05/11/2023 - 20:34

بين الأنقاض: البحث عن بصيص أمل وسط كلّ هذا الخراب

أحيانًا، وعلى الرغم من كلّ ما حدث، يبرز بصيص أمل، ويتمّ إخراج امرأة مسنّة من تحت الأنقاض، ومن ثمّ طفل، وعلى الفور يأخذهما أحد السكّان بسيّارته نحو مستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح

بين الأنقاض: البحث عن بصيص أمل وسط كلّ هذا الخراب

البحث عن ناجين بين الأنقاض (Getty)

بعد ليلة من القصف الجويّ المكثّف على قطاع غزّة، والذي حوّل المباني إلى ركام، يحاول سعيد النجمة تحريك الحجارة الخرسانيّة التي تغطّي الشارع، ويصرخ بأعلى صوته "هل هناك ناجون"، ويستمرّ في تحريك الأنقاض، بحثًا عن أيّ نفس أو صوت.

فقد المصوّر الصحافيّ محمّد العالول أطفاله الأربعة وأشقّاءه الأربعة والعديد من أبناء وبنات إخوته وأخواته في القصف الإسرائيليّ الّذي دمّر سبعة مبان متعدّدة الطوابق خلال الليل في مخيّم المغازي للّاجئين وسط القطاع.

ويتعرّض القطاع الخاضع لحصار مطبق، لقصف إسرائيليّ عنيف متواصل، وعلى إثر الغارة الجديدة الّتي أدّت إلى ارتفاع عدد الشهداء الّذي ناهز 10 آلاف في غزّة، راح سعيد النجمة يعمل مع عشرات من سكّان المخيّم الناجين على إزالة الأنقاض بحثًا عمّن تبقوا أحياء أو لانتشال الجثث، بين الحجارة الملطّخة ببقع كبيرة من الدم، أو حتّى أشلاء الأجساد الممزّقة من بين 45 قتيلًا أعلنت وزارة الصحّة الفلسطينيّة أنّهم ذهبوا ضحيّة تلك الغارة.

يقول سعيد النجمة بغضب والألم يعتصره "ليس لدينا أدوات لنحفر بها ونزيل الأنقاض. الناس يموتون ونحن نتفرّج عليهم. هدموا المربّع السكنيّ بأكمله على رؤوس النساء والأطفال من دون أيّ إنذار".

أحيانًا، وعلى الرغم من كلّ ما حدث، يبرز بصيص أمل، ويتمّ إخراج امرأة مسنّة من تحت الأنقاض، ومن ثمّ طفل، وعلى الفور يأخذهما أحد السكّان بسيّارته نحو مستشفى "شهداء الأقصى" في دير البلح. ولكن قبل ذلك، ينبغي حملهما والسير بهما فوق الحجارة.

البحث عن ناجين بين الأنقاض (Getty)

لا يمكن لأيّ مركبة الاقتراب من الموقع، فالركام يغطّي كلّ شيء. أمّا واجهات المباني، فثقّبتها الشظايا على امتداد جميع الطوابق.

يسحب الأهالي جثّة جار، وبسرعة يلفّون الجثمان ببطّانيّة. يتعرّف قريب له على وجهه، فينهار باكيًا ويصرخ، فيلتفّ الجيران حوله يواسونه.

أمّا محمّد العالول، فلم يتمكّن من الوصول إلى موقع الغارة إلّا مع شروق شمس الأحد. فقد أمضى الليل في نقل صور ضحايا القصف في خان يونس، ولم يتمكّن من أن يجازف بسلوك الطريق وصولًا إلى المخيّم؛ لأنّ القصف كان كثيفًا جدًّا على طول الطريق.

وقال المصوّر الصحافيّ الّذي يعمل لدى وكالة الأناضول التركيّة، ويبلغ 37 عامًا لوكالة فرانس برس، "لم أنم طوال الليل".

البحث عن ناجين بين الأنقاض (Getty)

وأضاف العالول الّذي لم يخلع منذ أيّام سترته المضادّة للرصاص الّتي تحمل شعار "صحافة" ولا خوذته بعد وصوله لتفقد منزله المدمّر، "اتّصل بي ابن عمّي ليخبرني أنّ داري بمخيّم المغازي دمّرت نتيجة قصف استهدف مبنى جيراننا".

وقال وهو ما زال تحت هول الصدمة "لا أحد في البيت ينتمي إلى فصيل مسلّح، لكنّ اليوم لم يبق لديّ سوى زوجتي وابن واحد".

وأضاف أنّ أبناءه الثلاثة الآخرين استشهدوا وكذلك ابنته الوحيدة "كنت أقول لها إنّني أريد أن أجلب لها أختًا ... حرام عليهم ... كنّا نبكي على أولاد الناس ونحن نصوّرهم ... اليوم فقدت أولادي".

من حوله لم يعد من الممكن التعرّف على الحيّ الّذي نشأ فيه. وبدلًا من المنازل، تبدو حفرة كبيرة من الركام تحيط بها بضعة منازل شبه مدمّرة. لقد انهارت طوابق المباني وتكدّست بعضها فوق بعض مثل بيت من ورق.

وبسبب الكتل الخرسانيّة المتناثرة يضطرّ الأهالي للتنقّل بشكل متعرّج والتمسّك بأجزاء من الجدران هنا وهناك. هنا، طبق متفحّم لالتقاط البثّ بالقمر الاصطناعيّ، وهناك باب خشبيّ صار يستخدم جسرًا للمرور فوق الأنقاض. وعلى الأسطح، خزّانات المياه الفارغة.

البحث عن ناجين بين الأنقاض (Getty)

ووسط الخراب، يتحرّك الأهالي ذهابًا وإيابًا وعلى أياديهم وأذرعهم أثار جروح أو دماء، وشعرهم وملابسهم مغطّاة بالغبار، يواصلون عملهم الدؤوب لانتشال جيرانهم أو ما تبقّى منهم.

ويقول أحدهم، ويدعى أبو شادي سمعان (55 عامًا) "نحتاج إلى جرّافات لهدم أجزاء الجدران الّتي لا تزال قائمة لتدخل الحفارات، ونتمكّن من نقل الشهداء والجرحى".

لكنّه يضيف أنّ المطلوب قبل كلّ شيء هو وقف الحرب، ولكن "لا أحد يقول لإسرائيل أن تتوقّف". ويتابع "ليس لدينا ماء ولا طعام ولا شيء ممّا نحتاج اليه للبقاء على قيد الحياة... من بقوا على قيد الحياة هنا هم الّذين يرفض الموت أن يرأف بهم".

وتشنّ إسرائيل على قطاع غزّة لليوم الثلاثين غارات عنيفة، وتستخدم أسلحة محرّمة دوليًّا، في فعل وصفته الكثير من منظّمات حقوق الإنسان بأنّه "إبادة جماعيّة" و"تطهير عرقيّ" للفلسطينيّين، حيث استشهد حتّى هذه اللحظة نحو 10 آلاف فلسطينيّ، معظمهم من الأطفال والنساء.

التعليقات