أوريليا لاساك... أنتَ تعرف كيف يصرخ الثلج

أوريليا لاساك

 

أوريليا لاساك Aurélia Lassaque شاعرة وروائيّة فرنسيّة، وُلِدَت في عام 1983، تكتب باللغتين الفرنسيّة والأوكسيتانيّة، وهي لغة لاتينيّة محلّيّة يتحدّث بها عدد قليل من السكّان جنوب فرنسا، وتمتدّ إلى مناطق في إيطاليا وإسبانيا.

شاركت أوريليا لاساك في مهرجانات شعريّة داخل أوروبّا وخارجها، شملت الصين وأمريكا الشماليّة والجنوبيّة والدول الإسكندنافيّة وإندونيسيا والهند؛ لتقديم قراءات وعروض تجمع بين الشعر والموسيقى والغناء والفيديو والرقص. أصدرت لاساك العديد من الأعمال المشتركة مع فنّانين تشكيليّين ورسّامين. تُرْجِمَت قصائد لها إلى العديد من اللغات، منها الإنجليزيّة والإيطاليّة والألمانيّة والبولونيّة والليتوانيّة والعبريّة.

لاساك كاتبة سيناريو أيضًا، وقد عُرِض الفيلم الشعريّ القصير «الترحال - Transhumance» الّذي شاركت في كتابة السيناريو فيه، ومثّلت فيه أيضًا، في «مهرجان البندقيّة السينمائيّ» السادس والسبعين في عام 2019. وشاركت في كتابة سيناريوهات أفلام عديدة عُرِضَت في مهرجانات سينمائيّة أوروبّيّة مختلفة. أوريليا لاساك واحدة من الفائزين بـ «جائزة الإبداع الأدبيّ الأوكستانيّة للكتاب والقراءة» لعام 2019.

القصائد المترجَمة هنا معظمها قصائد كتبتها حديثًا، ولم تُنْشَر من قبل، ما عدا القصيدة الأولى «أوليس»، الّتي صدرت في مجموعتها الشعريّة «في البحث عن وجه»، الصادرة عن دار النشر الفرنسيّة «برونو دو سيه».

 

أوليس

Ulysse

أريد أن أجدكِ طفلةً

أعيد اكتشاف تلك الأيّام العاصفة

الّتي نحتتْ خصلة شَعْرِكِ

بالرمل والملح.

 

كنتِ تنضمّين إلى حِجْري

بخطًى بطيئةٍ

وأنا أتمعّن تصفيفة شَعْرِكِ

وهيئتكِ الغريبة

 

لم تعودي تتكلّمين

كنتِ تقومين بإيماءاتٍ كبيرة

والشمس خلف ظهركِ

فتحرّكين الظلال

 

وأنا دعوتكِ بالملكة

 

أريد أن أدسّ يدي الطفوليّة

خلف رقبتكِ

أحمل وجهكِ كالكأس

وأن أرقص  مغمض العينين

 

أريد أن أمسح قدمكِ

من الغبار البارد

وضحكتكِ تلتهمني

أريد أن أنام عندما تكوني مستيقظةً

والماعز يندفع إلى أسفل التلّ

لإعلان المساء

 

أريد أن أراكِ تغادرين وأبقى وحيدًا

لألملم

على صوت أجراس الحيوانات

لآلئَ الرمل والملح

الّتي سقطتْ من شَعْرِكِ.

 

سأصير نبعًا

Je me ferai source

على تخوم كلماتكَ

ينبثق نبعٌ

 

هل تتذكّر كيف يرتجف

عندما يندفع بين شفتيكَ؟

 

هيّا، تعال

سأكون النبع بدوري

 

قِفْ في وجهي

بمعطفٍ واحدٍ فقط

بشرتكَ

المدبوغة من شمس الطفولة

 

تعال

اذهبْ من خلالي

حتّى نهاياتكَ

 

سأرحّب بكَ في غرفتي المظلمة

 

أنت مَنْ رأى قمم الجبال

 

أنتَ تعرف كيف يصرخ الثلج

 

عُدْ إلى زمن

ولادة نبعي

ضع شفتيكَ على الشقّ

 

إنّني أشربكَ

مِنَ السراب.

 

*

 

تعيش وحيدةً بين أشجار البلّوط والكستناء

تقطف زهور النسرين والسرخس

حالمةً بالثدييّات العملاقة

 

بين الأشجار على ما أخمّن

منزلٌ حجريٌّ وكلبٌ أسودُ كبير

لا تعبري الطريق، قالت لي

الكلب ليس لديه سلسلة

المنزل ليس له سور

 

أتساءل ماذا سيحدث إذا أخفى الطريقَ

كثيرٌ مِنَ العشب البرّيّ المجنون

في يومٍ من الأيّام

 

أخبرتْني أنّها تنحدر من مريم المجدليّة

ثمّ تعطس

لأنّ روحًا تعبرها

 

أُخبرها عن خطأ ارتكبتُه

في الليل

مع شعلةٍ

وكلبٍ آخرَ ليحرسني

 

أُخبرها عمّا رأيتُه في العتمة

وعن سحابةٍ من المريميّة لا تتبدّد

عن المحظور الّذي اقترفته

عن الوجه الّذي اختفى

في اللون الأحمر الأسود

 

ارتجفتْ جفونها

أخبرتْني أنّها تفهم

نزلة البرد في صدري

العشبَ الّذي لم يَعُدْ ينمو تحت قدميّ

 

تتفهّم ذلك

وتسامحني

كما سامح يسوع مريم المجدليّة.

 

*

 

كان من الممكن أن أكون ممثّلةً سينمائيّةً صامتة

بعينيّ الواسعتين

لإلهام الشعراء بالحبّ الأبديّ و...

كنتُ سأتظاهر بأنّني أطير مثل الطيور

بينما تشتعل النيران في خيمة

كنتُ سأفقد الحذاء اللامع الجميل

الّذي طالما حلمتُ به، والّذي لم تمنحني إيّاه أمّي قَطّ

كان قد سقط في فم الأسد

وكنتُ سأذهب عند شروق الشمس

بالأبيض والأسود

تحت لحنٍ أرمنيّ

كنتُ سأصبح نقطةً سوداء في الأفق الأبيض

برفقة كلبٍ سيانوتي[1] في متناول اليد

سأتحدّث إليه كما لو كان حيًّا

ثمّ نسدل ستار النهاية على المسرح

لكنّني سأكون بعيدًا جدًّا لسماع ذلك

ثمّ سأواصل المشي دون النظر إلى الوراء

حتّى لا يفسد الفيلم

وسوف أتجوّل حول الأرض مع صورة كلبي الأزرق

دون أن أجرؤ على الالتفاف حتّى لو وجدتُ الوقت طويلًا

سأبدأ بالتحدّث معه

أودّ أن أضعه على غصن شجرةٍ في ارتفاع وجهي

وسأريه بعض خطوات الرقص

دون إحداث ضجّةٍ ليظلّ الفيلم صامتًا.

 


 

[1]  النمط الأزرق عمليّة تصوير فوتوغرافيّ قديمة لـ ’نيغاتيف‘ أحاديّ اللون، يكون من خلالها الحصول على طباعة فوتوغرافيّة باللونين الأزرق البروسيّ والأزرق السماويّ، طُوِّرَت هذه التقنيّة في القرن التاسع عشر.

 


 

أنس العيلة

 

 

شاعر وكاتب فلسطينيّ مقيم في باريس، أصدر عدّة مجموعات شعريّة تُرجمت إلى الفرنسيّة، آخرها "عناقات متأخّرة". ينشر مقالاته في مجلّات ثقافيّة وأكاديميّة.