مجلّة 28: هل يواصل الحلم طريقه؟!

غلاف العدد 1

شهدت مدينة غزّة عام 2013، انطلاق مجلّة 28 الثّقافيّة، حاملة رسالة مفادها أنّ المدينة المحاصرة والمعزولة راغبة بالاستمرار في الإنتاج الإبداعيّ الفاعل والمتشابك مع باقي الأوساط الثّقافيّة الفلسطينيّة، والّذي يجعلها جزءًا لا يتجزّأ منها، وهو شكل من أشكال مقاومتها.

أراد القائمون على المجلّة أن تكون دوريّة شهريّة، إلّا أنّها لم تتمكّن من الصّدور سوى في ستّة أعداد منذ انطلاقتها. رغم ذلك، أدّت المجلّة دورًا مهمًّا خلال مدّة صدورها، إذ حظيت بانفرادها في تقديم المادّة الثّقافيّة والأدبيّة المعاصرة والمستقلّة، واختارت في عرضها للموادّ أسلوبًا ممتعًا، مع سيطرة للألوان الزّيتيّة والتّصاميم الإبداعيّة وفنون الصّورة واللّوحة، وهذا جعلها ذات شكل حيويّ ومتنوّع يلبّي احتياجات القارئ المعاصر. كما تمتّعت المجلّة بطاقم عمل يقول القائمون عليها إنّه شمل الجغرافيا الفلسطينيّة كلّها، وقد اهتمّ بالنّشر فيها كتّاب يقيمون في فلسطين وخارجها.

شقّ الطّريق

محمود الشّاعر

يقول المدير التّنفيذيّ لمجلّة 28، محمود الشّاعر، إنّهم مرّوا بظروف صعبة، ورغم كلّ العثرات الّتي تعرّضوا لها، إلّا أنّهم استطاعوا أن يشقّوا الطّريق. 'في بادئ الأمر انتظرنا أربعة شهور للحصول على التّراخيص اللّازمة من السّلطات المحلّيّة، وذلك كان بداية غير موفّقة خنقت حماسة القائمين وأحالتهم إلى الانتظار، وقد أدّى ذلك أيضًا إلى الإخلال بالالتزامات المادّيّة، إذ حصلنا وقتها على مجموعة كبيرة من الإعلانات، لكنّنا خسرناها نتيجة الانتظار، ثمّ حصلنا على التّراخيص اللّازمة فباشرنا العمل على العدد صفر، والّذي لاقى إقبالًا ملحوظًا، إلى جانب قوّة الموادّ الأدبيّة والفنّيّة المطروحة، وتصميم المجلّة اللّافت، ما ساعدنا على استعادة جزء من الحماسة الّتي فقدها فريق العمل.'

يضيف الشّاعر: 'تلقّينا لاحقًا تمويلًا، من خلال مبادرة تقدّمنا بها إلى جمعيّة تنظيم وحماية الأسرة لطباعة العدد الأوّل بعد العدد صفر، ونجحنا في ذلك، ثمّ طبعنا العدد الثّاني بالتّعاون مع مؤسّسة بال ثينك، ثمّ انطلقنا لطباعة العدد الثّالث بدعم من مؤسّسة تامر للتّعليم المجتمعيّ، وتمكّنّا من الحصول على تمويل من منصّة ذو مال، والّذي استأجرنا على إثره مكتبًا خاصًّا بالمجلّة وأثّثناه، ثمّ عملنا على إصدار العدد الرّابع بالتّعاون مع مؤسّسة إنقاذ المستقبل الشّبابيّ. في هذه الأوقات، والّتي كانت أكثر أوقات المجلّة نشاطًا وفاعليّة، كانت لنا أنشطتنا الحيّة الأخرى، من أمسيات شعريّة إلى تنظيم معارض لفنّانين بالتّعاون مع مؤسّسات أخرى، وذلك كان يعني لنا الكثير. ثمّة فعل ثقافي حيّ نمارسه على الأرض، ويتمثّل في مجلّة تعبّر عنّا نهاية الشّهر، وتحمل أخبار فعاليّاتنا وأنشطتنا المتنوّعة الّتي انتهينا منها، أو تلك الّتي نحضّر لها. أليس هذا مشهدًا جديرًا بالاهتمام؟' يتساءل الشّاعر.

التّمويل

خالد جمعة

يكمل الشّاعر حديثه: 'العمل في مجلّة 28 عمل تطوّعيّ أساسًا، لكنّنا نحاول توفير مكافآت ماليّة لتشجيع العمل والنّشر في المجلّة، وبين كلّ فترة تمويل وأخرى، نفقد عنصر ثبات الفريق، كما لا نستطيع الدّفع للعاملين معنا، وهو ما يستحقّونه على الجهد الكبير الّذي يبذلونه في سبيل استمرار تدفّق المجلّة ورقيًّا وعلى الأرض الكثير. لهذه الأسباب، وأخرى، تفكّك فريق العمل، ومنهم من انسحب للعمل في مؤسّسات أخرى وأعمال بديلة.'

في تعقيب للشّاعر خالد جمعة، حين سألناه عن مسألة تمويل مجلّة 28، وهو مستشار هيئة التّحرير، قال: 'لا توجد التفاتة رسميّة ولا مجتمعيّة، ولا حتّى من رجال أعمال، إلى العمل الثّقافيّ والفنّيّ، بعامّة، إلّا إذا كان العمل يضمن التّسويق المجدي، مثل محمّد عسّاف مثلًا، أو مثل رواية فائزة بجائزة كبرى، أمّا التّأسيس الثّقافيّ فلا يُلْتَفَتُ إليه؛ ولذلك تعاني الدّوريّات من المشكلة المتكرّرة المتمثّلة بالتّمويل، كما تعاني منها كلّ الأعمال الجادّة. كما أنّ الأدب، بخاصّة، تأثيره بطيء، ولا يمكن ملاحظته إلّا بعد مرور وقت طويل، لذلك لا يغامر المموّلون بتمويل عمل أدبيّ ناشئ.'

الرّقابة

أخبرنا رائد شنيورة، وهو أحد القائمين على المجلّة ومنسّق الفعاليّات والمشاريع فيها، أنّ مجلّة 28 نجحت في صنع جمهور واسع، سواء في غزّة أو خارجها؛ 'نطبع ألف نسخة من المجلّة، وتنفد الأعداد بعد مدّة بسيطة، كما أنّ النّسخة الإلكترونيّة من المجلّة في عددها الأخير وصلت لرقم لم نكن نتوقّعه؛ خمسون ألف تحميل للنّسخة، وهذا يعني أنّنا نقف على أرض صلبة، والجمهور ينتظر منّا المزيد.'

رائد شنيورة

يضيف شنيورة حول علاقة مجلّة 28 مع الرّقابة: 'نحن مستقلّون، وهذه ميزة لدينا في التّعبير عن مشهد فلسطينيّ إبداعيّ؛ كما أنّ متابعي المجلّة من فئة الشّباب أكثر من الفئات الأخرى... معظم جمهورنا شباب يرغبون في المشاركة الفاعلة. نحن لسنا في منأى عن الرّقابة، ومكتب الإعلام الحكومي يدقّق في كلّ كلمة بالمجلّة. خضنا، مثلًا، معركة على نشر نصّ للكاتبة أسماء عزايزة ’حين كرهت إسرائيل للمرّة الأولى‘، وذلك لعدم توافق النّصّ مع سياسة السّلطة الحاكمة في غزّة، على حدّ قولهم. كذلك خضنا نقاشًا طويلًا لإدراج نصّ بعنوان ’نبيّ يبيع العلكة على الطّريق‘، إذ يرى المسؤولون أنّه يمسّ المشاعر الدّينيّة. نحن لا نستطيع السّماح بالتّدخّل في المادّة المنشورة لدينا. لا نستطيع إجبار الكاتب على تغيير عنوان نصّه لمجرّد أنّ المسؤول لم يعجبه ذلك، ولسنا أيضًا بصدد الدّخول في مشاكل مع أحد. نحاول أن نكون منصّة إعلاميّة ’للنّاس المتهوّرة‘'، على حدّ تعبير شنيورة.

تصفّح الموقع الرّسميّ لمجلّة 28.

يقول شنيورة أيضًا حول التّطلّعات المستقبليّة: ' نحن بصدد تطوير منصّة 28. ثمّة مشروع للعمل على إطلاق قناة صوتيّة عبر  soundcloud، وتطوير المنتج المرئيّ أيضًا، وتطوير أدوات تواصلنا مع الجمهور، ومحاولة الاتّصال بالكلّ الفلسطينيّ في كلّ مكان؛ لكنّنا لسنا قادرين على الإيفاء بالتزاماتنا وسط حالة التّهاوي الّتي تصيب المجلّة جرّاء عدم ثبات فريقها وثبات التّمويل.'

ما العمل؟!

كنّا نعزو، قديمًا، أسباب عدم إتمام العمل أو الاهتمام بجودته أو ديمومته، لأسباب موضوعيّة نسوق معها الأدلّة الكافية والبراهين لإثبات موافقة النّتائج للعلل. ذلك كان أسلوب 'المنظّرين' على كافّة المستويات، الرّسميّة أو المؤسّسيّة، أو حتّى الفرديّة. كان ذلك مقنعًا إلى حدّ ما، أو بالأحرى محبطًا كفاية إلى درجة عدم الخوض في الطّرق البديلة أو الأساليب المبتكرة لتجاوز المشكلات، والّتي يتبيّن لنا الآن مع تقدّم الزّمن وتوفّر النّماذج، أنّنا كنّا غارقين في التّعليل وتقديم الأعذار، ما أحالنا إلى المزيد من الرّكود والتّقصير في أداء مهامنا والاجتهاد في خلق الحلول.

من فعاليّات مجلّة 28: حفل ربيع غزّة الفنّيّ

في الفعل الثّقافيّ، يحاول 'المنظّرون' ربط أسباب التّعثّر بظروف المشهد الثّقافيّ العامّ، بل وبظروف المشروع الوطنيّ الشّامل، وهو ما يصيب المشهد في مقتل، إذ يُفترض بالفاعل الثّقافيّ إدراكه للتّحرّر من القيود المحيطة، بل محاولة التّأثير فيها لتفكيكها، خطوةً أولى في طريق حلّ كافّة العقد الّتي تشكّلت طوال عمر القضيّة؛ هذا إن افترضنا مسبقًا إيماننا بأنّنا على طريق الاستقلال الوطنيّ والتّخلّص من نير الاحتلال، إذ يعبّر الفاعل الثّقافيّ الفلسطينيّ عن إيمانه بعدالة القضيّة وضرورة التّتابع الثّقافيّ في صنع مشهد ينقذنا من الحالة البائسة الّتي تصيب الكلّ الفلسطينيّ، لكنّ ذلك لا يحدث، لأنّ غالبيّة الأطر الّتي نتناول فيها قضايانا، من مؤتمرات وندوات، بل ومقابلات صحافيّة، مثلًا، تكتفي بطرح المشكلة وتوصيفها، لكنّها لا تتعدّى ذلك نحو الحلول المبتكرة أو الطّرق البديلة لإنقاذ الموقف.

أكبر خطر يمكن أن يتهدّد مجلّة دوريّة هو فقدانها لخاصيّة الدّوريّة، وبالتّالي فقدانها لجمهور واسع كان يمكن أن يزداد ويكبر لولا عدم التّمكّن من الانتظام والالتزام. الدّوريّة والانتظام في النّشر لدى مجلّة مثل مجلّة 28 تعني الكثير، وفترات انقطاع المجلّة عن جمهورها قد يهدّدها بالتّوقّف عن العمل، وهو آخر ما يتمنّاه القائمون عليها.