مع كلّ صاروخ أصعد، وتُرجعني النجمة

قصف إسرائيليّ على قطاع غزّة، 10/10/2023 | أحمد زقّوت، Getty.

 

أيّها الموت، انتظر قليلًا

 

هذه الطائرة غبيّةٌ جدًّا، وهذا الموت عجول، يخطف الطفل من حضن أمّه، الحبيبة من حضن حبيبها، الأمّ من أولادها، الحقيقة من السراب، يخطف الشجرة من جذرها.

هذا الموت عبثيّ، يضرب كلّ شيء، لا يميّز الأحلام، لا أولويّة لها لديه.

أريد أن يسألني كيف سأختاره؟

وحيدةً، ممتلئةً، سعيدةً

أريد أن يخبرني لأرتّب خصال شعري جيّدًا ولأعدّ النجوم لآخر مرّة

أريد منه أن ينتظر قليلًا هناك، تحت الرمال،

رأسٌ لي، و في السماء يدي

أريد أن أموت بيدين كاملتين ورأسٍ واحدٍ وأحلامٍ كثيرة

هذا الموت جائعٌ، يحمل عائلةً بأكملها، ويترك الهشّ منها ليأكل حسرتهم طوال الحياة،

حتّى يراهم في أعمدة البيت المهدّم وعلى الورد في النوافذ.

هذا الموت لونه أحمر، سماؤه سوداء، متجذّرٌ في الأرض

يختبئ جيّدًا في دمي، يتربّص بي، يأكل خوفي وينتظر إصبعي.

لا أريد لإصبعي أن تطير وتتركني، لا أريد أن أكون أشلاءً، لن أملأ الكون بعبثيّة الأصابع.

هل تعلم أيّها الموت أنّني أمتلك إحدى عشرة إصبعًا بلا عقلة؟

حين تريد إصابتي أستبدلها سريعًا.
 

أيّها الموت أنا لا أريدك

لماذا أخذت ألوان صديقي؟

ولماذا تركت الأمّ تبكي؟

ولماذا تركت الحبّ وحيدًا؟

هل تنتظرني لأجلب معي لصديقي الألوان، ولصديقتي الأحلام، وللرضيع أمّه؟

هل تنتظرني لأجلب الحياة معي؟

 

انتظرني قليلًا

لألملم حزن مدينتي وصراخ الأطفال من تحت الركام،

لأجدّل شعرهم في استقبال موتهم

لأحمل ذكرياتي من بيتي المهدّم

 

أيّها الموت،

أعلم جوعك للحياة،

الّذي يجعلك تفترس أحلامنا،

لن أسمح لك بالاختباء في جلودنا، لن أسمح لك أن تتلوّن لنا،

إن لم نمت من قصفٍ، لن أسمح لك التشكّل في الخوف،

تحت ركام منزلي، وبين أمراض الأطفال في الخيام.

أيّها الموت انتظر قليلًا

 

منزل عائلة مريم الخطيب بعد تعرّضه لقصف إسرائيليّ

 

هناك، في السماء

 

(1)
عوّدني الحزن أن أرمي وجهي للسماء

أنثر ذاتي فيها مساءً

نراقب بعضنا

حين أبكي، تمطر

حين أفرح، ترمي ميس الورد داخلها

حين أموت، تنتفض

(9/10/2023).
 

(2)

أعدّ السماء نجمةً نجمةً

هكذا علّمتني أمّي النوم، أعدّ للنوم النجوم

كنت أرسم وجوه أصدقائي، وفي مرّةٍ أخرى أحسب عمري بعددها، أربط حظّي بها

وإن ركلتني الحياة، أقول

لأنّني نسيت نجمة

(11/10/2023).

 

(3)

أفرّ من أصوات الموت حولي

نجمةٌ واحدةٌ بلا غيمة

أرفع وجهي إليها عاليًا

أصرخ فيبتلعني صوتها

أرفع صراخًا آخر، تبتلعني أكثر

كيف أصبح لها صوتٌ دون صوتي؟

أريد أن أصرخ في وجهها

في وجه

السماء

(13/10/2023).


(4)

النجم يكبر

يصبح لونه أحمر

يتحرّك ويتناثر منّي

لا أستطيع عدّه

واحد، اثنان، ثلاثة

ومن ثَمّ ضوءٌ مِنْ دمٍ

واحد، اثنان، ثلاثة

جسمٌ يرقص

واحد، اثنان، ثلاثة

ومن ثَمّ طائرةٌ بحجم السماء وصاروخٌ شلّال

وعلى نجمةٍ أخرى صور أصدقائي المعلّقة

وعلى نجمةٍ غيرها أرواحٌ تتزاحم في الرحيل

أحاول الصعود وترميني أرضًا



أريد أن أكون نجمةً

مع كلّ صاروخٍ أصعد، و هي تُرْجِعُني مرّةً أخرى

في كلّ مرّةٍ أترك جزءًا منّي

صديقي، قلبي، لساني، يدي، مدينتي

واحد، اثنان، ثلاثة

 

لا نجوم في السماء

أرى الملائكة

أصدقائي ينظرون إليّ مِنْ أعلى

أحاول مدّ يدي

ترميني نجمةٌ أخرى في حضن الأرض

 

حينما أموت

سأكون نجمةً

و من ثمّ يا صديقتي عدّي السماء جيّدًا

واحد، اثنان، ثلاثة

ومريم

(21/10/2023).

 


 

مريم الخطيب

 

 

 

طبيبة وكاتبة من قطاع غزّة.