ما ضرّك

ألكسيس كاندرا

 

وما ضرّكَ أنّكَ

فقدتَ قدرة أن تقول أو تفعل ما تشاءْ

أنّك حوصِرتَ بالأسوار والأقفاصِ

ففولذتكْ

 

وما ضرّكَ أنكَ

اختلطت مفاهيم الزمان والمكان عليكَ

فابتدعتَ

زمانًا/ مكانًا

لكْ

 

وما ضرّكَ أنّكَ

انقطعتَ عمّن تريدُ

حُرِمْتَ من الحبِّ

فأزهرت قصائد من نواوير لوزٍ

بعد أوّل مطرٍ

داخلكْ

 

وما ضرّكَ أنّكَ

تجرّعتَ الفقدَ

دون أن تلقي نظرة وداعٍ أخيرة

 

وما ضرّكَ أنّكَ

رأيتَ كيف تُسحق النفوسُ

تُكبَت المشاعرُ

تُصنع حياةٌ ليست كالحياةِ

كي يُستطاع أن تُعاش

 

آلاف السنين تُزهقُ هنا

في السجونْ

وأنت مع أصحابها تعيشْ

تقاسمهم اللقمةَ

هواء الغرف المغلقة

ترى من تحت الركام كيف تنتصب القاماتُ

تندفع الصدورْ

تلمع العيون من جديدْ

تنتشي النفوسُ

وتصفى الوجوه بالابتسامات الحالماتِ

كلّما لاح في الأفقِ

احتمالْ

 

وما ضرّكَ أنّكَ

حُرمت اللعب مع الأطفالِ

رؤيتهم في الزياراتِ

أو

حتّى في شريط فيديو ممنوعٌ دخولُه،

سيكبر هؤلاء سنتين

سينضجونْ

ستتغيّر قسماتُهم

نبرات أصواتهم

لكنّكَ

ستجدهم لا زالوا أطفالًا،

ستلعبونْ

وتفرحونْ

وتغمرهم سعادة الطفل الّذي ما زالَ

فيكْ

 

وما ضرّكَ أنّكَ هنا

في أرذل العمرِ

وقد اقتربتَ من روحكَ

تنقّيها من كلّ الشوائبِ

تتصالح معها

تحبّها... تحبّكَ

يفيض الحبّ عليكَ

يداوي جراحَ الغدرْ

 

فؤادكَ ليس في غشاءٍ من نبالٍ تتكسّر عليه النصالْ

إنّما يمتلئ عفوًا

وعطفًا

يزهو مثل شقائق النعمان في تلال الجليل وسهول المرجْ

أبيضُ مثل لوز حديقتكَ

مثل زبد البحر المتكسّر على السورْ

لا يضيق بالضيقِ

إنّما يطفح بالنسيمِ

الّذي مع كلّ نبضةٍ

يَهُبّ

 

وما ضرّكَ أنّكَ

ذقتَ في حبسكَ القصير ما يمكن أن يكون في طويلِ الآخرين

وأنّك ستخرج مكتنزًا بتجربة القدامى

 

ما ضرّكَ أنّكَ في الأسرِ كنتَ

والآنَ حرّ

 

 

باسل غطّاس

 

قائد سياسيّ وبرلمانيّ فلسطينيّ سابق من أراضي 48. قضى حكمًا بالسجن مدّة عامين في المعتقلات الإسرائيليّة بتهمة معاونة أسرى سياسيّين فلسطينيّين. حاصل على الدكتوراه في الهندسة البيئيّة من معهد 'التخنيون'، وله مؤلّف بعنوان 'بلا هوادة'، صادر عن مكتبة كلّ شيء عام 2017.