أحمد مناصرة.. 7 أعوام من المعاناة والعزل بالسجون الإسرائيلية

سردت الوالدة ميسون مناصرة لـ"عرب 48" مسيرة 7 سنوات من المعاناة والتعذيب والتنكيل التي بدأت منذ أن أُخضع ابنها خلال مكوثه بالمستشفى لتحقيقات أولية لمدة 30 يوما، إذ كبّلوا يديه بسلاسل حديدية بالسرير، مع حراسة مشددة.

أحمد مناصرة.. 7 أعوام من المعاناة والعزل بالسجون الإسرائيلية

الفتى الأسير أحمد مناصرة (Getty Images)

تحت وطأة الحملة العالمية #الحرية_لأحمد_مناصرة، أسقطت المحكمة المركزية الإسرائيلية في مدينة بئر السبع مؤقتا صفة "الإرهاب" عن ملف الأسير المقدسي أحمد مناصرة، وأصدرت قرارا يلزم مصلحة السجون بعقد جلسة خاصة للجنة الثلث، لمناقشة طعون طاقم الدفاع الذي طالب بالإفراج الفوري عن مناصرة، والذي اعتُقل عندما كان عمره 13 عاما، وحُكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 12 عاما، بزعم طعن مستوطن وحيازة سكين.

وجاء قرار المحكمة المركزية في سياق الاستئناف الثاني الذي قدمه طاقم الدفاع ضد قرار لجنة الثلث في سلطة السجون التي أبقت على "صفة الإرهاب" في ملف مناصرة، دون الاستماع إلى الطعون والحجج القانونية لطاقم الدفاع، وذلك خلافا لما ينص عليه القانون الإسرائيلي.

وبالتزامن مع تداول السلطات الإسرائيلية مجددا بملف الأسير مناصرة الذي يقبع بالعزل الانفرادي منذ 7 سنوات، أطلق مقدسيون حملة واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، بعنوان#FreeAhmadManasra، #الحرية_لأحمد_مناصرة، فيما تتواصل الحملة وسط ترقب للقرار الذي سيصدر عن لجنة الثلث في مصلحة السجون.

وشارك فلسطينيون وعرب صورا ومقاطع فيديو ورسومات تستعرض الحالة الإنسانية الصعبة والظروف المزرية التي يعيشها مناصرة بالعزل في غياهب السجون الإسرائيلية، مطالبين بالإفراج الفوري عنه بعد أن قضى 7 أعوام في العزل الانفرادي في زنزانة، ما تسبب بتدهور حالته النفسية.

ناشطات يدعين لحرية أحمد مناصرة أمام المحكمة (Getty Images)

جسدت قضية مناصرة المولود في بيت حنينا، يوم 22 كانون الثاني/ يناير 2002، والتي تفجرت عام 2015 مع بداية "الهبة الشعبية" في القدس المحتلة، الواقع والمصير الذي يعيشه المئات من الفتية والأطفال المقدسيين الذين يواجهون عنف الاحتلال اليومي الممنهج وما يرافقه من تعذيب وتنكيل، والذي تمثل بتصاعد عمليات الاعتقال للقاصرين، إذ ما زالت القدس تسجل أعلى نسبة في عمليات الاعتقال بصفوف الأطفال والفتية.

الحرية لأحمد مناصرة

وانتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي باللغتين العربية والإنجليزية "الهاشتاغ" #الحرية_لأحمد_مناصرة، #أنقذوا_أحمد_مناصرة، #نزع_الطفولة، إذ أطلق ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي "الهاشتاغ" دعما وإسنادا لمناصرة ولطاقم الدفاع المؤلف من المحامي خالد زبارقة والمحامية ليئا تسيمل، إذ يخوض الطاقم مسارا قضائيا في أروقة المحاكمة الإسرائيلية للإفراج عن مناصرة.

وإلى جانب ذلك، وقع عشرات الآلاف من رواد شبكات التواصل الاجتماعي على عريضة إلكترونية عبر موقع "تشينغ" - التغيير - مطالبين بالإفراج الفوري عن مناصرة، وإعادته إلى أحضان عائلته، وذلك بعد أعوام من التعذيب القاسي من قبل المحققين بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتنكيل الممنهج في سجون الاحتلال.

واستعرضت التغريدات استخدام المحققين أساليب التعذيب النفسي على الأسير مناصرة، عبر الصراخ والشتم والتهديد والوعيد، وإخضاعه للتحقيق لساعات طويلة، وحرمانه من النوم وحقوقه باستشارة محام أو لقاء أفراد عائلته، بحسب ما أفادت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية.

وبسبب الحالة النفسية الصعبة التي عاناها بالأسر، أطلقت الشبكة العالمية للصحة النفسية في الأراضي الفلسطينية عريضة إلكترونية، تحت شعار "لا تتركوه وحيدا" و"الحرية لأحمد مناصرة"، طالبت من خلالها الجمعيات الحقوقية والمؤسسات التي تعنى بحقوق الطفولة، بالضغط على حكومة الاحتلال وإرغامها على الإفراج عن مناصرة.

تحقيق وتنكيل وكسر بالجمجمة

ترعرع مناصرة، قبل اعتقاله عام 2015، في عائلة مؤلفة من عشرة أفراد، له شقيقان وهو البكر، إضافة إلى خمس شقيقات، إذ كان طالبا في المدرسة الإعدادية "الجيل الجديد" في القدس، في الصف الثامن، وكان يبلغ من العمر 13 عاما عند اعتقاله وإخضاعه للتحقيق والمحاكمة، حسب ما أفادت والدته ميسون مناصرة.

والدة مناصرة: "الكل يحبك.. الكل واقف معك.. رح تتحرر يا ماما" (Getty Images)

وقالت الوالدة إن "عناصر أمن الاحتلال تركت ابني أحمد غارقا بدمائه لفترة طويلة كان عرضة خلالها لتنكيل وحشي من قبل المستوطنين، إذ أظهرت مقاطع أشرطة فيديو مشاهد قاسية له وهو ملقى على الأرض ويصرخ ومصاب، ويحاول افراد شرطة الاحتلال تثبيته على الأرض والتنكيل به، قبل السماح لطاقم الإسعاف بنقله إلى مستشفى إسرائيلي، وتعرض لتحقيق وتعذيب جسدي ونفسي حتى خلال تلقيه العلاج في المستشفى، إذ شخصت إصابته بكسر في الجمجمة".

وأوضحت أن أبنها أحمد وبعد سنوات من العزل بالسجون الإسرائيلية، يعاني ظروفا صحية ونفسية صعبة وخطيرة، إذ يحتجز في هذه الفترة بالعزل الانفرادي في سجن "إيشل" ببئر السبع، علما أن سلطات الاحتلال احتجزته قبل ذلك ولمدة عامين في مؤسسة خاصة بالأحداث في ظروف صعبة وقاسية، ونقل إلى معتقل "مجيدو" بعد أن تجاوز 14 عاما.

بمشاعر مختلطة، سردت الوالدة ميسون مناصرة لـ"عرب 48" مسيرة 7 سنوات من المعاناة والتعذيب والتنكيل التي بدأت منذ أن أُخضع ابنها خلال مكوثه بالمستشفى لتحقيقات أولية لمدة 30 يوما، إذ كبّلوا يديه بسلاسل حديدية بالسرير، مع حراسة مشددة من قبل عناصر الاحتلال على الرغم من تشخيص حالته بكسر في الجمجمة، وبعد عامين ونصف من العزل الانفرادي، بدأ أحمد بلا ذاكرة يعيش حالة نفسية سيئة ويصارع مرض الفصام النفسي داخل زنزانة الأسر التي هي أشبه بقبر.

حرمان الأم من احتضان ابنها 7 سنوات

مرت أكثر من سبع سنوات دون أن تحتضن الأم طفلها البكر، إذ اعتادت اللقاء به في السجون خلال زيارة لنصف ساعة، فصل بينهما جدار زجاجي وتبادلا الحديث عبر مكبرات الصوت، وها هي الأم في قاعة المحكمة ببئر السبع ترى ابنها للمرة الأولى منذ 7 سنوات من دون جدار زجاجي عازل، لكنها تقول إن "رجال الشرطة والحراسة منعوني من الاقتراب من أبني والتحدث معه مباشرة أو احتضانه، وشكلوا حاجزا بشريا لحجبه عني".

الفتى الأسير في قاعة المحكمة (Getty Images)

وأمام الحاجز البشري لحراس الاحتلال في قاعة المحكمة، فجّرت الأم صرخة لابنها الذي كان مذعورا بسبب الكاميرات، علما أنه لأول مرة يخرج من العزل منذ أسره، قائلة له إن "الكل يحبك.. الكل واقف معك.. رح تتحرر يا ماما"، مشيدة بالحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي تطالب بالحرية والإفراج المبكر عنه، مؤكدة أن الحملة عززت من معنويات العائلة وزرعت الأمل لديها بقرب نيله الحرية.

هي كلمات من الأم تبعث الأمل في نفس ابنها الذي يبكي على الدوام في زنزانته مظلمة، فقد ذبلت وتبدلت ملامح وجهه، واختفت ابتسامته المعهودة، وما عاد يقوى على الحركة، ويعيش معاناة وسنوات من العذاب بلا تفاؤل ودون أمل، ودائما ما كان يخبر والدته أنه سيموت السرير الحديدي داخل الزنزانة.

تقول والدة الفتى الأسير إنه "كنت أبعث الأمل في قلب أبني أحمد الذي اعتُقل طفلا واتُهم باطلا، وهذا هو حال الطفولة الفلسطينية، والمقدسية على وجه الخصوص، فإلى جانب عقوبة السجن يتم الانتقام من أحمد بالتعذيب والتنكيل، وهو يعيش هواجس ومخاوف من الزنازين التي يحتجز بها، والتي تفتقر لأدنى مقاومات الحياة".

كواليس أقبية التحقيق.. تهديد ووعيد وابتزاز

وبالعودة إلى سيرورة محاكمة مناصرة، أظهر "فيديو مسرب" من أقبية التحقيق الفتى، وهو يبكي ويضرب بكفيه اليسرى واليمنى على رأسه، خلال إخضاعه للتحقيق من قبل محقق من الاحتلال الذي نزع اعترافات تحت طائلة التعذيب والضغط النفسي والتهديد والوعيد.

هي 3 دقائق للفيديو المسرب الذي وثق آليات تحقيق الأجهزة الأمنية مع الفتى الأسير الذي كان يقول "مش متذكر.. مش متأكد.."، إذ ظهر باكيا وكرر ذات الإجابة "مش عارف والله.. مش متذكر"، فيما جلس المحقق خلف الحاسوب يصرخ عاليا بوجهه "احكي يلا.. لازم تعترف". ولم ينفك المحقق، إلا بعد أن انتزع منه اعترافا بتنفيذ عملية طعن.

في العاشر من أيار/ مايو 2016، أدانت المحكمة المركزية في القدس، الفتى أحمد مناصرة، بمحاولة قتل مستوطن وبحيازة سكين، إذ زعمت النيابة العامة الإسرائيلية تنفيذه عملية طعن في مستوطنة "بسغات زئيف" في 12 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2015، مع ابن عمه حسن الذي استشهد برصاص الاحتلال، بينما أحمد الذي أصيب أيضا بالرصاص دهسته سيارة لقوات الأمن الإسرائيلية وتسببت له بجروح خطيرة.

وأصدرت المحكمة، بعد عام من المداولات والجلسات، حكما بالسجن الفعلي لمدة 12 عاما بحق الفتى أحمد، وإلزامه بدفع تعويضات مالية لمستوطن بقيمة 180 ألف شيكل (نحو 60 ألف دولار)، علما أنه جرى عام 2017 تخفيف الحكم لمدة تسع سنوات ونصف.

إسقاط صفة الإرهاب بشكل مؤقت

وفي قراءة بالعقوبة المفروضة على مناصرة، استعرض المحامي خالد زبارقة حيثيات قرار المحكمة المركزية، قائلا: "لقد أُسقطت صفة الإرهاب بشكل مؤقت عن ملف أحمد، إذ لم يكن مضمون المداولات الإفراج المبكر عنه، بل مضمون نهج وممارسات لجنة الثلث بسلطة السجون الإسرائيلية، وإلزامها عقد جلسة خاصة ومستعجلة، ومثول طاقم الدفاع أمامها، والاستماع لطعونه بشكل وجاهي".

العائلة وطاقم الدفاع عن الفتى الأسير مناصرة (Getty Images)

في التاسع من شباط/ فبراير 2022 قضى مناصرة ثلثي المدة من العقوبة الصادرة ضده في الأسر، ما يعني أنه حسب القانون الإسرائيلي يمكن النظر في طلب طاقم الدفاع والإفراج المبكر عنه، بيد أن سلطة السجون الإسرائيلية استبقت ذلك وعقدت جلسة خاصة دون مشاركة طاقم الدفاع ووصمت ملف مناصرة بـ"الإرهاب"، وذلك لغلق أي محاولات للإفراج المبكر عنه.

واستغلت سلطة السجون الإسرائيلية تعديل الكنيست لقانون "الإرهاب" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، والذي ينص على أن كل من أدين بعملية "إرهابية"، بحسب التعريفات الإسرائيلية، لا يحق له الإفراج المبكر، ولا يحق الاستماع لطعونه أمام لجنة الثلث، وكذلك يُحرم من إمكانية العفو من قبل الرئيس الإسرائيلي.

وفي حالة الأسير مناصرة، قال المحامي زبارقة لـ"عرب 48" إن "قضية أحمد مختلفة تماما عن الادعاءات والمزاعم الإسرائيلية، إذ اعتُقل عندما كان طفلا، وتم ابتزاز الاعتراف منه تحت طائلة التهديد والوعيد بحسب الفيديو المسرب من أقبية التحقيق، كما احتُجز بالعزل في ظروف قاسية، ما تسبب له بضرر نفسي كبير".

المسيرة من أجل حرية أحمد والإفراج المبكرة طويلة وشائكة

وأوضح زبارقة أن مناصرة الذي اعتُقل طفلا وقضى 7 سنوات في السجون، وهي ثلثا العقوبة، وعليه يحق له الإفراج المبكر بحسب القانون الإسرائيلي، لكن يقول زبارقة إن "الأسرى، وتحديدا ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة المقدسية، يعانون من المنظومة القانونية الإسرائيلية التي تميّز ضدهم".

كما أن الإعلام الإسرائيلي يواصل التحريض على الحركة الأسيرة ويُشيطن الأسرى، وبضمنهم ملف الأسير أحمد مناصرة، وبالتالي يقول زبارقة إن "الجهاز القضائي والمحاكم الإسرائيلية تمتنع عن الحياد، وتكون أكثر معادة وتشددا في مثل هذه الملفات".

#الحرية_لأحمد_مناصرة (Getty Images)

ولا يستبعد زبارقة، في ظل الظروف السياسية والأوضاع الأمنية التي تشهدها البلاد وتحديدا القدس، إمكانية أن تمتنع لجنة الثلث في سلطة السجون الإسرائيلية وبعد الاستماع الوجاهي لطعون طاقم الدفاع عن إسقاط صفة "الإرهاب" عن ملف مناصرة، وقال إنه عندها "سنتوجه باستئناف ثالث للمحكمة المركزية في بئر السبع على مضمون مثل هذا القرار، ومطالبتها بإصدار قرار نهائي وثابت بإسقاط صفة الإرهاب عن الملف".

وعليه، يعتقد المحامي زبارقة أن المسيرة من أجل حرية مناصرة والإفراج المبكر عنه ما زالت طويلة وشائكة، مشيدا بالحملة الإعلامية #الحرية_لأحمد_مناصرة، التي أطلقت عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدا ضرورة توسيع الحملة التي تم من خلالها تسليط الضوء عالميا على قضية الفتى الأسير، وشكلت رافعة لممارسة الضغوطات على السلطات الإسرائيلية.

إسرائيل تغلق الباب القضائي حقوق الأسرى الفلسطينيين

وذكر زبارقة أن المسار القضائي في ملف مناصرة هو أحد الأدوات وليس كل الهدف، وبالتالي فإن الهدف النهائي هو الإفراج المبكر عن الفتى وإعادته إلى حضن عائلته، وتوفير الإطار العلاجي المناسب له، خصوصا وأنه يعاني من مرض نفسي هو الانفصام الشخصي.

وبالتالي فإن الحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، يقول زبارقة "تصب في الهدف بتسليطها الضوء على ملف أحمد ومعاناته بالأسر والعزل، ووضع قضيته على الأجندة الإعلامية المحلية والعربية والعالمية، فهي إحدى الأدوات القانونية المدنية والديمقراطية والمقاومة المدنية لرفع الظلم عن الناس".

ويستطرد المحامي، في ملف مناصرة، بالقول إنه "لا نتحدث عن الإرهاب بحسب المزاعم الإسرائيلية، وإنما عن طفل اعتُقل بجيل 13 عاما، إذ أن المعايير القانونية وحتى الإسرائيلية تتعامل مع الأطفال بشكل يختلف من التعامل مع المخالفات للبالغين، وفي ملف أحمد يجب تطبيق المعايير المختصة بالأطفال، ولا يعقل تطبيق المعايير المزعومة بشأن الإرهاب".

المحامي زبارقة: السلطات الإسرائيلية تعمد إغلاق الباب القضائي أمام حقوق الأسرى (Getty Images)

وختم زبارقة بالقول إن "ملف الأسير أحمد مناصرة يكشف النقاب عن تعمد السلطات الإسرائيلية إغلاق الباب القضائي أمام الكثير من حقوق الأسرى الفلسطينيين، سواء بمنع إجراءات محاكمة عادلة، أو حرمانهم من لجان الثلث والإفراج المبكر، وتصنيف ملفات الأسرى بـ'الإرهاب'، الأمر الذي يقود ضرورة إلى تدويل قضية الأسرى من أجل إجبار إسرائيل على التعامل معهم على أنهم أسرى حرب".

التعليقات