عبّاد يحيى: الكتاب رابح دومًا في معركته ضدّ القمع

عبّاد يحيى

 

'الأدب أقوى'، بهذه العبارة اختتم الروائيّ والصحافيّ، عبّاد يحيى، ردّه على قرار النيابة العامّة الفلسطينيّة مصادرة روايته، 'جريمة في رام الله' (2016)، واستدعاء كلّ من مؤلّف الرواية وناشرها وموزّعها للتحقيق، وذلك بادّعاء أنّها 'مخلّة بالحياء والأخلاق والآداب العامّة'.

تلقّى المشهد الثقافيّ والإبداعيّ الفلسطينيّ نبأ مصادرة الرواية باستياء واستنكار شديدين، عبّرت عنهما كتابات إعلاميّين وكتّاب وفنّانين كثر، بالإضافة إلى قرّاء ونشطاء؛ الذين رأوا أنّ القرار خطير جدًّا، ويمسّ، على نحو غير مسبوق، حرّيّات التعبير والإبداع والتفكير، وأنّه يُخضع الفنّ والأدب لمقصّ الرقيب، في جوّ من التخويف والتسلّط الذي يتمثّل بالمصادرة والتحقيق والاعتقال، إذ اعتقلت المباحث العامّة الفلسطينيّة موزّع الرواية، فؤاد العكليك، من مكتبة 'دار الرعاة' في رام الله، بعد مصادرة نسخها، كما كتب عبّاد يحيى في حسابه الخاصّ على فيسبوك.

'مخالفة النظام العامّ والآداب العامّة'

وكان النائب العامّ الفلسطينيّ، أحمد برّاك، قد أصدر قرارًا، اليوم، بمصادرة نسخ رواية 'جريمة في رام الله' كافّة، المعروضة للبيع في المكتبات والمحلّات ونقاط بيع الكتب والروايات في مختلف محافظات الضفّة الغربيّة، وذلك بادّعاء أنّ فيها 'نصوصًا ومصطلحات مخلّة بالحياء والأخلاق والآداب العامّة، والتي من شأنها المساس بالمواطن'، كما جاء في بيان صادر عن النيابة العامّة.

ورأت النيابة أنّ تلك النصوص والمصطلحات تمسّ القصّر والأطفال، وأنّ قرارها جاء 'حماية لهم ووقاية من الانحراف'، وفق بيانها، الذي أكّد، أيضًا، على أنّ ما تتضمّنه الرواية 'يتنافى مع الاتفاقيّات الدوليّة ومنظومة القوانين الفلسطينيّة ذات العلاقة، سيّما قانون المطبوعات والنشر، وقانون العقوبات، وقانون حماية الأحداث، وقانون الطفل الذي حظر نشر أو عرض أو تداول أيّ مصنّفات مطبوعة أو مرئيّة أو مسموعة، تخاطب غرائز الطفل وتزيّن له السلوكيّات المخالفة للنظام العامّ والآداب العامّة'.

وادّعت النيابة أنّ هذا القرار 'لا يتنافى مع حرّيّة الرأي والتعبير المكفولة بموجب القانون، والتي توجب الالتزام بالمبادئ والقيم الأخلاقيّة في إطار ممارسة حرّيّة الرأي والتعبير'. كما جاء في البيان أنّ النيابة أصدرت مذكّرات إحضار لكلّ من المؤلّف والناشر والموزّع للتحقيق معهم.

وأكّد عبّاد يحيى في توضيح له حول قرار النيابة العامّة، أنّ الشرطة بدأت بمصادرة الرواية، فعلًا، من المكتبات، وأنّه تلقّى اتّصالًا من 'نيابة الجرائم الاقتصاديّة' يستدعيه إلى التحقيق في مسألة حصول الرواية على التراخيص والأذونات اللازمة، وأنّ وكيل وزارة الإعلام استدعى موزّع الرواية في فلسطين، صاحب 'الدار الرقميّة'، وبلّغه أنّ المستشار القانونيّ يتابع التحرّك إزاء الرواية.

آلاء قرمان

جدل في نابلس

وجاء قرار النيابة العامّة إثر جدل كبير أثارته الرواية في وسائل التواصل الاجتماعيّ، لا سيّما في نابلس، إذ كان من المقرّر مناقشة الرواية في مكتبة بلديّة نابلس، بتنظيم من مبادرة 'أسفار' الثقافيّة، وبحضور مؤلّفها، عبّاد يحيى، يوم 18 شباط (فبراير). إلّا أنّ الحدث أُلغي بقرار من رئيس البلديّة، سميح طبيلة، كما علمت فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة.

وقال مسؤول المكتبة، ضرار طوقان، لفُسْحَة، عشيّة الإعلان عن قرار النيابة، إنّ إلغاء الحدث جاء تجنّبًا للاشتباك الكلاميّ في نابلس. مؤكّدًا أنّه قرأ الرواية وأُعجب بها كثيرًا، لكن لا يمكن غضّ الطرف عن المطالبين بإلغاء المناقشة، كما قال.

أمّا عضو مبادرة 'أسفار'، آلاء قرمان، فقالت لفُسْحَة: 'كنّا قد خطّطنا لاستضافة عبّاد يحيى ومناقشة روايته الأخيرة، ’جريمة في رام الله‘، فواجهنا هجومًا من بعض الناس، يقوم على الاجتزاء والجهالة. تعرّضنا لهجوم لأنّنا نؤمن بحرّيّة الأدب والتفكير والرأي، ونتمسّك بحقّنا فيها'.

وأضافت: 'ما يخافه البعض، أكثر من أيّ شيء آخر، أن يأتي من يمتلك من الشجاعة ما يكفي ليضع عينه في عيونهم ويخبرهم عن العوار والعفن اللذين ينخرانها، وهذا هو ما حصل في نابلس'.

عبّاد يحيى

الحرّيّة سؤالنا اليوميّ

تحّدثت فُسْحَة إلى مؤلّف الرواية، عبّاد يحيى، وسألته عن معنى منع كتاب في زمن المعلومة الإلكترونيّة والـ PDF، فأجاب بأنّه 'لا معنى له أبدًا. سيصل الناس للرواية ولأيّ كتاب ممنوع. الكتاب رابح دومًا في معركة القمع، لكنّنا نخسر حرّيّتنا ويمارس علينا ضغط كبير'. وأضاف: 'هذا المنع يستهدف الكاتب والمؤلّف تحديدًا، وقد تُوجّه إليّ تهمة وفق ما فهمت من المحامي الذي يتابع هذه القضيّة. أظنّ أنّ الإجراء القانونيّ يجب أن يكون بحقّ من شهّروا وهدّدوا وتهجّموا، لا أن يُحقّق معي أنا والناشر'.

وحول إذا كانت الجهة المانعة للرواية قد قرأتها أم تناولت نصوصًا منتزعة من سياقها الروائيّ، الفنّيّ والجماليّ، قال يحيى: 'بدا واضحًا لي من خلال الذي كُتِبَ ضدّ الرواية على فيسبوك وغيره، أنّ النصوص مجتزأة بتقصّد، ما يدلّ على أنّ العمل لم يُقرأ. وعند النظر في قرار النيابة العامّة، أشكّ، فعلًا، في أن ثمّة من قرأ الرواية كاملة، ثمّ كونه قرأها كنصّ أدبيّ، له شرطه الخاصّ ولغته ومقولته. إن كنت أشكّ في القراءة، فإنّني متأكّد من أنّ قراءتها كنصّ أدبيّ روائيّ لم تكن أبدًا'.

وسألنا يحيى عن التحدّيات المستقبليّة التي يفرضها قرار المنع على المجتمع الفلسطينيّ، وتحديدًا الثقافيّ، وإذا كان فاتحة لملاحقة وحظر الإبداعات من قبل الجهات الرسميّة؛ فأكّد على أنّ 'الحرّيّة سؤالنا اليوميّ في فلسطين، الحرّيّة التي لا تتجزّأ، لا أدري أيّ نوعيّة روائيّين أو روايات يمكن أن تنشأ في بيئة بلا حرّيّة، تُلاحق فيها الكتب ويُستدعى المؤلّفون إلى التحقيق، ثمّ يُقال إنّ مصادرة رواياتهم والتحقيق معهم لا يتعارض مع حرّيّة التعبير؟!'

خالد الناصري

وأضاف: 'إنّها سابقة فعلًا، ومرورها يعني أن تتكرّر. لدينا منجز طويل، مثقّفين فلسطينيّين، لنخاف عليه. نحن نفاخر بأنّنا لا نعيش المنع والحظر وأذونات الفسح في فلسطين، ونعدّ هذا منجزًا نضاليًّا أمام الدول القمعيّة والبوليسيّة، وسكوتنا عن حظر أيّ رواية أو كتاب يعني الارتداد لعقود إلى الخلف وتدمير كلّ هذا المنجز الذي ساهم به مثقّفون وفنّانون وشعراء وروائيّون، لو قرأ من أصدر القرار منجزهم الأدبيّ، لربّما استدعاهم إلى التحقيق!'.

لنمنع امرؤ القيس!

أمّا الشاعر والسينمائيّ خالد الناصري، مدير 'منشورات المتوسّط' (إيطاليا)، الدار التي أصدرت رواية 'جريمة في رام الله'، فقد قال لفُسْحَة إنّ 'منع الرواية ومصادرتها واعتقال موزّعها معيب جدًّا، بالنسبة لدولة تخوض حروبًا لإقناع العالم بمدنيّتها، لا سيّما بعد إنجاز الأدب الفلسطينيّ، والرواية تحديدًا، ما أنجزته من جوائز مرموقة في العالم العربيّ خلال العام الماضي، من ’البوكر‘ إلى ’كتارا‘ و’الملتقى‘'.

وأضاف: 'لقد عُدّ العام الماضي ’عام السرد الفلسطينيّ‘ بامتياز، وفجأة، وفي سابقة خطيرة، تُمنع رواية فلسطينيّة بحجّة ’الألفاظ البذيئة الخادشة للحياء العامّ‘! هيّا إذًا؛ إن كان هذا هو المنطق، فلنمنع امرؤ القيس وأبو نوّاس وهنري ميلر وألدوس هكسلي وغيرهم. إنّ فكرة منع أيّ كتاب مرفوضة تمامًا، سواء قرأناه أو لم نفعل، وأنا كناشر للرواية أؤكّد على مسؤوليّتنا في نشرها'.

د. إيهاب بسيسو

انتصارًا لحرّيّة الرأي

وكتب وزير الثقافة الفلسطينيّ، الدكتور إيهاب بسيسو، معلّقًا حول القضيّة في حسابه الخاصّ على فيسبوك: 'إنّ منع رواية لا يصنع فكرًا، وعلى الرغم من هذا، أقبل من يعارض جوانب معيّنة في أيّ عمل إبداعيّ، لكن دون محاكمة نصّيّة للإبداع، بل مع محاكمة إبداعيّة للنصّ، عبر النقد. المثقّفون كنقّاد وقرّاء أذكياء بما يكفي لقبول عمل أو رفضه، عبر القراءة والنقد والمتابعة، فالجدوى من الإبداع خلق الأسئلة وفتح المجال للتأويل والنقد، وليس عكس ذلك، وإلّا ستنحصر مفاهيم الإبداع ونحاصر أنفسنا في حصارنا'.

وأضاف: ' فلنقرأ الرواية أوّلًا، ونناقش المسألة ثقافيًّا. وفي الجانب القانونيّ، ستتابع وزارة الثقافة المسألة دون تردّد مع جميع ذوي الاختصاص، انتصارًا لمبدأ حرّيّة الرأي والتعبير.'

*****

حول الرواية ومؤلّفها

أصدرت 'منشورات المتوسّط' رواية 'جريمة في رام الله' في طبعتين؛ فلسطينيّة وعربيّة. أمّا الطبعة الفلسطينيّة فتأتي في إطار مشروع لتطوير إنتاج 'المتوسّط' وتسهيل وصوله إلى القارئ الفلسطينيّ، وتأكيدًا منها على شعارها؛ 'معًا لنحارب طواحين الهواء'، كما يقول القائمون عليها.

يعطي المشروع فرصة لكتب 'المتوسّط' أن تكون جزءًا من العمل المقاوم لسلطات الاحتلال، وذلك من خلال كسر التضييق الذي يُفرض على القارئ الفلسطينيّ، وعلى الكتب الراغبة بالوجود في الأراضي الفلسطينيّة، إذ ستصدر طبعة فلسطينيّة لعدد من الكتب، بالتزامن مع صدور طبعتها في العالم العربيّ. وقد اتّخذت 'المتوسّط' لهذا المشروع شعار 'الأدب أقوى'.

جاء في موقع 'منشورات المتوسّط' حول الرواية: 'لا يمكن الإجابة بسهولة على سؤال كيف ومتى بدأت أحداث هذه الرواية. ولكن جريمة قتل شابّة حدثت نهايات عام 2012 في مدينة رام الله، غدت بؤرة كلّ شيء. على وقع الجريمة أدرك كلّ من رؤوف، ونور، ووسام، أنّها ستكون أهمّ حدث في حياتهم، وستدمغ ما قبلها وما بعدها. لم تكن مجرّد حدث مركزيّ في مسار حياتهم، بل لحظة حرّضت رؤوف على العودة للنظر إلى الخلف، إلى ما مضى ليعيد تفسيره مرّة أخرى وبطريقة مختلفة. أمّا بالنسبة لنور، فأصبحت الحدث الخاطف الذي يدفع بكلّ شيء إلى مواجهة مفتوحة. أمّا وسام، فكانت الجريمة سؤالًا مفتوحًا في رأسه لم يحتمله. ثلاث شخصيّات شابّة من جيل ما بعد الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية، يعيشون مختارين في حيوات متوازية مع كلّ ما حولهم من مجتمع وسياسية وقضايا كبرى، وحين يحدث التقاطع الوحيد إثر جريمة القتل، تبدأ نسخة أخرى مختلفة من حياتهم، تتتبّعها الرواية بين ماضٍ وحاضر ومستقبل تذوب الحدود بينها'.

أمّا مؤلّف الرواية، عبّاد يحيى، فهو كاتب وباحث من فلسطين، ورئيس تحرير موقع 'ألترا صوت'. حاصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة بير زيت الفلسطينيّة. عمل باحثًا في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات، كما عمل، ولا يزال، في عدد من المؤسّسات الصحافيّة الفلسطينيّة والعربيّة. صدرت له رواية 'رام الله الشقراء' (دار الفيل، 2013)، و'القسم 14' (المركز الثقافيّ العربيّ، 2014)، و'هاتف عموميّ' (الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، 2015)، و'جريمة في رام الله' (منشورات المتوسّط، 2016)؛ وله دراسات منشورة مجلّات علميّة محكّمة.