"سأنصب خيمتي على ركام منزلي": نزوح عكسيّ من رفح إلى وسط غزة خشية هجوم إسرائيليّ

آلاف الفلسطينيين بدأوا بالتوجه من رفح إلى مناطق وسط قطاع غزة عبر الساحل، حاملين أمتعتهم وخيامهم على عربات تجرها حيوانات؛ وذلك في ظلّ الخشية من هجوم إسرائيلي على رفح.

غزيّون ينزحون صوب دير البلح من رفح (Getty Images)

تشهد مدينة رفح أقصى جنوب قطاع غزة منذ يومين، حركة نزوح عكسية باتجاه وسط القطاع، بعد سلسلة غارات إسرائيلية مكثفة استهدفت المدينة، وتهديد متواصل من تل أبيب بتنفيذ اجتياح بريّ واسع فيها.

وبدأ آلاف الأهالي من سكان المحافظة الوسطى، بالعودة إلى منازلهم، خشية من عملية عسكرية وشيكة في رفح، بحسب ما أفادت وكالة "الأناضول" للأنباء.

وكان هؤلاء قد نزحوا في وقت سابق إلى رفح، بعد نزوحهم من مناطقهم السكنية، التي استهدفها الجيش الإسرائيليّ في حينه.

كما أن أعدادا أخرى من النازحين من مناطق شمال القطاع بدأت خلال اليومين الماضيين، بالتوجه إلى المحافظة الوسطى أيضا التي تضم مدينة دير البلح ومخيمات البريج والمغازي والنصيرات.

وبحسب شهود عيان، فإن جميع هؤلاء النازحين يغادرون رفح بواسطة مركبات وعربات تجرها حيوانات، متوجهين إلى المأوى الجديد عبر شارع "الرشيد" الساحلي فقط الذي يربط القطاع من الشمال إلى الجنوب.

عمر زين الدين (33 عاما)، وهو نازح من مدينة غزة، يقول إنه قرر التوجه مع أفراد عائلته إلى دير البلح خشية تصاعد الأوضاع في رفح وانتقال العملية العسكرية البرية إليها.

وكان زين الدين يقطن في خيمة قرب الحدود المصرية مع قطاع غزة، وقبل مغادرته إلى دير البلح مع زوجته وأطفاله الخمسة، فكّك خيمته وجمع كل ما يستطيع حمله من ملابس وحطب على عربة يجرها حصان، لتقله إلى مكان النزوح الجديد.

ويضيف: "هذه رحلة النزوح الخامسة منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ففي البداية خرجنا من مدينة غزة إلى منطقة الزوايدة، وثم توجهنا إلى دير البلح ومنها إلى مدينة خانيونس، قبل الانتقال للحدود مع مصر برفح، وها نحن سنعود إلى دير البلح"، بحسب ما نقلت عنه "الأناضول".

نعيم الصفدي، قرر هو الآخر مغادرة رفح ولكنه سيعود إلى منزله في مخيم النصيرات الذي نزح منه قبل نحو شهر إلى مدينة رفح الحدودية.

يقول الصفدي: "منزلي في النصيرات مدمر، سأعود إلى هناك وأنصب خيمتي على ركامه، فقوات الاحتلال ما تلبث أن تصل إلى رفح وأخشى أن تحدث مجزرة هنا".

وكان الحظ حليف الصفدي في رحلة عودته إلى النصيرات فقد عثر على شاحنة صغيرة نجح صاحبها بتشغيلها بواسطة زيت الطهي بدلا من السولار المفقود في الأسواق، وهذا ما سيجعل الرحلة سريعة ولكنها مكلفة.

ويقول النازح الفلسطيني: "سأدفع لأبو مازن (مالك الشاحنة) 1500 شيكل (نحو 450 دولار) لينقلني مع عائلتي وأمتعتي إلى النصيرات. هذا المبلغ يعادل 25 ضعف السعر الأصلي قبل الحرب، لكن ما باليد حيلة، فزوجتي مريضة ولا يمكنني نقلها على عربة يجرها حصان".

(Getty Images)

وعلى متن تلك الشاحنة حمل الصفدي خيمته المفككة، وملابس عائلته وفراشهم وأغطيتهم، وأواني المطبخ المتواضعة التي تكاد تسدّ جزءا من احتياجاتهم.

ويعرب الصفدي عن مخاوفه من عدم توفر الطعام والبضائع في مخيم النصيرات وبقية مناطق وسط القطاع، فالمساعدات التي تدخل القطاع محدودة للغاية، وتصل منها كميات قليلة إلى المنطقة الوسطى بسبب التكدس السكاني الكبير في رفح.

وفي حال قرر جميع النازحين في رفح التوجه إلى المناطق الوسطى، فإن مساحتها الصغيرة لن تكفي لاستيعاب هذه الأعداد الكبير خاصة أن معظم مساحتها عبارة عن مخيمات لاجئين ضيقة، إضافة إلى أن دير البلح، المدينة الوحيدة فيها، تزدحم بالنازحين وبسكانها الذين لم يتمكنوا من مغادرتها خلال الفترة الماضية.

وبذلك فإن حركة النزوح العكسية ستفرض ضغوطا كبيرة على المنطقة الوسطى، فلن تستطيع توفير أي خدمات للأعداد الهائلة من النازحين علاوة على مساحتها الضيقة.

والإثنين الماضي، شهدت مدينة رفح ليلة دامية أسفرت عن استشهاد وإصابة المئات، غالبيتهم من النساء والأطفال، في سلسلة غارات عنيفة شنها الجيش الإسرائيلي على مناطق مختلفة من المدينة.

وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الأربعاء، من أن "الهجوم العسكري الإسرائيلي الوشيك على مدينة رفح قد يكون له أثر خطير"، مطالبة باحترام "مبدأ الإنسانية الأساسي".

(Getty Images)

وقالت اللجنة في بيان، إن "إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة تتحمل بموجب القانون الدولي المسؤولية عن ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين".

وأكّدت المنظمة أن "التهجير القسري" محظور صراحة بموجب القانون الإنساني الدولي، وكذلك استخدام الدروع البشرية والهجمات العشوائية التي تتسبب في مقتل وإصابة أعداد غير متناسبة من المدنيين.

ولفتت إلى أن "عمليات الإجلاء يجب أن تضمن وصول المدنيين بأمان، وأن تتوفر فيها ظروف مُرضية من حيث النظافة والصحة والسلامة والتغذية، وألّا يُفصل أفراد العائلة الواحدة"، مشيرة إلى أنهم "يجب أن يكونوا قادرين أيضًا على العودة إلى منازلهم عندما تتوقف الأعمال العدائية".

وأكدت أن على المسؤولين عن عمليات الإجلاء، أن "يأخذوا في الاعتبار الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يتحركون عبر طرق متضررة بسبب القنابل، وعبر أنقاض المباني المدمرة، وعبر المناطق الملوثة بالأسلحة غير المنفجرة".

ويتجمع في رفح بحسب الأمم المتحدة، نحو 1.4 مليون شخص، معظمهم نزحوا بسبب الحرب المتواصلة على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

(Getty Images)

وتحوّلت رفح إلى مخيم ضخم للنازحين، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة في القطاع التي لم يقدم جيش الاحتلال حتى الآن على اجتياحها بريًّا.

والأحد، أفادت هيئة البث الإسرائيلية العامة ("كان 11")، بأن الجيش الإسرائيلي صادق على خطة عملياتية لشن عملية برية في رفح، التي تعد آخر ملاذ للنازحين في القطاع المنكوب.

وقوبل الإعلان الإسرائيلي بتحذيرات ودعوات دولية لعدم الإقدام على العملية، لما سيكون لها من نتائج "كارثية" على نحو مليون و400 ألف فلسطيني معظمهم نازحون من مناطق أخرى في القطاع، مثّلت رفح آخر ملاذ لهم.

اقرأ/ي أيضًا | إدارة بايدن ودول عربية يطرحون خطة لسلام ودولة فلسطينية

التعليقات