كي لا ننسى "اختراع إسرائيل"!../ نواف الزرو

كي لا ننسى
على قدر ما خيبت نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة التي حملت نتنياهو واليمين المتطرف إلى سدة الحكم، آمال الكثيرين من العرب وفي العالم، الذين كانوا ينتظرون عودة "كاديما" و"العمل" معا، بقدر ما خدمت تلك النتائج الحقيقة السافرة المتعلقة بالوجه الحقيقي لدولة إسرائيل!

تلك الحقيقة التي تحظى اليوم بشبه إجماع فلسطيني وعربي وأممي واسع وهي "أن إسرائيل باتت على حقيقتها بلا قناع"، أي أن "وجه الثنائي نتنياهو –ليبرمان هو الوجه الحقيقي لإسرائيل اليوم"، وهو "الوجه العنصري التطهيري الإرهابي الإبادي". وما يعزز حقيقة هذا الوجه الإسرائيلي هو شبه الإجماع الإسرائيلي حول ضرورة "الاعتراف الفلسطيني-العربي بإسرائيل كدولة يهودية"، فلا تسوية ولا دولة بدون مثل هذا الاعتراف الذي كانت أطلقته تسيفي ليبني بمنتهى الوضوح، ولحقها بعد ذلك اولمرت، ثم باراك، والآن يأتي نتنياهو وليبرمان....!.

لا شك أن الهدف الإسرائيلي الكبير المبيت وراء المطالبة ب"يهودية إسرائيل" أن هذا الاعتراف يشرعن للحكومات الإسرائيلية العمل بسياسة "الترانسفير" ضد من بقي من العرب في فلسطين التي هي في الجوهر سياسة "التطهير العرقي"، وهذا"التطهير" يهدف في الجوهر إلى ما يمكن أن نسميه "اختراع تاريخ جديد لإسرائيل" و"إسكات التاريخ العربي الفلسطيني"، أي "تزييف التاريخ"....!.

وفي "تزييف التاريخ" يقول نتنياهو في كتابه "مكان تحت الشمس": "يجوز لكل يهود العالم أن يحلموا بوطنهم القومي في فلسطين، ولا يجوز للفلسطينيين أن يعودوا إلى وطنهم الذي هجروا منه قسراً- كما يوثق د.فايز رشيد"، ويضيف: "يركز الإسرائيليون على محو كل الآثار المرتبطة بالتاريخ العربي للشعب الفلسطيني ومحاولة إيجاد البديل اليهودي قسراً"، "، ف" نتنياهو- يكثف د.رشيد- يمارس في كتابه عملية تزييف التاريخ، بل ذبحه وقلب حقائقه ببساطة وتضليل كبيرين"، "فلسطين الكنعانية العربية يجري اغتيال تاريخها الممتد بعيداً في أعماق الزمن ويلغيها نتنياهو يعتبرها أرض إسرائيل الموعودة".

ولكن- "وكي لا ننسى ونحن اليوم في فضاء الذكرى الحادية والستين للنكبة "، ومن أجل "تزييف التاريخ" و"اغتيال فلسطين" و"اختراع إسرائيل"، اخترع قادة ومنظرو الحركة الصهيونية، الأساطير المؤسسة الثلاثة": أولها "شعب الله المختار" باعتبار أن اليهود وبني صهيون أمة متميزة ومفضلة على الأغيار من بني البشر، ومن هذا المنطلق صقل اليهود وتكونت سيكولوجيتهم القاطعة بأنهم" فوق الآخرين- الايديولجية العنصرية-" .

وثانيتها "أرض الميعاد – الميثاق –" حيث ركزت أسطورة الميثاق على الربط السرمدي المستمر بين " شعب الله المختار" والأرض المقدسة – فلسطين – التي يسمونها "أرض الميعاد"، وبالتالي أصبحت فلسطين في الأدبيات اليهودية الصهيونية "الأرض المقدسة" و"أرض الميعاد" التي لليهود حقوق خالدة فيها.

ثم "عودة المسيح المنتظر"– وهي الأسطورة الثالثة، وتتحدث عن عودة المسيح المنتظر لبني صهيون، الأمر الذي سيضع حداً لشتات اليهود وإقامة وطنهم القومي في فلسطين إلى الأبد.

وهكذا تكونت ثلاثية الأساطير المؤسسة للصهيونية، لتترابط وتتكامل من وجهة نظرهم لتبرير وتشريع إقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين على حساب وأنقاض الشعب العربي الفلسطيني.

وعلى هذه الأرضية الأيديولوجية العنصرية، تبنت الحركة الصهيونية أربعة مبادئ أساسية في استراتيجيتها كما يؤكدها البروفسور الإسرائيلي "يوسف جوراني" أستاذ العلوم اليهودية في جامعة تل أبيب وهي :

1- " مبدأ تجميع اليهود في أرض فلسطين.
2- تحويل اليهود إلى أغلبية فيها.
3- مبدأ العمل العبري.
4- مبدأ الثقافة العبرية.

وقد وثقت مضامين هذه المبادئ أيضاً في مذكرات هرتزل الكاملة بالنص التالي: "أن غاية الصهيونية هي خلق وطن للشعب اليهودي بفلسطين.. أن المؤتمر الصهيوني يرى في الوسائل التالية الطريق إلى تحقيق الغاية:

1- العمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين اليهود.
2- تنظيم اليهودية العالمية وربطها بواسطة منظمات محلية ودولية تتلاءم مع القوانين المتبعة في كل بلد.
3- تقوية وتغذية الشعور والوعي القومي اليهودي.
4- اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق غاية الصهيونية".
فكانت هذه المنطلقات الأيديولوجية الأسطورية الصهيونية والنوايا والمخططات السياسية الاستعمارية النواة الأولى للفكر الإرهابي وللتطبيقات الإرهابية الصهيونية في فلسطين.

وكي يتسنى لها تطبيق أفكارها ومشروعها في إقامة "الوطن القومي" لليهود في فلسطين، لجأت الحركة الصهيونية إلى آلية عمل ناجعة تمثلت في التنظيم الفعال الشامل الذي اشتمل من ضمن ما اشتمل عليه:

- تشكيل الحركات والتنظيمات الإرهابية السرية المسلحة.
- إقامة الهيئات والمؤسسات المالية البنكية / المصرفية اليهودية للمستعمرات والصندوق القومي اليهودي (1901).
- إقامة الهيئات والمؤسسات الإعلامية الفعالة.
- إقامة الهيئات واللجان المعنية بالاتصالات وإقامة العلاقات ما بين الحركة الصهيونية والدول- إلى الحاضنات الغربية لها".

وعلى الأرض العربية الفلسطينية شرعت الحركة والتنظيمات الإرهابية الصهيونية بتطبيق ركائزها الاستراتيجية الأساسية المشار إليها، وشرعت بإجراءات:

1- تهجير واستقدام واستقطاب أكبر عدد من يهود العالم في فلسطين، الأمر الذي يعني ضمنا اقتلاع وترحيل العرب أهل البلاد.
2- الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأرض العربية في فلسطين الأمر الذي يعني أيضاً سلبها من أصحابها العرب.
3- تحقيق الأمن الشامل للوجود اليهودي في فلسطين – الأمر الذي يعني بناء تنظيمات وقوات ووحدات حربية وإرهابية صهيونية نقوم بإرهاب وترويع وتشريد العرب.

إذن نقف في الاستخلاص المكثف هنا أمام حقيقة سافرة، وهي أن تلك الدولة الصهيونية قد تم صناعتها واختراعها عبر ذرائع وأساطير مزيفة مضللة حملتها الحاضنات الغربية للحركة والدولة الصهيونية. وإذا ما أضفنا لذلك سياسات التطهير العرقي والاقتلاع والترحيل الجماعي لعرب فلسطين، فإننا يمكن أن نكثف المشهد بالتوكيد: "أن الحركة الصهيونية بتفريخاتها التنظيمية الإرهابية وبغطائها الاستعماري البريطاني على نحو حصري، قد سطت على الوطن العربي الفلسطيني سطوا مسلحا مجازريا إباديا ترانسفيريا في وضح النهار.. هكذا اخترعت وأقيمت إسرائيل!

التعليقات