مُنشد الثورة الفلسطينية يغــــــــــادرنـا: ترجّل مع مواله الأخير بعدما ترجلت ثورته التي أنشد لها ستة عقود

| توفيق عبد الفتاح | رحل أبو عرب وسط الحسرة واللوعة بين الركام ودوي المدافع،وبين أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب السوري الفلسطيني، رحيل مدو وسط سوريا،رحل منشد الثورة كما وداعة حضوره، دون أنات وعنات المرض الذي هالكه، غادرنا بصمت الطفولة دون أنين وضجيج، بل اختار الموت والرحيل على طريقته الثورية بعدما انحسرت ثورته، لكن موته المنتظر وهو يصارع المرض لم يسكت روحه القابعة بالجسد المتهالك، ولم يمنعه النزع الأخير على فراش الموت من قول الموال الأخير بل ربما الرسالة الأخيرة.. أبى جبروت الموت إلا أن يغيب هذا الأسبوع أحد إعلام الثورة الفلسطينية جبارًا فلسطينيا حمل الهم والحلم والجرح مدة ستة عقود وأكثر حيث ترجّل فارس الأغنية الشعبية الثورية "أبو عرب"،دون أن تتوقف نبضات روحه الوثابة وهو يتجاسر على حنجرته وعلى روحه ويغني على فراش الموت في مستشفى (بيسان) في مخيم العائدين لحنه الأخير- ليس بعيدا عن النار التي تحترق بها سوريا "الوطن" بل وسط نارها التي كان يستشعرها تصلي وتكوي أعماقه وتحترق بها أحلامه.. رحل ونحن نستشعر نبضات روحه في بواطن اللحن المغروس في وجدان الأرض،استل سيف الأغنية من نزف وعمق الجرح، ورسم تضاريس الوطن لوحات وكتب الوطن قصائد، استنبطها من الجرح والوجع الفلسطيني والنزف المستديم على أمل العودة..لكنها بقيت تحترق بين اللوعة والحسرة. زيارة أبو عرب التاريخية للوطن.. قريب عائلة أبو عرب محمود نصار والذي فتح بيته لتقبل العزاء في بيته بعرابة البطوف استعرض لقاءه الأخير عام 2012 في شوارع الحي الذي سكنه أبو عرب في عرابة البطوف مدة ثلاثة شهور بعد النكبة، وقال: ضمن زياراته التاريخية بعد تهجير دام 64 عامًا عاد أبو عرب في العام 2012 عودة مؤقتة طالما حلم وشعبنا الفلسطيني بها كحق مقدس لا يسقط بالتقادم من حقوق الشعب الفلسطيني ببلاده فلسطين التاريخية. الفنان الوطني الفلسطيني المهجّر محمد صالح علي - أبو عرب زار قرية عرابة البطوف، وزيارة بيته الذي عاش فيه إبان نكبة شعبنا الفلسطيني وقبل تهجيره إلى خارج البلاد وتنقله في مخيمات اللاجئين، حيث سكن وعائلته في بيت أقارب له بعرابة عام 1948 وكان في السابعة عشرة من عمره يومها وتعلّم في مدرستها. وطلب أبو عرب من المستقبلين له إعداد وجبة "العكوب" حيث اشتاق لها ولطعمها، ولأنه سمع تكرارا على تميّز أهل عرابة في طهوها، فيما استقبلته العائلة على وقع الأهازيج الفلسطينية وعلى أمل الرجوع، ورجوع كافة اللاجئين إلى قراهم المهجّرة. وتابع نصار"انتقلنا مع أبو عرب والحضور إلى مركز التأهيل في عرابة لتناول العكوب مع الحضور، ومن ثم ألقى ابو عرب كلمة قال فيها: " عرابة بلد عزيز على قلبي ومنكم استوحيت عددا من القصائد وفيها الذكريات وأراها شعلة التمسّك بالأرض ويوم الأرض، وكلنا نفتخر بكم أهلا ووطنا". واضاف نصار أذكر جيدا وانا كنت أصغرهم سنا بأننا لعبنا سويا انا "وابو عرب وناجي العلي" في حينا بعرابة البطوف. محطة أخرى في كفر كنا.. في نفس الزيارة كان لأبو عرب محطة أخرى في كفر كنا ببيت رئيس حزب التجمع الوطني واصل طه لتتحول إلى ليلة فلسطينية ممزوجة بالمرح والأسى وقد تهافت العشرات من الأهالي بعضهم دون دعوة للقاء منشد الثورة ابو عرب بعد أربعة وستين عامًا من الغياب فكيف لا يغني في كفر كنا التي حضرت في أغانيه في المنفى . رافقه على العود كل من الأساتذة موفق وفؤاد عبد الفتاح وغنى سويا مع الفنانة النصراوية سلام أبو آمنة ولبيب بدارنة وصالح العلي سهرة العمر الحزين بل اعتبرها بعض الحضور أنها حملت غصة عميقة بمثابة تتويج لمسيرة دامية حملت المر والوجع أكثر من أي شيء آخر، وهكذا اعتبر الموسيقي فؤاد عبد الفتاح أن أبا عرب طغت على حركاته وأحاديثه روح الفكاهة والدعابة التي حملت عمق الحسرة والوجع الإنساني وأخفت وراءها جرحًا لم يندمل، بل بدا عليه بتعليقاته الساخرة من شكل عودته بل زيارته الحزينة لوطنه بعد ضياع بوصلة القيادة الفلسطينية والوضع العربي عامة. حول الفن الشعبي ورسالة أبو عرب قال عبد الفتاح "علينا ألا نستهين بالفن الشعبي لا سيما وأنه يمثل أصالة الهوية لأي شعب وهو يحمل في طياته الموروث الاجتماعي الإنساني والنفسي والوجداني العميق وليس هذا فحسب، بل هو الحامي والواقي لعنصر هام وأساسي في مركبات الهوية ،وأبو عرب هو بمثابة الأيقونة بعدما اتخذ من فنه الشعبي الذي طوعه بالكلمة واللحن والأداء الرزين رسالة حملت قيم العطاء والتضحية والكلمة الثائرة ببعدها الإنساني المرهف وبذلك أعتقد أن أبا عرب شكل بفنه مدرسة خاصة بالصوت المتفرد والكلمة الصادقة الجارحة والأداء الرزين والرصين، وأضاف عبد الفتاح" كان من اللافت أنه حافظ على خامة صوته المميز رغم تقدمه بالسن وكذلك الصدق المشحون بالأسى والمرارة لكني قرأت بملامحه وصوته ذلك الأسى الذي يحمل بين طياته تاريخًا من المآسي التي مرت بمحطات دامية منذ تهجيره من بلدته السجرة عام 48 بعد استشهاد والده مرورا بتهجيره الى كفر كنا وعرابة الى مخيمات اللجوء في لبنان و اجتياح لبنان عام 1982 واستشهاد نجله هناك والانتقال إلى سوريا، وبالتالي بقي حاملاً للحلم الفلسطيني حتى وفاته، وأضاف عبد الفتاح أن أكثر ما آلمني هي القصيدة المغناة لأبو عرب وهو الاب الثاكل لقضيته ولولده عندما نشد أنشودته الأكثر حزنا وهو يبحث مدة اسبوع عن جثة ولده الشهيد الذي استشهد في اجتياح لبنان عام 1982،لكن على الشعب الفلسطيني أن يتواصل مع روحه وإرثه العريق بعد أن غيب جسده ليبقى منارة على طريق الأحرار رغم بؤس الزمن. أبو عرب: في مقابلة خاصة لعـ48ــرب إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني عن العودة قال أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد".. ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني".. عزمي بشارة دفع ثمنا باهظا لحبه لشعبه وقضيته ولـ عرب الـ48 منزلة خاصة في نفسه، فهو ابن الجليل جغرافيا، وإن كان ينتمي إلى كل فلسطين تاريخيا من أقصاها إلى أقصاها. وللمفكر د.عزمي بشارة تحديدا، والذي التقاه أكثر من مرة، مكانة خاصة في قلبه. حيث يقول: "عزمي هو صديق، وهو مناضل وقائد ومفكر أصيل، وهو من خيرة المناضلين الفلسطينيين وخصوصا داخل الأرض المحتلة عام 48، وقد دفع ثمنا باهظا ثمن حبه لشعبه وقضية هذا الشعب، في المقابل هناك بعض القيادات تحاول بيع قضايا الشعب الفلسطيني بأبخس الأثمان". لم استلم جثة ابني الشهيد تاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في (عين عطا) في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. قام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات". ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم أستلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال. أجريت عدة اتصالات مع شخصيات رسمية لبنانية وقيادات فصائل فلسطينية لمعرفة مكان دفنه، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وبعد اتصالات مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أرشدني إلى مكان دفنه، وزرت الضريح وتعرفت على موقعه". مقابلة خاصة لموقع عـ48ــرب عام 2009/ أجراها هاشم حمدان بطاقة هوية: إبراهيم محمد صالح المعروف بـ (أبو عرب) (1931 - 2014) هو شاعر ومنشد الثورة الفلسطينية الكبرى ولد أبو عرب في قرية السجرة (الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي الناصرة وطبرية)، قضاء طبرية في فلسطين سنة 1931، وهي أيضا قرية رسام الكاريكاتير ناجي العلي المغتال في 1987. بعد تهجير القرية عام النكبة 1948 لجأ إلى قرية كفر كنا ليبقى قريبًا من والده الذي مكث في مستشفى الإنجليزي في الناصرة بعد إصابته بالرصاص في إحدى معارك الشجرة. بعدها بدأت قوات العصابات الصهيونية بالتحقيق بوجود شخصيات من الشجرة ولوبية وعرب الصبيح في القرية، بعد مقتل 151 شخصًا من المنظمات الصهيونية في معركة لوبية، والتي شارك بها عدد كبير من المقاتلين من القرى المجاورة، من بينها لوبية نفسها والشجرة وعرب الصبيح، أساسا، بالإضافة إلى كفركنا والرينة وسخنين وعرابة والناصرة. فنزح أبو عرب إلى قرية عرابة البطوف ومكث فيها مدة شهرين ليتوجه بعدها إلى لبنان ثم إلى سوريا وتونس ومخيمات الشتات في العالم. قُتِل والده عام 1948 خلال اجتياح الميليشيات الصهيونية لفلسطين، وقُتِل ولده عام 1982 خلال اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان. وشهد في طفولته انطلاقة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني والتي كرس لها جده أشعاره كافة للإشادة بالثورة ولتشجيع أفرادها، ولتحريض الشعب ضد المحتل البريطاني. واشتهر أبو عرب بأغانيه الثورية والوطنية التي طالما تغنى بها الفلسطينيون في مناسباتهم الوطنية، وقد قدم نحو 300 أغنية وقصيدة خلال مسيرته الفنية الطويلة، منها: من سجن عكا، والعيد، والشهيد، ودلعونا، ويا بلادي، ويا موج البحر، وهدي يا بحر هدي، ويا ظريف الطول، وأغاني العتابا والمواويل. أسس فرقته الأولى في الأردن سنة 1980 وسميت بـ فرقة فلسطين للتراث الشعبي، وكانت تتألف من 14 فناناً. وبعد مقتل الفنان ناجي العلي، وهو أحد أقارب أبوعرب، تم تغيير اسم الفرقة إلى فرقة ناجي العلي. ورحل أبو عرب مساء الأحد الماضي 2/3/2014 في مستشفى بيسان بمخيم العائدين في حمص، وشُيع جثمانه في المخيم بجنازة مهيبة ودُفن في المخيم. أبو عرب: في مقابلة خاصة لعـ48ــرب إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني عن العودة قال أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد".. ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني".. عزمي بشارة دفع ثمنا باهظا لحبه لشعبه وقضيته ولـ عرب الـ48 منزلة خاصة في نفسه، فهو ابن الجليل جغرافيا، وإن كان ينتمي إلى كل فلسطين تاريخيا من أقصاها إلى أقصاها. وللمفكر د.عزمي بشارة تحديدا، والذي التقاه أكثر من مرة، مكانة خاصة في قلبه. حيث يقول: "عزمي هو صديق، وهو مناضل وقائد ومفكر أصيل، وهو من خيرة المناضلين الفلسطينيين وخصوصا داخل الأرض المحتلة عام 48، وقد دفع ثمنا باهظا ثمن حبه لشعبه وقضية هذا الشعب، في المقابل هناك بعض القيادات تحاول بيع قضايا الشعب الفلسطيني بأبخس الأثمان". لم استلم جثة ابني الشهيد تاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في (عين عطا) في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. قام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات". ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم أستلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال. أجريت عدة اتصالات مع شخصيات رسمية لبنانية وقيادات فصائل فلسطينية لمعرفة مكان دفنه، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وبعد اتصالات مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أرشدني إلى مكان دفنه، وزرت الضريح وتعرفت على موقعه". مقابلة خاصة لموقع عـ48ــرب عام 2009/ أجراها هاشم حمدان

مُنشد الثورة الفلسطينية يغــــــــــادرنـا: ترجّل مع مواله الأخير بعدما ترجلت ثورته التي أنشد لها ستة عقود

 | توفيق عبد الفتاح |  
رحل أبو عرب وسط الحسرة واللوعة بين الركام ودوي المدافع،وبين أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب السوري الفلسطيني، رحيل مدو وسط سوريا،رحل منشد الثورة كما وداعة حضوره، دون أنات وعنات المرض الذي هالكه، غادرنا بصمت الطفولة دون أنين وضجيج، بل اختار الموت والرحيل على طريقته الثورية بعدما انحسرت ثورته، لكن موته المنتظر وهو يصارع المرض لم يسكت روحه القابعة بالجسد المتهالك، ولم يمنعه النزع الأخير على فراش الموت من قول الموال الأخير بل ربما الرسالة الأخيرة..

أبى جبروت الموت إلا أن يغيب  هذا الأسبوع أحد إعلام الثورة الفلسطينية جبارًا فلسطينيا حمل الهم والحلم والجرح مدة ستة عقود وأكثر حيث ترجّل فارس الأغنية الشعبية الثورية "أبو عرب"،دون أن تتوقف نبضات روحه الوثابة وهو يتجاسر على حنجرته وعلى روحه ويغني على فراش الموت في مستشفى (بيسان) في مخيم العائدين لحنه الأخير- ليس بعيدا عن النار التي  تحترق بها سوريا "الوطن" بل وسط نارها التي كان يستشعرها تصلي وتكوي أعماقه وتحترق بها أحلامه..
رحل ونحن نستشعر نبضات روحه في بواطن اللحن المغروس في وجدان الأرض،استل سيف الأغنية من نزف وعمق الجرح، ورسم تضاريس الوطن لوحات وكتب الوطن قصائد، استنبطها من الجرح والوجع الفلسطيني والنزف المستديم على أمل العودة..لكنها بقيت تحترق بين اللوعة والحسرة.

زيارة أبو عرب التاريخية للوطن..

قريب عائلة أبو عرب محمود نصار والذي فتح بيته لتقبل العزاء في بيته بعرابة البطوف استعرض لقاءه الأخير عام 2012 في شوارع الحي الذي سكنه أبو عرب في عرابة البطوف مدة ثلاثة شهور بعد النكبة، وقال:
ضمن زياراته التاريخية بعد تهجير دام 64 عامًا عاد أبو عرب في العام 2012 عودة مؤقتة طالما حلم وشعبنا الفلسطيني بها كحق مقدس لا يسقط بالتقادم من حقوق الشعب الفلسطيني  ببلاده فلسطين التاريخية.
الفنان الوطني الفلسطيني المهجّر محمد صالح علي -  أبو عرب زار قرية عرابة البطوف، وزيارة بيته الذي عاش فيه إبان نكبة شعبنا الفلسطيني وقبل تهجيره إلى خارج البلاد وتنقله  في مخيمات اللاجئين، حيث سكن وعائلته في بيت أقارب له بعرابة عام 1948 وكان في السابعة عشرة من عمره يومها وتعلّم في مدرستها.
وطلب أبو عرب من المستقبلين له إعداد وجبة "العكوب" حيث اشتاق لها ولطعمها، ولأنه سمع تكرارا على تميّز أهل عرابة في طهوها، فيما استقبلته العائلة على وقع الأهازيج الفلسطينية وعلى أمل الرجوع، ورجوع كافة اللاجئين إلى قراهم المهجّرة. 
وتابع نصار"انتقلنا مع أبو عرب والحضور إلى مركز التأهيل في عرابة لتناول العكوب مع الحضور، ومن ثم ألقى ابو عرب كلمة قال فيها: " عرابة بلد عزيز على قلبي ومنكم استوحيت عددا من القصائد وفيها الذكريات وأراها شعلة التمسّك بالأرض ويوم الأرض، وكلنا نفتخر بكم أهلا ووطنا".
واضاف نصار أذكر جيدا وانا كنت أصغرهم سنا بأننا لعبنا سويا انا "وابو عرب وناجي العلي"  في حينا بعرابة البطوف.

محطة أخرى  في كفر كنا..

في نفس الزيارة كان لأبو عرب محطة أخرى في كفر كنا ببيت رئيس حزب التجمع الوطني واصل طه لتتحول إلى ليلة  فلسطينية ممزوجة بالمرح والأسى وقد تهافت العشرات من الأهالي بعضهم دون دعوة للقاء منشد الثورة ابو عرب بعد أربعة وستين عامًا من الغياب فكيف لا يغني في كفر كنا التي حضرت في أغانيه في المنفى .
رافقه على العود كل من الأساتذة موفق وفؤاد عبد الفتاح وغنى سويا مع الفنانة النصراوية سلام أبو آمنة ولبيب بدارنة وصالح العلي سهرة العمر الحزين بل اعتبرها بعض الحضور أنها حملت غصة عميقة بمثابة تتويج لمسيرة دامية حملت المر والوجع أكثر من أي شيء آخر، وهكذا اعتبر الموسيقي فؤاد عبد الفتاح أن أبا عرب طغت على حركاته وأحاديثه روح الفكاهة والدعابة التي حملت عمق الحسرة والوجع الإنساني وأخفت  وراءها جرحًا لم يندمل، بل بدا عليه بتعليقاته الساخرة من شكل عودته بل زيارته الحزينة لوطنه بعد ضياع بوصلة القيادة الفلسطينية والوضع العربي عامة.
حول الفن الشعبي ورسالة أبو عرب قال عبد الفتاح "علينا ألا نستهين بالفن الشعبي لا سيما وأنه يمثل أصالة الهوية لأي شعب وهو يحمل في طياته الموروث الاجتماعي الإنساني والنفسي والوجداني العميق وليس هذا فحسب، بل هو الحامي والواقي لعنصر هام وأساسي في مركبات الهوية ،وأبو عرب هو بمثابة الأيقونة بعدما اتخذ من فنه الشعبي الذي طوعه بالكلمة واللحن والأداء الرزين رسالة حملت قيم العطاء والتضحية والكلمة الثائرة ببعدها الإنساني المرهف وبذلك أعتقد أن أبا عرب شكل بفنه مدرسة خاصة بالصوت المتفرد والكلمة الصادقة الجارحة والأداء الرزين والرصين، وأضاف عبد الفتاح" كان من اللافت أنه حافظ على خامة صوته المميز رغم تقدمه بالسن وكذلك الصدق المشحون بالأسى والمرارة لكني قرأت بملامحه وصوته ذلك الأسى الذي يحمل بين طياته تاريخًا من المآسي التي مرت  بمحطات دامية منذ تهجيره من بلدته السجرة عام 48 بعد استشهاد والده مرورا بتهجيره الى كفر كنا وعرابة الى مخيمات اللجوء في لبنان و اجتياح لبنان عام 1982 واستشهاد نجله هناك والانتقال إلى سوريا، وبالتالي بقي حاملاً للحلم الفلسطيني حتى وفاته، وأضاف عبد الفتاح أن أكثر ما آلمني هي القصيدة المغناة لأبو عرب  وهو الاب الثاكل لقضيته ولولده عندما نشد أنشودته الأكثر حزنا وهو يبحث مدة اسبوع عن جثة ولده الشهيد الذي استشهد في اجتياح لبنان عام 1982،لكن على الشعب الفلسطيني أن يتواصل مع روحه وإرثه العريق بعد أن غيب جسده ليبقى منارة على طريق الأحرار رغم بؤس الزمن.

أبو عرب: في مقابلة خاصة لعـ48ــرب
إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني

عن العودة قال أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد"..
ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني"..

عزمي بشارة دفع ثمنا باهظا لحبه لشعبه وقضيته
ولـ عرب الـ48 منزلة خاصة في نفسه، فهو ابن الجليل جغرافيا، وإن كان ينتمي إلى كل فلسطين تاريخيا من أقصاها إلى أقصاها. وللمفكر د.عزمي بشارة تحديدا، والذي التقاه أكثر من مرة، مكانة خاصة في قلبه. حيث يقول: "عزمي هو صديق، وهو مناضل وقائد ومفكر أصيل، وهو من خيرة المناضلين الفلسطينيين وخصوصا داخل الأرض المحتلة عام 48، وقد دفع ثمنا باهظا ثمن حبه لشعبه وقضية هذا الشعب، في المقابل هناك بعض القيادات تحاول بيع قضايا الشعب الفلسطيني بأبخس الأثمان".

لم استلم جثة ابني الشهيد
تاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في (عين عطا) في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. قام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات".
ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم أستلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال. أجريت عدة اتصالات مع شخصيات رسمية لبنانية وقيادات فصائل فلسطينية لمعرفة مكان دفنه، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وبعد اتصالات مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أرشدني إلى مكان دفنه، وزرت الضريح وتعرفت على موقعه".


مقابلة خاصة لموقع عـ48ــرب عام 2009/ أجراها هاشم حمدان
بطاقة هوية:
إبراهيم محمد صالح المعروف بـ (أبو عرب) (1931 - 2014) هو شاعر ومنشد الثورة الفلسطينية الكبرى
ولد أبو عرب في قرية السجرة (الواقعة في منتصف الطريق بين مدينتي الناصرة وطبرية)، قضاء طبرية في فلسطين سنة 1931، وهي أيضا قرية رسام الكاريكاتير ناجي العلي المغتال في 1987.
بعد تهجير القرية عام النكبة 1948 لجأ إلى قرية كفر كنا ليبقى قريبًا من والده الذي مكث في مستشفى الإنجليزي في الناصرة بعد إصابته بالرصاص في إحدى معارك الشجرة. بعدها بدأت قوات العصابات الصهيونية بالتحقيق بوجود شخصيات من الشجرة ولوبية وعرب الصبيح في القرية، بعد مقتل 151 شخصًا من المنظمات الصهيونية في معركة لوبية، والتي شارك بها عدد كبير من المقاتلين من القرى المجاورة، من بينها لوبية نفسها والشجرة وعرب الصبيح، أساسا، بالإضافة إلى كفركنا والرينة وسخنين وعرابة والناصرة. فنزح أبو عرب إلى قرية عرابة البطوف ومكث فيها مدة شهرين ليتوجه بعدها إلى لبنان ثم إلى سوريا وتونس ومخيمات الشتات في العالم.
قُتِل والده عام 1948 خلال اجتياح الميليشيات الصهيونية لفلسطين، وقُتِل ولده عام 1982 خلال اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان.
وشهد في طفولته انطلاقة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ضد الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني والتي كرس لها جده أشعاره كافة للإشادة بالثورة ولتشجيع أفرادها، ولتحريض الشعب ضد المحتل البريطاني.
واشتهر أبو عرب بأغانيه الثورية والوطنية التي طالما تغنى بها الفلسطينيون في مناسباتهم الوطنية، وقد قدم نحو 300 أغنية وقصيدة خلال مسيرته الفنية الطويلة، منها: من سجن عكا، والعيد، والشهيد، ودلعونا، ويا بلادي، ويا موج البحر، وهدي يا بحر هدي، ويا ظريف الطول، وأغاني العتابا والمواويل.
أسس فرقته الأولى في الأردن سنة 1980 وسميت بـ فرقة فلسطين للتراث الشعبي، وكانت تتألف من 14 فناناً. وبعد مقتل الفنان ناجي العلي، وهو أحد أقارب أبوعرب، تم تغيير اسم الفرقة إلى فرقة ناجي العلي. ورحل أبو عرب مساء الأحد الماضي 2/3/2014 في مستشفى بيسان بمخيم العائدين في حمص، وشُيع جثمانه في المخيم بجنازة مهيبة ودُفن في المخيم.

أبو عرب: في مقابلة خاصة لعـ48ــرب
إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني
عن العودة قال أبو عرب: "كنا على ثقة تامة بأننا سنعود إلى البيت في الشجرة خلال فترة قصيرة.. البيت كان مغلقا والمفتاح معنا.. كنا نتسلل ليلا إلى البيت لإحضار بعض الأغراض اللازمة.. بعد انطلاقة الثورة تجدد الأمل بالعودة.. إلا أن أوسلو صدمتنا أكثر من صدمة أنور السادات في كامب ديفيد"..
ويضيف: "ذات مرة صرح بورقيبة بوجوب العودة إلى قرار التقسيم، وعندها اندلعت المظاهرات من مراكش إلى بغداد.. أما اليوم، ومع الأسف، تجد أناسا من دمك ولحمك يقولون بالحرف الواحد إنه لا يمكن عودة جميع اللاجئين.. وهنا أؤكد أن الأمل بالعودة راسخ في ضمائرنا وقلوبنا.. إذا لم أعد أنا سيعود ابني، وإذا لم يعد ابني سيعود ابن ابني"..
عزمي بشارة دفع ثمنا باهظا لحبه لشعبه وقضيته
ولـ عرب الـ48 منزلة خاصة في نفسه، فهو ابن الجليل جغرافيا، وإن كان ينتمي إلى كل فلسطين تاريخيا من أقصاها إلى أقصاها. وللمفكر د.عزمي بشارة تحديدا، والذي التقاه أكثر من مرة، مكانة خاصة في قلبه. حيث يقول: "عزمي هو صديق، وهو مناضل وقائد ومفكر أصيل، وهو من خيرة المناضلين الفلسطينيين وخصوصا داخل الأرض المحتلة عام 48، وقد دفع ثمنا باهظا ثمن حبه لشعبه وقضية هذا الشعب، في المقابل هناك بعض القيادات تحاول بيع قضايا الشعب الفلسطيني بأبخس الأثمان".
لم استلم جثة ابني الشهيد

تاريخ 06/09/1982، استشهد ابنه الثاني معن، وهو خريج كلية الهندسة، وكان قد خدم في الجيش السوري برتبة مساعد ضابط، مع 6 آخرين، وذلك بعد أن انضم إلى صفوف المقاومة الفلسطينية وتطوع مع حركة "فتح" خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان. وعن ذلك يقول إن ابنه قد نال شرف الشهادة في (عين عطا) في جنوب لبنان، ودفن مع شهداء آخرين في قبر جماعي في عين عطا. قام بدفنهم "أبو إلياس" من قرية عين حرشا، وهو من الحزب القومي السوري الاجتماعي، بعد أن قرأ عليهم "الفاتحة" و"أبانا الذي في السموات".
ويضيف أبو عرب: "لقد حز في نفسي أنني لم أستلم جثة ابني، حيث كنت محاصرا في بيروت، ولم يرشدني أحد إلى ضريحه. كما علمت من الذين شاركوهم في القتال أن ذخيرتهم نفذت لأن قائدهم لم يزودهم بما يكفي للقتال. أجريت عدة اتصالات مع شخصيات رسمية لبنانية وقيادات فصائل فلسطينية لمعرفة مكان دفنه، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. وبعد اتصالات مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أرشدني إلى مكان دفنه، وزرت الضريح وتعرفت على موقعه".
مقابلة خاصة لموقع عـ48ــرب عام 2009/ أجراها هاشم حمدان
 

التعليقات