"طابور الطعام اليوميّ": نافذة النازحين في جباليا لسدّ جوعهم

الحصول على القليل من الحساء يعتبر في ظلّ ظروف الحرب مهمّة صعبة وشاقّة، خاصّة بالنسبة للأطفال الّذين يتنافسون حول قدر الطعام للحصول على نصيبهم من لقمة على بساطتها إلى أنّه قد لا يملكون بديلًا لها سوى الجوع

أطفال في انتظار الطعام في قطاع غزّة (Getty)

في طابور طويل يصطفّ مئات الفلسطينيّين يوميًّا انتظارًا للحصول على حصّة تسدّ جوعهم وجوع أبنائهم من حساء العدس الموزّع مجّانًا على النازحين في إحدى المدارس في مخيّم جباليا شمال قطاع غزّة الّذي يعصف به العدوان الإسرائيليّ منذ أشهر، والذي راح ضحيّته عشرات آلاف الضحايا، وتحاكم بسببه إسرائيل أمام محكمة العدل الدوليّة بتهمة الإبادة الجماعيّة.

يأتي هذا في ظلّ مجاعة ناجمة عن الحرب الإسرائيليّة على القطاع، حيث يعاني السكّان من نقص حادّ في الطعام والموارد الأساسيّة، جرّاء حصار خانق منذ سنوات، تمّ تشديده مع اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، ليمنع دخول الغذاء والدواء والوقود والكهرباء، ويكاد يمنع دخول الهواء.

وتزداد الأوضاع سوءًا في القطاع ما وضع إسرائيل بمواجهة تهمة "الإبادة الجماعيّة" الّتي تحاكم بها أمام محكمة العدل الدوليّة، إثر الحرب الحاليّة الّتي تشنّها على غزّة.

وحول قدر العدس الكبير الّذي يطهى على نار الحطب والورق، يتزاحم الأطفال والرجال والنساء وهم يحملون علبًا وأوعية بلاستيكيّة لوضع الحساء بها.

السكّان في غزّة في انتظار الطعام (Getty)

وعندما ينجح أحد الأشخاص بالحصول على حصّته المستحقّة من الحساء، تعلو ملامحه المتعبة من الحرب ابتسامة عريضة، ثمّ ينطلق فرحًا باتّجاه عائلته بخطوات ثابتة وسريعة، كيف لا، وهو يحمل لهم طعامًا انتظروه طويلًا.

فالحصول على القليل من الحساء يعتبر في ظلّ ظروف الحرب مهمّة صعبة وشاقّة، خاصّة بالنسبة للأطفال الّذين يتنافسون حول قدر الطعام للحصول على نصيبهم من لقمة على بساطتها إلى أنّه قد لا يملكون بديلًا لها سوى الجوع.

وبسبب نقص الغذاء والماء والموارد الماليّة، يضطرّ الفلسطينيّون إلى اللجوء إلى هذا الطعام المقدّم لهم مجّانًا، لسدّ رمقهم عبر وجبة واحدة يعتمدون عليها ليوم كامل.

الفلسطينيّ أبو سهيل (52 عامًا)، يعدّ واحدًا من النازحين الّذين يتوجّهون إلى طابور الحساء، باعتباره الطعام الوحيد الّذي يمكنه تأمينه لعائلته بعد نفاد الغذاء لديهم.

وقال أبو سهيل: "نتيجة لنقص الغذاء والأموال، نجد أنفسنا مضطرّين للجوء إلى الحصول على الطعام مجّانًا من أهل الخير الّذين يقومون بتحضيره وتقديمه للنازحين".

وأضاف: "في زمن الحروب، نتوقّع أن نكافح من أجل تأمين الطعام لعائلاتنا، وهناك من يكافح بالجهاد ومن يضحّي بأبنائه كشهداء، ومن يفقد أطرافه".

(Getty)

"الأوضاع مأساويّة للغاية"، يقول أبو سهيل، "حيث لا يمتلك الناس المال الكافي لشراء الطعام الّذي بات باهظًا ونادرًا شمال قطاع غزّة". وأشار إلى وجود الخير في قلوب الكثيرين الّذين يستطيعون توفير الطعام للمحتاجين في غزّة والنازحين.

ويرى أبو سهيل أنّ "هذا الطابور الطويل يظهر واقع الحاجة والمعاناة الّتي يواجهها الكثيرون في ظلّ سوء التغذية، فالطعام ضروريّ لحياة الناس".

وتشير النتائج الأخيرة لفحوص سوء التغذية الّتي أجرتها المنظّمات الشريكة في مجموعة التغذية، إلى زيادة كبيرة في معدّل سوء التغذية الحادّ العامّ بين الأطفال الّذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهرًا.

آلاف السكّان من غزّة في انتظار المساعدات (Getty)

ووصل سوء التغذية الحادّ العامّ بالقطاع إلى 16.2 بالمئة، وهو معدّل يتخطّى العتبة الحرجة الّتي تحدّدها منظّمة الصحّة العالميّة عند 15 بالمئة.

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين "الأونروا"، أنّ السكّان في شمال قطاع غزّة أصبحوا "على حافّة المجاعة".

وأشارت الأونروا عبر منشور لحسابها في منصّة "إكس"، إلى مواصلة الجيش الإسرائيليّ "الهجمات المكثّفة على مدينة خانيونس جنوبيّ القطاع".

ولفتت إلى فرار آلاف سكّان غزّة من المناطق الشماليّة باتّجاه مدينة رفح جنوبيّ القطاع، الّتي تأوي 1.4 مليون شخص.

وحذّرت الوكالة الأمميّة، من أنّ سكّان المناطق الشماليّة من قطاع غزّة على "حافّة المجاعة" ولا ملاذ يأوون إليه.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، تشنّ إسرائيل حربًا مدمّرة على قطاع غزّة خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيّين معظمهم أطفال ونساء، فضلًا عن كارثة إنسانيّة غير مسبوقة ودمار هائل بالبنية التحتيّة، الأمر الّذي أدّى إلى مثول تلّ أبيب أمام محكمة العدل الدوليّة بتهمة "الإبادة الجماعيّة".

التعليقات