08/07/2013 - 16:41

البرتقال حزين .. للعام الـ 41 !

لم يمهل القدر غسان كنفاني، الذي تصادف اليوم الإثنين الثامن من تموز الذكرى الـ 41 لاستشهاده كثيرا، فعاش 36 عاما ملأها بإبداع الواقع الفلسطيني المعيش، وشغل بها الناس ونقاد الأدب. حيث اغتاله "الموساد" الأسرائيلي بتفجير سيارته في منطقة "الحازمية" قرب بيروت عام 72.

البرتقال حزين .. للعام الـ 41 !

 


بين "ليلة الهجوم الكبير على (...) وكانت عكا الحبيبة تختفي شيئا فشيئا في متعرجات الطرق" وبين النظر "إلى الشاطئ حيث كانت حيفا تغيم وراء غبش المساء وغبش الدموع" كانت رحلة غسان كنفاني الإبداعية التي صوّر خلالها خروج الفلسطيني لاجئا من وطنه، وعودته غريبا عليه، لا يكاد بيته يعرفه.


لم يمهل القدر غسان كنفاني، الذي تصادف اليوم الإثنين الثامن من تموز الذكرى الـ 41 لاستشهاده كثيرا، فعاش 36 عاما ملأها بإبداع الواقع الفلسطيني المعيش، وشغل بها الناس ونقاد الأدب. حيث اغتاله "الموساد" الأسرائيلي بتفجير سيارته في منطقة "الحازمية" قرب بيروت عام 72.


ولد غسان في عكا في الثامن من نيسان عام 1936، التحق بمدرسة الفرير في يافا فدرس فيها اللغة الفرنسية. ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية، وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أول حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين، وعادت أسرته به إلى عكا.


إثر التهجير عام 48 استقر بعائلة غسان المقام أخيرا في دمشق، ليشترك الابن في الإذاعة السورية كأول عمل صحافي له.

أثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الادب العربي والرسم وعندما انهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين.


من القوميين العرب الى الجبهة الشعبية

انخرط في حركة القوميين العرب، وفي أواخر عام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية، وكان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل، وهناك عمل محررا بإحدى صحف الكويت وكان يكتب تعليقا سياسياً يوقعه باسم "أبو العز".


وفي الكويت كتب أيضاً أولى قصصه "القميص المسروق" التي نال عليها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية.


عمل في صحف ومجلات عربية عدة فقد كان محررا في مجلة "الرأي" بدمشق. وفي بيروت، كان محررا في مجلة "الحرية"، ثم رئيس تحرير جريدة "المحرر"، ورئيس تحرير ملحق "الأنوار"، صاحب ورئيس تحرير "مجلة الهدف". كما كان غسان فنانا صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كان عضوا في مكتبها السياسي.

كتب غسان عددا من الروايات منها رجال في الشمس، وقصة فيلم "المخدوعين"، وأم سعد، وعائد إلى حيفا، والعاشق، والأعمى والأطرش، وبرقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة).
أما القصص والمسرحيات فكانت موت سرير رقم 12، وأرض البرتقال الحزين، وعالم ليس لنا، وما تبقى لكم، وقصة فيلم السكين، وعن الرجال والبنادق، إضافة إلى الشيء الآخر التي صدرت بعد استشهاده، والقميص المسروق، وقصص أخرى، إضافة إلى مسرحيات القنديل الصغير، والقبعة والنبي، والباب، وجسر إلى الأبد.


وكتب غسان عددا من الابحاث مثل "أدب المقاومة في فلسطين المستقلة"، و"الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968"، ونال كنفاني في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم". وبعد استشهاده، نال جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975، ومنح وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.

رجال في الشمس

"في ليلة الهجوم الكبير على عكا بدأت تتوضح الصورة اكثر فأكثر .. ومضت تلك الليله قاسية مرة بين وجوم الرجال، وبين أدعية النسوة ... لقد كنا انا وأنت ومن في جيلنا، صغارا على أن نفهم ماذا تعني الحكاية (..) ساعة انسحب اليهود متوعدين مزبدين (..) كانت سيارة شحن كبيرة تقف في باب دارنا (..) عندما رأيت امك تصعد الى السيارة، ثم خالتك، ثم الصغار، وأخذ أبوك يقذف بك وباخوتك الى السيارة، وفوق الأمتعة، ثم انتشلني من زاويتي ورفعني فوق رأسه الى القفص الحديدي في سقف غرفة السائق (..) وقبل أن أثبت نفسي في وضع ملائم، كانت السيارة قد تحركت (..) وكانت عكا الحبيبة تختفي شيئا فشيئا في متعرجات الطرق الصاعدة الى رأس الناقورة ..."

وفي "رجال في الشمس" كتب يصف رحلة المعاناة التي عاشها الفلسطينيون بحثاً عن لقمة العيش في سنوات اللجوء فقدم غسان شخصية "أبو الخيزران" كنموذج للقيادة الانتهازية. يتفق "أبو الخيزران" مع ثلاثة على أن يبقى اثنان فوق الخزان ويجلس معه الثالث، وهكذا بالتبادل طوال الطريق في "صحراء ترسل شمسها شواظًا من لهيب قاتل"، وقبل أن يصلوا إلى نقطة الحدود بخمسين مترًا يدخلون الخزان، وعليه أن ينهى الإجراءات فيما لا يزيد على سبع دقائق ثم يسرع بالسيارة ليخرجهم من الخزان بعد 50 مترًا من نقطة الحدود.


لكن عند نقطة الحدود الكويتية يعطل موظف "عابث" "أبو الخيزران" ويصر أن يحكي له السائق حكايته مع الراقصة العراقية "كوكب" التي تحبه لدرجة "العبادة "، فيموت الثلاثة داخل الخزان !.

عائد الى حيفا

وفي "عائد الى حيفا"، وصف غسان شعور أبوين نسيا ابنهما إثر التهجير، وحين استولت على بيتهما عائلة يهودية ربت الابن ليصبح مقاتلا مع جيش الاحتلال. ولكن الأب لم يبد عليه الاستهجان بقدر ما آمن أن "الإنسان قضية".


"انطلق الناس يقولون ان الانكليز واليهود اخذوا يكتسحون حيفا (..) في البدء كانت تطل من الشباك، ومن الشرفة، وكأنها شعرت الآن ان الأمر قد تغير تماماً (..) كم مضى من الوقت قبل أن تتذكر أن خلدون الصغير ما زال في سريره؟


ليست تتذكر تماماً، ولكنها تعرف أن قوة لا تصدق سمرتها في الأرض، فيما أخذ السيل الذي لا ينتهي من الناس يمر حولها ويتدافع على جانبي كتفيها وكأنها شجرة انبثقت فجأة في مجرى سيل هائل (..) ولم تكن كلماتها الطائرة فوق ذلك الزحام الذي لا ينتهي لتصل إلى أي اذن لقد رددت كلمة (خلدون) الف مرة مليون مرة، وظلت شهوراً بعد ذلك تحمل في فمها صوتاً مبحوحاً مجروحاً لا يكاد يسمع وظلت كلمة خلدون نقطة واحدة لا غير تعوم ضائعة وسط ذلك التدافق اللانهائي من الأصوات والأسماء.


هل مضت اجيال وازمنة قبل ان تحس بكفيه القويتين المتيبستين تشدان على ذراعها؟
وفجأة نظرت في عينيه وأحست بشيء يشبه الشلل يسقطها على كتفه كخرقة بالية لا قيمة لها وحولهما مضت سيول البشر تتقاذفهما من جهة إلى أخرى وتدفعهما أمامها نحو الشاطئ ولكنهما لم يكونا قادرين على الإحساس بأي شيء وفقط حين عومهما الرذاذ المتطاير من تحت خشب المجاذيف ونظرا إلى الشاطئ حيث كانت حيفا تغيم وراء غبش المساء وغبش الدموع.

"القدس"
 

التعليقات