مصانع عطروت... استيطان برائحة الموت

وتضم المستوطنة مصانع لتدوير النفايات، وتكرير المياه العادمة، ومصانع للزجاج وفحص مواد البناء ومصنع مواد كيماوية، وغيرها. وتشير خرائط "جوجل مابس" إلى أن مصنعي النفايات وتكرير المياه العادمة، قريبان من بعض المناطق السكنية شمال مدينة القدس،

مصانع عطروت... استيطان برائحة الموت

الأحياء الفلسطينية المتاخمة لمستوطنة عطروت (أ.ف.ب 2011)

لا يقتصر الاستيطان في مدينة القدس المحتلة على مصادرة أراضي الفلسطينيين، بل يطال الهواء الذي يستنشقونه، بفعل مخلفات المصانع المقامة على بعد أمتار قليلة من منازلهم في مستوطنة "عطروت" شرق القدس.

وتضم المستوطنة مصانع لتدوير النفايات، وتكرير المياه العادمة، ومصانع للزجاج وفحص مواد البناء ومصنع مواد كيماوية، وغيرها.

وتشير خرائط "جوجل مابس" إلى أن مصنعي النفايات وتكرير المياه العادمة، قريبان من بعض المناطق السكنية شمال مدينة القدس، لمسافات لا تزيد عن عشرات الأمتار.

وأقرب تلك المناطق حيّ الهجرة، وبلدة الرام، وحيّ الضاحية، والجزء الشمالي من بلدة بيت حنينا.

بينما تبلغ المسافة بين "عطروت" وأقرب مستوطنة لها 6 كيلومترات، وهي مستوطنة "النبي يعقوب”.

وتشكّل مخلفات المصانع والروائح الكريهة الناتجة عنها أضرارا صحية كبيرة على الفلسطينيين في الأحياء والبلدات القريبة من المستوطنة، حيث أصيب العديد منهم بأمراض مختلفة.

كما حذر أطباء من إمكانية إصابة السكان بأنواع من الحساسية وأمراض تصيب الجلد ومناطق أخرى من الجسم، إضافة إلى أن التعرض لها لفترات طويلة قد يؤدي للإصابة بأمراض مزمنة (بعيدة المدى)، كالسرطان.

على الرغم من احتجاجات واعتراضات الفلسطينيين على مصانع "عطروت"، أعلن وزير القدس في الحكومة الإسرائيلية زئيف ألكين ورئيس بلدية القدس نير بركات، مؤخرا، عن مشروع جديد في مستوطنة عطروت، يضم 12 مصنعا ستقام على مساحة 100 دونم (الدونم يعادل 1000 متر مربع).

ويشكّل مصنع النفايات "جرين نت"، الذي تملك بلدية القدس الإسرائيلية أسهما فيه، ومصنع لتكرير المياه العادمة (خاص) ضررا كبيرا على السكان.

وتقول بلدية القدس الإسرائيلية، إن مصنع النفايات في عطروت المقام على 160 دونما من أراضي الفلسطينيين المصادرة من قريتي قلنديا وبيرنبالا، هو أحد أكبر مصانع تدوير النفايات في إسرائيل.

وأشارت إلى أن أكثر من ثلثي نفايات مدينة القدس، البالغ عدد سكانها أكثر من 850 ألف نسمة، من إسرائيليين وفلسطينيين، تتم معالجتها في ذلك المصنع.

وادعت البلدية، خلال فترة إنشائه أنه صديقٌ للبيئة، وأنه "يخضع لمعايير وزارة البيئة"، إلا أن خبراء صحة وبيئة أكدوا أنه يتسبب بأمراض متعلقة بالربو والتنفس.

ورفضت اللجنة المحلية للتنظيم والبناء التابعة لبلدية القدس عشرات الاعتراضات على إقامة مصنعي النفايات، وتكرير المياه العادمة، بحسب المهندس زياد زغير، أحد المتابعين للقضية على المستوى القانوني، والذي يسكن في حيّ محاذ لمستوطنة "عطروت”.

وأضاف زغير: "توجهنا إلى بلدية القدس الإسرائيلية، وحاولنا الإثبات لهم من خلال مستشارين في البيئة والتلوث، الأضرار الناجمة عن هذه المصانع القريبة جدا من المناطق السكنية”.

وتابع: "القانون الإسرائيلي ينص على أنه يجب أن تكون هذه المصانع بعيدة عن المناطق السكنية 500 متر هوائي على الأقل”.

وأشار زغير إلى أنه تم رصد عدد كبير من الإصابات بالربو، وضيق التنفس، وأمراض أخرى بسبب مخلفات هذه المصانع، خاصة بين كبار السنّ.

وتزداد معاناة السكان من الروائح الكريهة التي تخلفها مصانع "عطروت" خلال فصل الصيف، كما أنها تؤدي لانتشار أنواع مختلفة من الحشرات، عدا عن عدم تمكن السكان من فتح نوافذ منازلهم، بحسب زغير.

وأضاف: "خبراء البيئة أكدوا أن انبعاث الروائح بشكل كبير دون معالجتها، يُعد استهتارا بحياة الفلسطينيين في القدس”.

وبحكم قرب مكان سكنه من "عطروت" أشار زغير إلى أن "المواد الناتجة عن عمل هذه المصانع، الروائح المنتشرة يُمكن أن تتسبب بأعراض مباشرة مثل الصداع، ضيق التنفس، والغثيان، الإجهاد النفسي، وذلك حسب الغاز المنبثق”.

ونتيجة للمخاطر الصحية والبيئة التي تشكلها مصانع المستوطنة، فقد انخفضت أسعار العقارات في المناطق القريبة منها بشكل ملموس، وخسرت الشقق فيها الكثير من قيمتها، وفق زغير.

ويقول عامر ازحيمان أحد سكان المنطقة، الذي يعمل في مطعم يبعد نحو 200 متر عن مصنع النفايات: "منذ إنشاء المصنع قبل نحو عامين في المنطقة، أعاني وعائلتي بشدة من الرائحة الناتجة عن المصنع، بحيث نضطر لإغلاق جميع نوافذ المنزل حتى خلال الأيام شديدة الحرارة”.

ويضيف: "أصبحت أعاني من الرشح باستمرار وحساسية دائمة في صدري، أتناول الأدوية لأشعر بالراحة، الرائحة تكون بأوجها وقت الفجر”.

وقال ازحيمان إنه ملتزم بدفع ضريبة الأرنونة (ضريبة على العقارات تدفع سنويا للسلطات الإسرائيلية)، وعلى الرغم من ذلك لا يتم مراعاة شروط السلامة له ولعائلته.

وتعاني العديد من المؤسسات التربوية والصحية والاجتماعية، التي يعمل ويدرس فيها آلاف الفلسطينيين في المناطق القريبة من المستوطنة نتيجة مخلفات تلك المصانع، ومنها "معهد اليتيم العربي"، الذي يبعد نحو 300 مترا فقط عن مصنع النفايات.

وأشار معهد اليتيم في بيان، إلى أن بلدية القدس الإسرائيلية تتجاهل حقيقة أن طلبة المعهد مجبرون على "استنشاق أبخرة النفايات والرائحة الكريهة”.

وقال: "وفقا لأنظمة وزارة البيئة الإسرائيلية، فإن مكب نفايات كهذا يجب أن يكون على بعد لا يقل عن 500 متر عن المدرسة، إلا أن بعض المناطق لا يبعد المكان المذكور عن المدرسة أكثر من 125 مترا”.

ولفت البيان إلى أن مخلفات المصانع من تشكّل مخاطر صحية وبيئية قد تؤدي إلى أمراض وتلوث شديد في أوساط الطلاب والهيئة التدريسية، بحسب البيان.

وأقيمت مدرسة دار اليتيم العربي في قلنديا (أصبحت مستوطنة عطروت لاحقا) عام 1965، ويتعلم فيها 250 طالبا يقطن وينام بعضهم في المدرسة لكونهم أيتاما.

وإلى جانب المخاطر الصحية والبيئية لمصانع المستوطنة، شكّلت المصانع ضررا على الحركة الاقتصادية لبعض المحال التجارية القريبة منها، إضافة لإصابة العاملين فيها لأمراض صحية.

فأمجد، العامل في مغسلة للسيارات، ملاصقة لمصنع تكرير المياه العادمة، يقول إنه أصبح يشعر بصداع يومي، حتى "اعتاد عليه”.

ويضيف: "الأبخرة الناتجة عن المصنع تسبب روائح كريهة للغاية لا تتوقف مدة 24 ساعة يوميا”.

وبالإضافة إلى لذلك، فقد أمجد الكثير من زبائنه بسبب قرب المغسلة من مصنع المياه العادمة"، حسب قوله.

في حين قال صاحب محل لمواد البناء بالقرب من "عطروت"، إنه بالإضافة إلى الروائح التي يسببها مصنعا النفايات والمياه العادمة، فإن هناك مصنعا لفحص مواد البناء والحجارة، يتسبب أيضا بكميات هائلة من الغبار في المنطقة.

وأضاف: "مخلفات المصانع تسبب لنا أضرارا بالعين والجيوب الأنفية”.

التعليقات