الأسير الشوبكي يعيش الموت البطيء في سجن النقب الصحراوي

فقد الأسير الشوبكي (81 عاما) القدرة على الحركة والتنقل، ولم تسعفه صحته بقضاء أبسط احتياجاته ولم تعد رؤيته للأشياء واضحة تماما لا سيما وأنه أجرى عملية لإزالة "المياه الزرقاء" من عينه والتي أدت "لتدهور" حالته أكثر كما يقول نجله.

الأسير الشوبكي يعيش الموت البطيء  في سجن النقب الصحراوي

"شيخ الأسرى"، فؤاد الشوبكي (عرب 48)

على أكتاف الأسرى الفلسطينيين في سجن النقب الصحراوي يتكئ "شيخ الأسرى"، فؤاد الشوبكي، هذه الأيام، ويجعل من أيديهم عكاز ليقضي بعض حاجاته متنقلا بين مرقده على سرير حديدي والمرحاض أو المطبخ.

منذ أكثر من شهر والأسير الفلسطيني فؤاد الشوبكي أو "شيخ الأسرى"، كما يوصف وحالته الصحية تسوء كل يوم أكثر من سابقه، ورغم ذلك يبدي جلدا أمام سجانه الذي يحاول النيل من عزيمته.

دفعة واحدة وقبل شهر من الآن فقد الأسير الشوبكي (81 عاما) القدرة على الحركة والتنقل، ولم تسعفه صحته بقضاء أبسط احتياجاته ولم تعد رؤيته للأشياء واضحة تماما لا سيما وأنه أجرى عملية لإزالة "المياه الزرقاء" من عينه والتي أدت "لتدهور" حالته أكثر كما يقول نجله البكر حازم.

ينشغل حازم الشوبكي (42 عاما) هذه الأيام بالترتيب وعائلته على زيارة والده، يتناوب وأشقاؤه الخمسة على فعل ذلك خاصة وأن وضع والده الصحي خطير ويتطلب منهم رؤيته جميعا وتفقد حالته.
وهم يحاولون التخفيف من معاناته وأمراضه وإخراجه من بؤسه خلال زيارته، وينقلون له أيضا آخر حكاياهم وأعمالهم مع أسرهم وأطفالهم "ونطلعه على كل جديد لنفرحه" يقول حازم لـ"عرب48".

وجل ما تقدمه إدارة السجن لا يتعدى "المسكنات" كعلاج لوالده، وترفض إدخال طبيبا خاصا من طرفهم للسجن للإشراف عليه وتدعي أن طبيبها يقوم بالمهمة وأن الأسير الشوبكي لا يحتاج أكثر من هذا العلاج.

يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 5000 أسير فلسطيني بينهم وحسب مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية (حريات) سبعمئة حالة مرضية، بينها حالات خطيرة ومصابة بأمراض مزمنة كالسرطان والقلب فضلا عن أمراض الاعاقة والشلل.

كما يقبع 18 أسيرا بشكل دائم في "مشفى سجن الرملة" يواجهون أمراضا خطرة وحرجة ومعرضون للاستشهاد بأي لحظة، كما استشهد خمسة أسرى خلال العام الماضي.

التضامن محاولة لإنقاذه

وأوجع الحال الصحي الصعب للأسير الشوبكي ذويه والمتضامنين مع الأسرى لا سيما وأن الشوبكي لم يتبق له سوى ثلاث سنوات من فترة حكمه ويعاني أصلا من أمراض خطيرة سابقة، أبرزها سرطان البروستاتا.

لهذا لا تدخر عائلته جهدا في سبيل الضغط بشكل أو بآخر بالإفراج عنه، وتتخذ من اللجوء للجهات المسئولة لا سيما القيادة الفلسطينية ومؤسسات شؤون الأسرى وسيلة للإفراج عنه "لكي لا نرى والدنا وقد عاد إلينا محملا في التابوت".

ليس بوسع العائلة أن تفعل أكثر من ذلك، وهي تطرق باب المؤسسات لتسمعها رسالتها رغم أنها تدرك أن إسرائيل لا تعير ذلك اهتماما ولم يشفع لعمر الأسير وتدهور صحته وما تبقى من فترة محكوميته للإفراج عنه.

ويدرك ذوو الشوبكي كما حال الكثيرين أن قضية الأسرى "مهملة" من القيادة الرسمية ومن الفصائل الفلسطينية لكنهم يطرقون كل الأبواب لجعلها قضية عالمية وذات أولوية لأية مفاوضات سلام أو صفقات لتحرير الأسرى.

واختطفت إسرائيل الأسير الشوبكي من سجن أريحا عام 2006 وفلسطينيين آخرين بينهم أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات.

واتهم الشوبكي والذي يحمل رتبة لواء في السلطة الفلسطينية بالوقوف خلف صفقة السلاح التي عرفت بـ(سفينة كارينA) مطلع انتفاضة الأقصى، وحكم عليه الاحتلال بالسجن لمدة 20 عاما، وبعد مداولات قانونية خُفِّض حكمه لـ17 عاما.

وتحريك الشارع الفلسطيني تضامنا مع الأسير الشوبكي يهدف لتشكل حالة من الضغط "وتدويل" قضيته، كما يقول منسق اللجنة الوطنية لدعم الأسرى بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، مظفر ذوقان، حيث نظمت فعالية تضامنية قبل أيام مع الأسير الشوبكي.

للضغط على إسرائيل

يقول ذوقان لـ"عرب48" إنهم "يريدون تشكيل حالة ضغط بكل ما ينظموه من أنشطة تضامنية محليا ودوليا"، ويضيف "رفعنا ستة عشر ملفا للرئيس محمود عباس لتحويل هذه الملفات للجنائية الدولية، وعلى رأسها ملف الأسير الشوبكي".

ورغم أن إسرائيل لا تكترث بأية مواثيق دولية أو حتى إتفاقيات جنيف، إلا أن انضمام فلسطين لمحكمة الجنايات يؤلمها فضلا عن ضغط الجماهير في الشارع.

في العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام قليلة، وحسب نجل الشوبكي نظمت فعالية تضامنية مع والده وحضرها سفراء دول عربية وعالمية ومنظمات إنسانية وحقوقية، وكلهم رفعوا صورة الأسير الشوبكي تضامنا وهتفوا ضد عنصرية الاحتلال.

وعلى أهميتها يبدو أن هذا الحراك لا يحرك ساكنا عند إسرائيل برأي الباحث بشأن الأسرى فؤاد الخفش، الذي يقول إن إسرائيل تتعامل مع "حكم" وليس مع أسير يعاني ألما أو يكبر سنه وهو في معتقله.
ويضيف أن هذا الحكم لا بد أن ينهيه الأسير داخل سجنه "حتى لو مات فيه وهو ما حدث فعلا مع الأسيرين جمال السراحين وزهير لبادة".

داخل معتقله يقضي الأسير الشوبكي جل وقته في قراءة القرآن ورعاية شؤون رفاقه الأسرى وحل مشاكلهم باعتباره وبحكم سنه أبا ومعلما لهم.

بين طرفة عين وأخرى وجد الأسير الشوبكي نفسه طريح الفراش ولا يقوى على الحركة وهو الذي كان يقضي خمس ساعات بالمشي في ساحة سجنه ليقطع بذلك نحو ثلاثين كيلومترا يوميا.

التعليقات