انفجارا غزة: استنفار وترقب لنتائج التحقيق

في ظل أجواء من التوتر والترقب، يشهد قطاع غزة "حالة استنفار"، اليوم الأربعاء، بعد تفجيرين أوديا بحياة ثلاثة شرطيين ينتمون أيضا إلى كتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس".

انفجارا غزة: استنفار وترقب لنتائج التحقيق

(الأناضول)

في ظل أجواء من التوتر والترقب، يشهد قطاع غزة "حالة استنفار"، اليوم الأربعاء، بعد تفجيرين أوديا بحياة ثلاثة شرطيين ينتمون أيضا إلى كتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس".

وأثار التفجيران المخاوف من عودة نشاط الجماعات المتطرفة في قطاع غزة، في ظل وجود احتمالات بوجود "اختراق استخباراتي" للاحتلال الإسرائيلي لهذه الجماعات، التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار بالقطاع. 

وفي آخر إحاطة لها، أكدت وزارة الداخلية والأمن الوطني التابعة لـ"حماس" أن التحقيقات الأولية توصلت إلى أن "انتحاريين فجرا نفسيهما بحاجزي الشرطة في غزة الليلة الماضية، وتعرفنا على هويتهما ونواصل التحقيق لمعرفة الجهات التي تقف خلفهما".

وتابعت الداخلية على لسان المتحدث باسم الوزارة، إياد البزم، أن "من يقف خلف هذا العمل الجبان تتقاطع أهدافه مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي في النيل من استقرار الحالة الأمنية في قطاع غزة".

ووصفت وزارة الداخلية، في بيان صدر عنها، التفجيرات التي تأتي لتزيد من حدة التوتر في القطاع، بـ"الإجرامية". وأكدت الوزارة في البيان أن "الأجهزة الأمنية تمكنت من وضع أصابعها على الخيوط الأولى لتفاصيل الجريمة النكراء ومنفذيها وما زالت تتابع التحقيق لكشف ملابساتها".

وكان البزم، قد أعلن ليلا أنه "تمّ إعلان حالة الاستنفار لدى كافة الأجهزة الأمنية والشرطية لمتابعة التطورات الأمنية". فيما شاهد صحافيون وشهود عيان انتشارا كثيفا لعناصر حركة "حماس" على الطرق الرئيسية في القطاع.

وذكر مصدر مطلع على التحقيق في قطاع غزة أن "جماعات سلفية متشددة نفذت التفجيرين"، فيما أفاد شهود أن انتحاريين نفذا العمليتين بواسطة دراجتين ناريتين.

ونقلت تقارير صحافية نقلا عن مصادر قريبة من الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، أنه تم اعتقال عدد من المشتبه بعلاقتهم بالتفجيرين، وأن التحقيقات جارية.

شرطة غزة تشيّع ضحاياها.. الجريمة تصب في خانة استثمار الاحتلال

وشارك المئات، ظهر اليوم، بتشييع ضحايا التفجيرين اللذين استهدفا حاجزين أمنيين؛ وأدى المشيعون صلاة الجنازة على الضحايا في المسجد العمري الكبير، وسط مدينة غزة، بمشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وعدد من قادة فصائل فلسطينية وشخصيات مجتمعية.

والضحايا الثلاثة هم وائل خليفة (45 عاما) وسلامة النديم (32 عاما) وعلاء الغرابلي (32 عاما).

ورفع المشاركون في الجنازة الأعلام الفلسطينية ورايات حركة "حماس"، ورددوا هتافات تطالب بمحاسبة منفذي التفجيرات. وحمل عناصر من الشرطة، جثامين الضحايا التي تم لفها بالأعلام الفلسطينية، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وفي كلمة له قبل أداء صلاة الجنازة، قال عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، خليل الحية، إن "جريمة أمس، تصب في خانة استثمار الاحتلال وعملائه الذين لا يروق لهم أن يروا غزة آمنة"، وأضاف الحية: "جريمة استهداف الشرطة تهدف لإحداث بلبلة داخلية في غزة".

وشدد على أن كل المحاولات التي تهدف إلى زعزعة أمن غزة ومقاومتها "ستبوء بالفشل"، وطالب القيادي في "حماس" الأجهزة الأمنية في غزة بـ "الضرب بيد من حديد كل من يسعى للعبث في أمن الوطن"، وأكد على أن الفصائل والعوائل الفلسطينية تقف إلى جانب الأجهزة الأمنية وتساندها في تثبيت الأمن والحفاظ عليه بغزة.

واستهدف التفجيران "حاجزين للشرطة"، حيث وقع التفجير الأول غربي مدينة غزة، في حين وقع الثاني في منطقة الشيخ عجلين، جنوب غربي المدينة؛ وأشارت وزارة الداخلية إلى أن الشرطيين الثلاثة "من مرتبات شرطة المرور والنجدة".

وتسبب التفجير الأول الذي وقع في حي تل الهوا، غرب مدينة غزة، باستشهاد شرطيين وإصابة شخص بجروح حرجة، وبعد حوالي ساعتين، وقع الانفجار الثاني في منطقة الشيخ عجلين في جنوب غرب مدينة غزة، أسفر عن استشهاد الشرطي الثالث وإصابة شخصين.

الهدف زعزعة أمن غزة 

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، تيسير محيسن، إن "ما حصل مساء أمس، مؤشر خطير على أن هناك مساع حثيثة من أطراف عديدة على رأسها الاحتلال الإسرائيلي لإحداث حالة من الاختلال الأمني في البنية الداخلية لقطاع غزةا لتي تشكل داعما رئيسيا للمقاومة".

وأضاف محيسن في حديث لـ"الأناضول" أن "إشغال الحالة الغزية بذاتها، أحد أهم أهداف الاحتلال، وذلك عبر أدواته المختلفة ومنها الجماعات المتطرفة التي تتواجد في غزة، من خلال الاختراق الاستخباراتي لها". 

ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي وكل الأطراف المعنية باستهداف أمن غزة، تدرك أن الأمن هو أهم ما يملكه الفلسطينيون في القطاع، بعد فقدانهم معظم متطلبات حياتهم الأساسية بفعل الحروب العدوانية الإسرائيلية وسنوات الحصار الطويلة. 

وحذّر محيسن من أن مثل هذه التفجيرات التي تهدف لزعزعة الأمن والاستقرار قد تكون "بداية لعمل عسكري قادم قد يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة"، واعتبر أن "تراخي قبضة الأجهزة الأمنية في قطاع غزة على أفراد التيارات المتطرفة، هو الذي سمح لهم بأن يطلوا وينفذوا مثل هذه التفجيرات".

ولا يستبعد الكاتب السياسي الفلسطيني، أن تكون أجهزة الأمن الإسرائيلية هي من تقوم بتشغيل بعض الأشخاص أصحاب الفكر الذي وصفه بـ"المنحرف" بعد إيهامهم بأنهم يعملون لصالح فكر معين أو تيارات معينة، في إشارة إلى اختراق استخباراتي.

وذكر أن التفجيرات "تستدعي إعادة النظر في برامج عمل الأجهزة الأمنية حتى لا يتكرر مثل هذا الحدث"، وأشار محيسن، إلى أن "هذا الحدث قد يخلق نوعا من الارتباك داخل صفوف وبنية المجتمع الغزي، خاصة أن التفجيرين وقعا في عمق مدينة غزة. 

لن يكون الأخير 

من جانبه، قال المحلل السياسي مصطفى الصواف، إن التفجيرين، "ليسا أول الاعتداءات، ولن يكونا آخرهم". لكنه يشير إلى إن توقيت حدوثهما "صعب"، نظرا لحالة التوتر الشديد بين قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي. 

ويعود آخر تفجير انتحاري في قطاع غزة إلى 17 آب/ أغسطس 2017، عندما فجر انتحاري نفسه في حاجز لـ"حماس" جنوبي قطاع غزة، قرب الحدود مع مصر. وقامت الحركة حينها بحملة توقيفات بين السلفيين.

وأضاف الصواف في حديث لوكالة "الأناضول" أن "ما حدث جريمة كبيرة الهدف منها ضرب حالة الاستقرار في القطاع". ولا يستبعد الصواف أن يكون هناك تواصل بشكل أو بآخر من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية مع أصحاب الفكر المتطرف لينفذوا مثل هذه التفجيرات. 

وقال إنه "يوجد في قطاع غزة عدد من أصحاب الفكر المتطرف وهم ملاحقون أمنيا، لكن عندما تتاح لهم الفرصة فإنهم يقدمون على مثل هذه الأعمال". 

واعتبر الصواف أنه "رغم خطورة التفجيرات إلا أنها لن تضعف الحالة الأمنية في غزة، خاصة عندما تعود الأجهزة الأمنية إلى ملاحقة هؤلاء العناصر المتطرفة والضرب بيد من حديد على يد من ينفذوا مثل هذه الجرائم". 

ويثير التوتر على السياج الأمني الفاصل عن مناطق الـ48 شرقي القطاع، واعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي، مخاوف من تصعيد إضافي قبيل انتخابات الكنيست الـ22 المقررة في 17 أيلول/ سبتمبر المقبل.

ليست الحادثة الأولى: هل ينشط واقع غزة الفكر المتطرف؟ 

في هذا السياق، قال الكاتب السياسي د.حسام الدجني، إن "الفكر المتطرف يقتات على الواقع الاقتصادي الصعب وحالة اليأس والإحباط التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في غزة في ظل الحصار". 

ونقلت "الأناضول" عن الدجني قوله إن "هذا الواقع يجعل من الخلايا المتطرفة موجودة وقائمة وإن قلت أعدادها". ويعتقد الدجني أن ما حصل في غزة، مساء الثلاثاء، مشابه للتفجيرات الإرهابية التي ضربت عدد كبير من عواصم العالم، الأمر الذي يتطلب من المجتمع الدولي التحرك لدعم الشعب والمنظومة الأمنية بالقطاع. 

ورأى أن التفجيرين يشكلان خطورة كبيرة على البنية المجتمعية والأمن العام بالقطاع ودول الإقليم والوفود التي تزور غزة. 

وحول احتمالية تكرار هذه التفجيرات، قال الدجني، إن "التحقيقات الداخلية بهذا الملف وما يتبعها من إجراءات هي من تحدد مستقبل تكرار هذا الحدث من عدمه"، مستبعدا أن يتم تكرار مثل هذه الأعمال بسهولة. 

ويخضع القطاع البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة، في مساحة 362 كيلومترا مربعا، ويعتبر القطاع من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، لحصار من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ حزيران/ يونيو 2006، وتم تشديد الحصار في حزيران/يونيو 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع.

ويعتبر معبر رفح على الحدود مع مصر المنفذ الوحيد لغزة غير الخاضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي. وقد أغلق بالكامل تقريبا منذ عام 2013، في ظل نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأعيد فتحه جزئيا عام 2017 للحالات الإنسانية والطارئة ووسط قيود عديدة على العابرين.

ودمر الجيش المصري في السنوات الأخيرة أكثر من ألف نفق تحت الأرض، كانت تنتشر على طول الحدود بين القطاع ومصر وتستخدم خصوصا لإدخال المواد والبضائع المختلفة وأحيانا الأسلحة والمعدات القتالية.

التعليقات