعًا جدًّا مقارنةً مع حدث بالفعل. ليس 'أسرة الأدباء والكتّاب' فقط من تعرّض للعسف السّياسيّ والاجتماعيّ في البحرين، بل إنّ معظم جمعيّات المجتمع المدنيّ قد تعرّضت لذلك، وهي الجمعيّات الّتي كانت تؤدّي دورها في أكثر سنوات العسف ضراوةً في تاريخنا الحديث، لكن أحدًا، من السّلطة ومن المعارضة، لم يضع تاريخ نضال تلك الجمعيّات في اعتبارها واجتهادها الرّاهن.

موقفي من السّلطة الدّينيّة، بكلّ تجلّياتها، لا يختلف عن موقفي من السّلطة السّياسيّة؛ ضدّهما بوصفهما عسفًا ضدّ الحضارة وتقدّم المجتمع ومستقبل الإنسان، وعدالة حياته وحقوقه في الحرّيّات.

إلى ذلك، فإنّني لا أجد نفسي مجبرًا على الإعجاب بكلّ شعارات المعارضة الدّيمقراطيّة، فكيف سأعجب بشعارات غيرها؟!

فُسْحَة: هل لإقامة قاسم حدّاد خارج الوطن، منذ خمس سنوات، علاقةٌ بما شهدته البحرين من أحداثٍ سياسيّة؟

حدّاد: ثمّة مصادفةٌ موضوعيّةٌ جعلت منحة الإقامات الأدبيّة في مدنٍ ألمانيّةٍ مختلفةٍ، تأتي، تقريبًا، في نفس فترة الرّبيع العربيّ؛ أوّل الإقامات كانت عام 2008، والأخرى بدأت منتصف 2011 والسّنوات التّالية. والحقّ أنّني أحببت هذه المصادفة، لكي أحاول الابتعاد عن الانهيارات الّتي تحدث للمجتمع العربيّ وتقهقره إلى القرون السّالفة. لقد كنّا نشهد لحظة الرّجوع إلى الكهف والغابة في آنٍ واحدٍ.


[1]. موت الكورس: بيانٌ نقديٌّ أصدره كلٌّ من قاسم حدّاد وأمين صالح عام 1984، يبيّنان فيه رؤيتهما حول مفهوم الإبداع والشّعر.

[2].  كما نرى: بيانٌ كتبه كلٌّ من قاسم حدّاد وأمين صالح في آذار (مارس) 2011، بيّنا فيه رؤيتهما للاحتجاجات الشّعبيّة الّتي شهدتها البحرين في سياق الثّورات العربيّة.