2016: عام السرد الفلسطينيّ بامتياز

يشعر المرء بالغبطة وهو يفتتح كتابته عن النجاحات غير المسبوقة التي حقّقها عدد من الكتّاب الفلسطينيّين، عام 2016، في المشهد الأدبيّ على مستوى العالم العربيّ، لا سيّما عندما تكون فاتحة مقالته خبرًا يزيد المشهد توهّجًا، وهو وصول الباحث والروائيّ الفلسطينيّ – السوريّ، تيسير خلف، إلى القائمة الطويلة 'لـلجائزة العالميّة للرواية العربيّة - البوكر' لعام 2017، عن روايته 'مذبحة الفلاسفة'، الصادرة عن المؤسّسة العربيّة للدراسات (2016).

هذا المنجز الإبداعيّ لتيسير خلف، فضلًا عن ترؤّس الروائيّة الفلسطينيّة سحر خليفة لجنة 'البوكر' في نسختها العاشرة، يضاف اليوم إلى ما حقّقه كتّاب وروائيّون وقاصّون فلسطينيّون من داخل الوطن المحتلّ وفي الشتات، خلال العام الماضي، وهو ما يعزّز حضور الثقافة الوطنيّة الفلسطينيّة التي تنمو وتنضج في جوّ من التحدّي الإيجابيّ.

فالروائيّ الفلسطينيّ المقيم في بريطانيا، ربعي المدهون، فاز بـ 'البوكر' في نسختها التاسعة (2016)، عن روايته 'مصائر: كونشيرتو الهولوكست والنكبة'، ليكون أوّل فلسطينيّ يفوز بها، علمًا أنّه وصل إلى قائمتها القصيرة عام 2010. والمميّز أنّ الرواية ترشّحت للجائزة عن دار نشر فلسطينيّة، 'مكتبة كلّ شيء' في حيفا. وكان يرافق المدهون في القائمة القصيرة للجائزة الروائيّ المقدسيّ محمود شقير، عن روايته 'مديح لنساء العائلة'، وكذلك الروائيّة ليلى الأطرش المقيمة في عمّان، التي وصلت إلى طويلة 'البوكر' عن روايتها 'ترانيم الغواية'.

تيسير خلف

وقد فاز الروائيّان إبراهيم نصر الله ويحيى يخلف بـ 'جائزة كتارا للرواية العربيّة' في نسختها الثانية - فئة 'الرواية المنشورة'، عن روايتهيما 'أرواح كلمينجارو' و'راكب الريح'. في حين فاز القاص الفلسطينيّ الشابّ المقيم في آيسلندا، مازن معروف، بـ 'جائزة الملتقى للقصّة القصيرة' في نسختها الأولى بالكويت، عن مجموعته القصصيّة 'نكات للمسلّحين'، وكان يرافقه في قائمة الجائزة القصيرة القاصّ زياد خدّاش، عن مجموعته 'أسباب رائعة للبكاء'.

كما فازت الكاتبة الفلسطينيّة غدير أبوسنينة، المقيمة في نيكاراغوا، بـ 'جائزة ابن بطّوطة للرحلة العربيّة'، في دورتها الثانية عشرة - فئة 'اليوميّات'، وذلك عن كتابها الموسوم بـ 'إخوتي المزيّنون بالريش'. وحاز الأديب والروائيّ الفلسطينيّ مروان عبد العال، المقيم في لبنان، 'جائزة القدس للثقافة والإبداع' لعام 2016.

كذلك فاز الروائيّ اللبنانيّ، فلسطينيّ الهوى، إلياس خوري، بجائزتي 'محمود درويش للإبداع' لعام 2016، وكذلك بـ 'جائزة كتارا للرواية العربيّة'، عن روايته 'أولاد الغيتو- اسمي آدم'، وهما فوزان لفلسطين وقضيّتها.

الجوائز الأدبيّة؛ ما لها وما عليها

منحت الجوائز الأدبيّة لفنّ الرواية، في السنوات الأخيرة، اهتمامًا محلّيًّا وعربيًّا ودوليًّا، فزاد حجم قرّائها، كما زادت ترجماتها إلى اللغات الأجنبيّة. إنّ ارتفاع قيمة الجوائز المادّيّة، فضلًا عمّا فيها من تكريم للكاتب المكرّس، والتعريف بالكتّاب الناشئين، وسّع دائرة المنافسة.

ليلي الأطرش

لا شكّ في أنّ هذه الجوائز الأدبيّة، وفي طليعتها المتعلّقة بفنون السرد العربيّ (البوكر، وكتارا، والشيخ زايد، ونجيب محفوظ، والشارقة، و'الملتقى' للقصّة القصيرة، وغيرها)، لفتت أنظار الأكاديميّين والنقّـاد والقرّاء إلى السرد الفلسطينيّ ومكانته في المشهد الأدبي العربيّ الراهن؛ إلّا أنّ كثرة تلك الجوائز رافقتها آراء نقّاد وكتّاب محلّيّين وعرب حول أحقّيّة هذه الأعمال بالفوز، وأهمّيّتها من حيث المضمون والأسلوب واللغة الروائيّة، وكذلك 'التجريب' و'التخريب'، ودَوْر أصحاب دور النشر في 'تسليع' الإبداع طلبًا للمال والشهرة، فضلًا عن غياب النقد الأدبيّ الحقيقيّ، والسجالات وحملات التشكيك التي طالت لجان التحكيم ودور الجهات المانحة في توجيه الجوائز.

'مصائر' المدهون وجدل التطبيع

فوز الروائيّ الفلسطينيّ ربعي المدهون بجائزة 'البوكر'، التي تتصدّر، في أيّامنا، مشهد الجوائز الأدبيّة العربيّة، عن روايته 'مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة'، والتي تُعَدّ جزءًا ثانيًا من ثلاثيّة بدأت بـ 'السيّدة من تل أبيب'، أثار الكثير من الجدل في الأوساط الأدبيّة، وقد بلغ الأمر مهاجمة صاحبها ومعه أعضاء لجنة الجائزة، لا بل واتّهامهم بـ 'التطبيع الثقافيّ' مع العدوّ الإسرائيليّ. ففي مقالة بعنوان 'لماذا علينا أن لا نحتفل بجائزة (بوكر) التي حقّقها كاتب فلسطينيّ؟'، يكشف الناقد الفلسطينيّ وليد أبو بكر في رصده لمكامن الضعف في رواية المدهون، عن كيفيّة تحالف التثاقف وادّعاء المعرفة والقصديّة المسبقة، التي ترغم السرد على تشويه الوعي وتزييف التاريخ، وعلى إنتاج سرد ركيك يتّسم بالافتعال، لا يستطيع إقناع القارئ، أو خلق عالم سرديّ قادر على إمتاعه وإثراء معرفته بموضوع النصّ.

ربعي المدهون

في السياق ذاته، ردّ الناقد عادل الأسطة على ما كتبه الناقد فيصل درّاج. يقول درّاج: 'هذه الرواية، على الرغم من أنّها امتداد لأعمال روائيّين فلسطينيّين كبار، أمثال غسّان كنفاني وإميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا، إلّا أنّها أضافت بعدًا لم تعرفه الرواية الفلسطينيّة من قبل؛ فهي تؤسّس لرواية فلسطينيّة مغايرة.' فيردّ الأسطة: 'هناك إشكالات ستُثار على صعيد السرد وأخرى على صعيد اللغة الروائيّة، وثالثة على مستوى جدّة الموضوعات في الرواية، وأعتقد أنّ ما قاله الناقد فيصل درّاج فيه قدر من المجاملة.'

كما رأى نقّاد وكتّاب وقرّاء فلسطينيّون وعرب، أنّ الرواية تُرَوِّجُ لمجموعة من الأفكار الصادمة للقارئ فلسطينيّ، الذي لا يستطيع تقبّل إسقاط حقّ العودة، وإمكانيّة التعايش المشترك بين محتلّ وشعب واقع تحت الاحتلال، واستخدام لغة تبرّئ المحتلّ، وتحسين صورة الإسرائيليّ مقابل الإساءة لصورة الفلسطينيّ، وقبول فكرة يهوديّة دولة الاحتلال، والمساواة بين الضحيّة والجلاد.

شقير والأطرش في قائمتي 'البوكر'

بالانتقال إلى لحديث عن رواية 'مديح لنساء العائلة' للمقدسيّ محمود شقير، التي وصلت قائمة 'البوكر' القصيرة عام 2016، فإنّ ما يستوقفنا النقد الذي حظيت به، والذي أبرز مكانة صاحبها وأهمّيّته في المشروع السرديّ الفلسطينيّ.

يكمل شقير في هذه الرواية ما بدأه في روايته السابقة، 'فرس العائلة'، من سرد لسيرة عشيرة العبد اللّات، إحدى القبائل البدويّة الفلسطينيّة، راصدًا من خلالها التغيّرات التي شهدتها فلسطين في الفترة الممتدّة بين خمسينات وستّينات القرن الماضي.

محمود شقير

وكان صاحب 'خبز الآخرين'، أوّل فلسطينيّ يحظى بجائزة 'محمود درويش للحرّيّة والإبداع' عام 2011، تكريمًا لمسيرته الحافلة بالعطاء الأدبيّ والفكريّ، كما منحته 'لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربيّة'، عام 2015، 'جائزة القدس للثقافة والإبداع'، تقديرًا لجهوده المثابرة في الكتابة من القدس وعن القدس وللقدس.

أمّا رواية 'ترانيم الغواية' للروائيّة ليلى الأطرش، فقد وصلت إلى قائمة 'البوكر' الطويلة لعام 2016، فقد أشاد بها عدد من النقّاد، لما تحمله من قيمة أدبيّة وتاريخيّة.

تكشف الرواية المسكوت عنه في تاريخ القدس، متوغّلة في تفاصيله منذ نهاية القرن التاسع عشر إلى ما بعد النكبة. وتركّز الأطرش فيها على وجه المدينة المسيحيّ، خالطة الواقع بالمتخيّل، ومستندة على ما هو حقيقيّ في بنائها لقصّة المكان والإنسان. وهي تنبّه، من خلال أحداث الرواية، إلى بيع الأراضي والعقارات في القدس الشرقيّة سرًّا، إلى متموّلين يهود خارج فلسطين المحتلّة، على يد الكنيسة الأرثوذوكسيّة اليونانيّة.

'أرواح' نصر الله و'ريح' يخلف

استطاع الشاعر والروائيّ إبراهيم نصر الله، صاحب 'أرواح كليمنجارو'، والروائيّ يحيى يخلف، صاحب 'راكب الريح'، عبر روايتيهما، تثبيت اسم فلسطين في صدارة المشهد الروائيّ العربيّ، وقد فاز كلّ منهما بـ 'جائزة كتارا للرواية العربيّة' لعام 2016، والتي تبلغ قيمتها 60 ألف دولار، بالإضافة إلى ترجمة الروايتين للّغتين الإنكليزيّة والفرنسيّة، وهو ما يتيح لهما مزيدًا من الانتشار بين جمهور قرّاء هاتين اللغتين.

إبراهيم نصر الله

تنتمي 'أرواح كليمنجارو' إلى أدب الطريق أو الرحلة، وهي تمثّل تحدّيًا أدبيًّا، لأنّها الشهادة الوحيدة على مقاومة فلسطينيّة فريدة، أبطالها أطفال فقدوا بعض أطرافهم بنيران الجيش الإسرائيليّ، صعدوا برفقة نصر الله أعلى جبل في أفريقيا.

والرواية، وفق كاتبها، 'عن الأمل والإرادة، وعن الماضي والمستقبل، وعن جرائم صهيونيّة ارتُكبت ولم تزل تُرتكب حتّى هذه اللحظة، عن أبطال رائعين عشت معهم حياة كاملة مكثّفة غنيّة في زمن مكثّف، ولذا أستطيع القول إنّني لم أكتب هذه الرواية وحدي، بل كتبوها جميعًا بقوّة إرادتهم وتحدّيهم لأقسى الظروف، لكي يقولوا للعالم إنّنا هنا، وإنّ كلّ جرائم الفاشيّة الصهيونيّة الجديدة لن تستطيع الوقوف في طريق أرواحنا نحو الحرّيّة'.

أمّا يحيى يخلف، فيعود في روايته، 'راكب الريح'، إلى القرن الثامن عشر، ليحكي عن مدينة يافا في ظلّ الحكم العثمانيّ، مرورًا بغزو نابليون بونابرت لها وتدميرها، ثمّ انهزامه وانسحاب جيوشه منها، وذلك من خلال حكاية شابّ يخرج من أساطير يافا وبحرها وأسوارها. تصوّر الرواية مدينة يافا بدءًا من عام 1795، وتحديدًا في السنوات التي شهدت صراعًا بين ناسها وقوّات 'الجندرمة'، وارتباط ذلك بممارسات القوّات الإنكشاريّة التي تشعل الفتن في أرجاء السلطنة كي تمنع السلطان سليم الثالث من تنفيذ إصلاحاته، لا سيّما ما يتعلّق ببناء جيش قويّ يكون بديلًا للإنكشاريّة. وبموازاة تلك الأحداث التاريخيّة، يشبك الكاتب الكثير من الحكايات والأساطير؛ فنقرأ حكايات عشق ملتهبة، ودسائس القصور والحرملك والجواري، كما نقرأ تفاصيل عن فنّ الرسم والنقش وزخارفه في ذلك العصر.

يحيى يخلف

يقول الناقد الأكاديميّ رياض كامل: 'إنّ هذه الرواية يجب أن يقرأها الغريب قبل القريب، لأنّها تعكس صورة حضاريّة عن فلسطين وتاريخها وإنسانها الغنيّ بالثقافة والحضارة، وتؤكّد على حبّ الإنسان الفلسطينيّ لتراثه وأرضه وتاريخه وبلاده، ولذلك هي رواية متعدّدة الجوانب والرؤى، وليست رواية تقليديّة ولا عاديّة'.

'نكات' معروف... فوز مستحقّ

فوز القاصّ والشاعر الشابّ مازن معروف (مواليد بيروت عام 1978، ويحمل الجنسيّة الآيسلنديّة)، عن مجموعته القصصيّة 'نكات للمسلّحين'، بـ 'جائزة الملتقى للقصّة القصيرة العربيّة' في نسختها الأولى بالكويت، وقيمتها 20 ألف دولار أميركيّ، فضلًا عن درع وترجمة العمل الفائز للغة الإنكليزيّة، لاقى أصداء طيّبة في الأوساط الأدبيّة والثقافيّة في فلسطين والعالم العربيّ.

يضعنا معروف في مجموعته القصصيّة الأولى الصادرة عن 'دار الريّس' - لندن، والتي جاءت بعد ثلاث مجموعات شعريّة، أمام شخوص مأزومة طالعة من ركام حروب بيروت الطويلة، وأماكن عابقة بروائح الدم والجثث والموت؛ بلغة ساخرة، رشيقة، جزلة، مكثّفة، وأسلوب سرديّ غير تقليديّ مراوغ، يمرّر الدعابة في تعبيره عن الفاجعة.

عن هذا الفوز المستحقّ، ورأيه في الجوائز الأدبيّة، قال معروف لفُسْحّة – ثقافيّة فلسطينيّة: 'عندما كتبت ‘نكات للمسلّحين‘، لم تكن هناك أيّ جائزة كبيرة للقصّة القصيرة عربيًّا، أي أنّني لم أتوقّع أن تحظى هذه المجموعة بأيّ جائزة أو تكريم أو التفاتة من أيّ نوع. كلّ ما طمحت إليه بعد نشرها، هو أن تجسّ حساسيّة القارئ، كونها مجموعة خارجة، إلى حدّ ما، على الأنماط السرديّة المألوفة، وغير مصنّفة ضمن الرواية.'

مازن معروف

ويضيف معروف: ثمّ نالت المجموعة جائزة ’الملتقى‘، منافسة أسماء كبيرة في القصّة. أظنّ أنّ لهذه الجائزة دلالتين كبيرتين؛ أوّلًا، إنّها تخرج القصّة القصيرة من مستودع الوثيقة الأدبيّة المهملة، وترفع من الشرط الإبداعيّ والجماليّ أمام كتّابها، كونها جائزة صعبة. ثانيًا، إنّها تضع القصّة القصيرة، بمصداقيّتها، على جداول الناشرين، وتحفرها في الذاكرة المعاصرة لقرّاء من جيل آخر، قرّاء يبدو أسلوب حياتهم أقرب إلى الومضة أو القصّة القصيرة منه إلى الرواية ضخمة الحجم'.

أمّا وصول المجموعة القصصيّة، 'أسباب رائعة للبكاء'، لزياد خدّاش، معلّم الكتابة الإبداعيّة في رام الله، فيمكن أن نعدّه تأكيدًا على المؤكّد، ومفاده أنّنا أمام قاصّ فلسطينيّ من الطراز الرفيع، وأنّ وصول مجموعته إلى القائمة القصيرة لجائزة 'الملتقى' تتويج مستحقّ أيضًا، وهو الذي قال: 'كتبت القصّة حتّى كتبتني على ألواح العمر بجهاته الأربعة'.

يوميّات أبو سنينة وأدب الرحلات

بداية شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016، أعلن 'المركز العربيّ للأدب الجغرافيّ'، الذي أسّسه ويشرف عليه الشاعر الإماراتيّ محمّد السويدي، أسماء الفائزين بـ 'جائزة ابن بطّوطة لأدب الرحلة' لعام 2016، والتي يمنحها كلّ عام في سياق مشروعه 'ارتياد الآفاق'، وهو يُعنى بأدب الرحلة والتدوين الجغرافيّ والأسفار. من الفائزين في نسخة الجائزة الثانية عشرة، في فرع 'اليوميّات'، المترجمة والكاتبة الفلسطينيّة غدير أبو سنينة، المقيمة منذ سنوات في نيكاراغوا، وذلك عن كتابها 'إخوتي المزيّنون بالريش'.

غدير أبو سنينة

تقول أبو سنينة عن ظروف تدوين اليوميّات ومساراتها الحكائيّة، إنّ الفكرة بدأت من الكتابات التي كانت تنشرها في الصحافة عن مواضيع تتعلّق بنيكاراغوا وأميريكا اللاتينيّة بعامّة؛ فالحكايات الواردة في الكتاب مشاهدات شخصيّة وقصص وأقاويل نُقلت إلى الكاتبة من مناطق مختلفة، لتبدأ عمليّة إنتاج النصّ عام 2014، بعد مضيّ 10 أعوام على إقامتها في نيكاراغوا.

أمّا عن العنوان، فتقول أبو سنينة إنّه جاء من علاقتها الغريبة مع أسطورة الإله كيتسالكواتل، فحينما قرّرت دراسة الماجستير في الأدب الإسبانيّ، اختارت العمل على رواية لها علاقة بالغزو الإسبانيّ لتلك البلاد، ما قادها إلى قراءة الكثير عن حياة هذا الإله والنظريّات العديدة التي تدور حوله. كيتسالكواتل هو 'الثعبان المزيّن بالريش'، هذه هي الصورة الرمز لإله كان رجلًا أبيض ملتحيًا، وصل إلى تلك الأرض، تحديدًا المكسيك، ليكتسب الريش، في ما بعد، معاني ورموزًا أخرى في حياة السكّان الأصليّين.

عدتُ طفلًا

ذهبت 'جائزة القدس للثقافة والإبداع' لعام 2016، إلى الأديب والروائيّ الفلسطينيّ مروان عبد العال، والفنّان أحمد قعبور، والشاعرة المقدسيّة أنيسة درويش، وفق إعلان إيهاب بسيسو، وزير الثقافة، ورئيس 'اللجنة الوطنيّة للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربيّة'، وهي الجهة المانحة للجائزة.

يقول عبد العال عن منحه الجائزة: 'لم أكن أتوقّع ذلك يومًا، وشعرت أنّني عدت ذاك الطفل الذي يكتب على الهواء، فاليوم تأكّدت من أنّ الكلمات الشفّافة التي كان يكتبها ولم يرها أحد، صار يقرأها الناس كلّهم. الجائزة يستحقّها الطفل الذي يعشق لعبة ’وقعت الحرب‘، لعبة تدور رحاها في حدود خارطة صغيرة، والتي يصبح بعدها طريد الخرائط الحقيقيّة'.

مروان عبد العال

من جهته، قال الأكاديميّ هاشم الأيّوبي، عميد كلّيّة الفنون وأستاذ الآداب في الجامعة اللبنانيّة، عن صاحب 'إيفان الفلسطينيّ': 'لا أكون مبالغًا إذا قلت إنّني ازددت اطمئنانًا، ليس فقط إلى مصير الرواية الملتزمة عندنا، بل إلى المستوى الفنّيّ والأدبيّ للرواية الفلسطينيّة، التي تقع على كاهلها، كما على كاهل الإنسان الفلسطينيّ والعربيّ، مسؤوليّات جسام، على مختلف الأصعدة والمستويات، كلّ حسب موقعه ومكانه'.

فلسطينيّ الهوى

مُنِحَت 'جائزة محمود درويش للإبداع'، في نسختها السابعة عام 2016، إلى الروائيّ اللبنانيّ، فلسطينيّ الهوى، إلياس خوري، والكاتبة الأمريكيّة أليس والكر، والشاعر الفلسطينيّ غسّان زقطان.

علّق الناقد وليد أبو بكر على منح صاحب 'باب الشمس'، خوري، الجائزة بالقول: 'ما دام إلياس خوري حصل على كلّ جوائز فلسطين، مرّة كفلسطينيّ، ومرّة كعربيّ، وغدًا كأمميّ، بالرغم من تطبيعه الصريح مع الاحتلال، بلقائه مع كتّاب إسرائيليّين وإجرائه مقابلة مع صحيفة إسرائيليّة، بعد ترجمة إحدى رواياته إلى العبريّة، فهل نتوقّع أن تتوجّه جوائز فلسطين إلى أمين معلوف في العام المقبل؟ من يدري، فكلّ خياراتنا تدعو إلى العجب، ما دام المشرفون عليها يجيؤون بفعل أعجب، وما دامت رواية تطبيعيّة سيّئة فنّيًّا تحوّلت إلى نجم الموسم، هي ومؤلّفها التطبيعيّ الصريح [المحرّر: يقصد ربعي المدهون]، في وطننا المحتلّ عسكريًّا، وثقافيًّا أيضًا!'.

إلياس خوري

هجوم أبو بكر هذا مرّ بدون ردّ من خوري ومن يعرفون تاريخه الوطنيّ وصلته العميقة بالقضيّة الفلسطينيّة وشعبها، والتي لا يمكن التشكيك بها على هذا النحو. يقول خوري في حوار معه: 'أنا لا أحبّ فلسطين، أنا أحبّ الفلسطينيّين'، وهي مقولة تواجه الأنظمة صاحبة الصوت الأعلى في الحديث عن القضيّة، والتي تمارس، في الوقت نفسه، 'كرهًا' تجاه الفلسطينيّين.

فوز آخر يناله إلياس خوري عام 2016، 'جائزة كتارا للرواية العربيّة' - فئة 'الرواية المنشورة'، عن روايته 'أولاد الغيتو - اسمي آدم'، التي ينسف فيها الرواية الإسرائيليّة لنكبة مدينة اللدّ، حين يوضح أنّ ما جرى مذبحة كبرى.

أخيرًا، ليس لنا إلّا أن ننهي مقالتنا هذه بما يراه الروائيّ يحيى يخلف من أنّ 'الرواية الفلسطينيّة بخير بعد غسّان كنفاني وجبرا إبراهيم جبرا وإميل حبيبي، وقد أكملنا نحن الكتّاب والروائيّين الفلسطينييّن المسيرة. الرواية الفلسطينيّة تتصدّر اليوم المشهد الثقافيّ العربيّ من خلال توفّر عناصر فنّيّة عالية، أهلّتها كي تحظى بالاهتمام والحصول على الجوائز الأدبيّة المهمّة، كـ ’البوكر‘ و’كتارا‘، وغيرها من الجوائز'.

زياد خدّاش

 

أوس يعقوب

 

صحافيّ وباحث فلسطينيّ من مواليد دمشق، يتخصّص في الشؤون الفلسطينيّة والصهيونيّة. درس الصحافة وعلوم الأخبار في جامعة تونس، ويعمل مراسلًا صحافيًّا ومحرّرًا في عدد من المنابر العربيّة منذ عام 1993. له عدّة إصدارات، من ضمنها دراسات منشورة في 'أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين' الصادرة عن المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو). عضو الاتّحاد العامّ للكتّاب والصحافيّين الفلسطينيّين.