قراءة جديدة لمعنى "نكبة"../ عنان بركات*

-

قراءة جديدة لمعنى
سأحاول من خلال هذه الكتابة القصيرة مراجعة مصطلح "نكبة"، والوقوف عند مركبات هذا المصطلح من ناحية لغوية ومن ناحية رمزية، كونه أصبح مستهلكاً بأفواه الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني والأمة العربية، ولم يتسن لنا حتى الاَن أن نحلله ليصل ميدان العمل ويخترق الحقول الأكاديمية (لا أشكك بأهميتها قطعاً)، وربما بعدها نفهم إن كان من يمارسوا هذه الكلمة جديرين \ جديرات به، أو أنه بات مجرد مصطلح خيمت عليه معان ورموز سطحية، أو تعريفات رسخت الإنكسار على جميع المستويات من ضمنها الفكرية، وبالفعل رسخت النكبة بدون أي فعل جاد لتحطيم هذا المصطلح ومصطلحات أخرى مشابهة، وإعادة بنائها كما علمتنا الفنون الحديثة من تفكيك وإعادة تركيب، أو كما علمتنا الفلسفة في الجدلية بدءا من أبي الجدلية اليونانية هرقليطس ثم هيجل وبعده ماركس.

وسأعرض بعض الكتابات الهامة برأيي، للتذكير والمتابعة.

يقول الكاتب قسطنطين زريق أن بعض وجوة النكبة هي إنتكاس معنوي والشك بالنفس.. أي بمعنى أصح أقول إن النكبة أدت الى حالة نفسية "مرضية" (أقولها متحفظاً) لدى الفلسطيني في جميع أنحاء العالم رغم إختلاف الطبقات، الطوائف والشرائح الإجتماعية والفكرية.

أعترف بأهمية الكثير الكثير من المخزون الفكري والثقافي الذي جاء كرد فعل على النكبة، لكن الممارسات لم تثبت نفسها على أرض الواقع ولم تحدث أي تغيير منذ أكثر من 60 عاما أو أكثر.. لماذا؟!

ويقول الأستاذ قسطنطين زريق (ويشمل هنا الأمة العربية) كما أسهبت الكاتبة السورية رغداء زيدان، الحل الأساسي عنده (تقصد قسطنطين) هو العمل على قيام كيان عربي متحد ومتطور اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً. وذلك عبر:

1 اقتباس الآلة واستخدامها في استثمار مواردنا على أوسع نطاق ممكن.
2 فصل الدولة عن التنظيم الديني لاستئصال جذور الطائفية.
3 تدريب العقل وتنظيمه بالإقبال على العلوم الوضعية والتجريبية، وتوجيه الجهد الثقافي في الأمة إلى تحقيق أكبر قدر من الانتظام العلمي.
4 فتح الصدر واسعاً لاكتساب خير ما حققته الحضارات الإنسانية من قيم عقلية وروحية أثبت صحتها الاختبار الإنساني الجاهد فكراً وعملاً لبناء الحضارة.

إقتصادياً !.. فكيف للفلسطيني أو للعربي أن يوزع جزءا مما يملك في وضع نكبة وحالة خطر أو اضطراب نفسي ؟
إجتماعياًً !.. كيف سيتم إتحاد على صعيد شعبي على نطاق واسع أو ضيق بعدما فشلت عدة مرات فكرة "الوحدة" وبعد تكرار التجارب العربية ؟
فكرياًً !.. كيف سيتم ذلك مع فصل الدولة عن الدين أو إلتصاق السلطة بالرأسمالية

سنقفز 50 عاماً من الكتب، المقالات، المحاولات الأكاديمية والميدانية لتعريف معنى "النكبة" من جديد.. من خلال ما كتب الدكتور عزمي بشارة، ولا يوجد شك أنه واحد من الأكاديميين القلائل الذين حطموا المنظومة الأكاديمية النظرية \ التنظيرية بقوله: "اللاجئون الفلسطينيون ليسوا حالة نفسية تمارس في الفنادق الفاخرة كما يبدو لبعض الشعراء والأدباء".
وبأسئلته التي إستندت بوعي كبير على الإشكاليات الأخلاقية.

وقد قال في مقالة كتبها قبل 10 أعوام في الذكرى الـ50 للنكبة ".. سؤال لماذا هو سؤال فلسفي وأخلاقي وليس سؤالا تاريخيا".

وهنا تتضح لنا وظيفة غاية في الأهمية لدى الأكاديمي العربي أو الفلسطيني.. الفحص.. إستمرارية الفحص.. فحص المصطلحات، الدلالات، الصور، الإستعارات.. بإيجاز محاولة فحص كل شي من حولنا باَليات إدراك حسي فكري وما وراءهما..

وأستحضر من مجالي ما بات مستهلكاً الصورة (الواقعية\المتخيلة)، ثقافة الصورة وثقافة النظر التي لا شك حملت في مرحلة ما من تأريخ البشرية بعداً أخلاقياً حتى في الأنثروبولوجيا.. ثقافة غابت عنا وفقدناها أو ربما أصبحنا "تهكميين" و "لا مبالين" تجاهها، وأصبحنا ننام، نأكل، نستحم، ننظف البيت..الخ بينما أطنان الصور تنهال علينا دون أي فعل.. وعندما تغيب ثقافة المشاهدة يغيب العقل، ويغيب النقد ومن بعده الموقف الأخلاقي لإنهاء "الإستهلاكية القطيعية".

اخترت أن أكون من "الحشد الفلسطيني" وببساطة وضعت كلمة النكبة للبحث عن صور..

أخيراً سأقتبس من الكتاب المذكورين أعلاه بعض الكلمات لكي أُكَو ِن سؤالاً يبدأ بكلمة لماذا.. وينتهي بكلمة أخلاقي..
لماذا إذا لم يحدث أي تغيير بكل ما يتعلق بموضوع النكبة قضية وإنساناً.. وهل الصمت على ترسيخ مصطلحات وممارسات مثل "النكبة" هو موقف أخلاقي..؟
___________________

مراجع:
- رغداء زيدان، مقالة "معنى النكبة ومعنى النكبة مجدداً".
- د.عزمي بشارة، مقالة "في البحث عن معنى... للنكبة"، 1998.
- قسطنطين زريق، "معنى النكبة", 1948.
- قسطنطين زريق، "معنى النكبة مجدداً", 1967.
- عمانوئيل كانط، "نقد العقل المحض".
- موسوعة ويكيبيديا.


..

التعليقات