هل ستُحقق حكومة اشتيّة المُصالحة الفلسطينيّة أم ستُعمّق الانقسام؟

اعتبر سياسيّون أن تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، محمد اشتية، بتشكيل حكومة من شأنها تعميق الانقسام الداخلي، بينما رأى آخرون أنها فرصة لتحقيق مصالحة وطنية

هل ستُحقق حكومة اشتيّة المُصالحة الفلسطينيّة أم ستُعمّق الانقسام؟

د. محمد اشتية

بعد أن كلّف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، د. محمد اشتية، بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، يوم الأحد الماضي، اعتبر سياسيّون أن هذه الخطوة من شأنها تعميق الانقسام الداخلي، بينما رأى آخرون أنها فرصة لتحقيق مصالحة وطنية، إذ يرى فريق أن حكومة اشتية "تتجاهل الأطراف الأخرى"، و"لن تخرج عن برنامج عباس"، و"لن تشمل قطاع غزة"، ما يمثل تعميقا لحالة الانقسام، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون "صفقة القرن والاحتلال الإسرائيلي"، فيما يرى فريق آخر أن الحكومة "سيكون فيها من الكفاءة ما يمكنها من تطبيق أولوياتها الوطنية الأولى، وهي إنهاء الانقسام"، وستبدأ هذا المسار "عبر الإعداد للانتخابات، والذهاب باتجاه الوحدة.

ونقلت وكالة "الأناضول" للأنباء، عن اشتية قوله إن مهمة حكومته هي "تحقيق الوحدة، وإنهاء الانقسام، ونستعيد غزة للشرعية الوطنية"، إلا أن حركة "حماس"، أعلنت رفضها "الاعتراف بالحكومة الجديدة"، واصفة إياها بـ"الانفصالية، كونها خارج حالة التوافق الوطني".

وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، في بيان، إن "الحكومة الجديدة هي وصفة عملية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وترسيخ الانقسام".

واعتبر برهوم أن تشكيل حكومة جديدة "دون توافق وطني هو سلوك تفرد وإقصاء وتهرب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة"، داعيًا إلى "تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة وشاملة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني)".

سياسات فردية

وقال الكاتب والخبير السياسي، طلال عوكل، إن "الساحة الفلسطينية مرتبكة إلى حدّ كبير، وليس فيها ما يشير إلى إمكانية تحقيق توافقات وطنية، سواء على مستوى المصالحة أو غيرها"، مبيّنًا أن "كل طرف من طرفي الانقسام، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، يتخذ الإجراءات والسياسات التي يراها مناسبة بشكل فردي".

وانتقد تشكيل حكومة جديدة برئاسة اشتية قائلا إن "هذا تشكيل سياسي يعني تعميق لحالة الانقسام مرة أخرى، وتجاهل الأطراف الأخرى، سواء حماس أو الجهاد الإسلامي أو من يرفض المشاركة في الحكومة من الفصائل الأخرى"، مُحذّرًا من أن هذه الخطوة تشكّل "تعقيدا جديدا في ما يتعلق بموضوع المصالحة الداخلية".

لكن تلك الخطوة، بحسب عوكل، لن تقود بالضرورة إلى حالة "الانفصال"، معتبرا الانفصال قضية "سياسية إستراتيجية"، ورأى أنه لا يوجد حل لذلك التعقيد الجديد إلا بـ"المصالحة والتوافقات الوطنية".

حكومة لـ"فتح"

وذكر الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، أن حكومة اشتية "ستكون حكومة لحركة فتح والضفة الغربية، ولن تشمل قطاع غزة".

ووصف إبراهيم حديثه للأناضول، الحكومة المقبلة بـ"حكومة الانقسام"، ورأى أنها "لن تخرج عن برنامج الرئيس عباس، لذلك لن تغيّر بشكل إيجابي في مجريات ما يحدث في الساحة الفلسطينية".

وأضاف أن "حكومة الوفاق الوطني، التي تأسست عام 2014 جاءت لتكريس الانقسام، وساهمت في تعقيد الوضع الفلسطيني الداخلي حينما طالبت حماس بتمكين الحكومة في غزة، لتنفيذ اتفاق المصالحة (الموقع في القاهرة عام 2017)".

وأشار إبراهيم إلى تواجُد "خلافات في الساحة الفلسطينية حول الحكومة المقبلة وظروف تشكيلها، في ظل وضع صعب تمر به القضية من تهديدات صفقة القرن والاحتلال الإسرائيلي"، محذّرًا من أن الحكومة المقبلة "يمكن أن تكون أسوأ من سابقتها؛ فهي لن تكون حكومة فصائلية بالمعنى الوطني".

وشدد إبراهيم على أن الحالة الفلسطينية بحاجة إلى حكومة "وحدة وطنية تلبي احتياجات الناس الوطنية، ضمن برنامج اقتصادي تنموي يعزز من صموده سواء في الضفة أو غزة".

حكومة أمر واقع

بدوره، وصف الكاتب السياسي إبراهيم المدهون، حكومة اشتية بـ"حكومة الأمر الواقع"، معتبرا أنها "غير دستورية"، لكنه رأى في الوقت نفسه أن "اشتية أمامه فرصة كي يقنع حماس بأنه عنصر حل وليس عنصر خلاف، من خلال فتح ملف المصالحة واتخاذ قرارات جريئة، خاصة ما يتعلق بملف موظفي غزة".

وأضاف المدهون: "اشتية رجل له بصمته، لاسيما في الجانب الاقتصادي، ويحمل رؤية فتحاوية خالصة... أتمنى أن يكون عنصر مصالحة ويكرس حكومته لخدمة غزة ويعالج آثام حكومة (رامي) الحمد الله".

واتخذت حكومة الحمد الله إجراءات تعتبرها حماس وفصائل أخرى سياسات عقابية تُضر بسكان غزة، أكثر من مليوني نسمة، الذين يعانون من حصار إسرائيلي مستمر منذ عام 2006، حين فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية.

ورأى المدهون أن تلك "الفرصة (على طريق المصالحة) لن تتكرر ولن تدوم طويلا"، خاصة وأن الحالة الفلسطينية "مضطربة وبحاجة إلى قرارات جديدة"، وشدد على أن "الطريق الأسهل أمام الفلسطينيين هو المصالحة والعمل المشترك والجهد المتكامل".

ورأى أنه "رغم تحفّظ وغضب حماس، إلا أن سلوك اشتية وقراراته المرتقبة قد تحوّل ذلك الغضب إلى رضا، في حال قدّم ما يرضى الفصائل الفلسطينية في غزة، خاصة حماس".

الأولوية... المُصالحة

بدوره، ذهب القيادي في "فتح"، يحيى رباح، إلى أن "الحكومة الجديدة سيكون فيها من الكفاءة ما يمكنها من تطبيق أولوياتها الوطنية الأولى، وهي إنهاء الانقسام".

وقال رباح إن "الحكومة الجديدة ستتولى العديد من المهام الكبيرة على طريق إسقاط صفقة القرن، ووقف التغول الإسرائيلي"، مضيفًا: "هذا الوضع يحتاج إلى وزراء جيدين قادرين على تأدية المهام المطلوبة منهم".

واعتبر أن تكليف اشتية هي "خطوة موفقة، فهو شخصية ذات خبرة واسعة وكفاءة مميزة، تجعله قادرا على تنفيذ مهامه بطريقة رائعة".

الانتخابات المقبلة

وقال الكاتب السياسي، عبد المجيد سويلم، أن الحكومة الجديدة "من المقرر أن تبدأ مرحلة إنهاء الانقسام، باعتبار أنها ستُكلّف بالإعداد والإشراف على الانتخابات (التشريعية)، والذهاب باتجاه الوحدة، في حال تعقّلت حماس"، مُعتبرًا أنه "في حال قبول حماس بالانتخابات المقبلة سيصبح الانقسام الداخلي منتهيا، وستحدد الانتخابات طرق إعادة بناء النظام الوطني الفلسطيني، وفق مبدأ الشراكة الوطنية".

واستبعد سويلم أن "تسير الحالة الفلسطينية إلى الأمام من دون إنهاء الانقسام.. استمرار الانقسام سيؤدي إما إلى حالة من التراجع أو سيراوح الوضع الفلسطيني مكانه"، مضيفًا أن "الحل هو إنهاء الانقسام والذهاب إلى شراكة وطنية، والتوافق على إعادة بناء النظام وفق مبدأ النسبية الكاملة، ما يعني مشاركة كل الفصائل في السلطة، ولاحقا في منظمة التحرير وفق قوتها ووزنها الحقيقييْن".

واعتبر سويلم أن رفض بعض الفصائل، وبينها "حماس"، المشاركة في الحكومة الجديدة هو "موقف غير صحيح، وتعطيلي بالدرجة الأولى، فمن الخطأ استخدام الفيتو في الشراكة الوطنية.

التعليقات