تقرير | مخيم شعفاط... على فوهة من نار

ساد نوع من الهدوء المرتقب داخل المخيم، بعد أن تحولت شوارعه وأزقته في الأيام الأخيرة إلى ساحة حرب. ترى على جانبي الطريق بقايا قنابل الغاز، وأغلفة أعيرة الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ومركبات محروقة، وحجارة بكل أحجامها وحاويات مشتعلة.

تقرير | مخيم شعفاط... على فوهة من نار

من مخيم شعفاط ("عرب 48")

لم تكن الطريق التي سلكها الأهالي إلى مخيم شعفاط قبل عملية إطلاق النار على حاجز المخيم مساء السبت الماضي، والتي أسفرت عن مقتل مجندة في جيش الاحتلال وإصابة آخرين، هي ذاتها التي باتوا يسلكونها بعدها، إذ شرع الاحتلال بممارسة سياسة العقاب الجماعي، وأثقل على الأهالي بالحواجز الإسمنتية والانتشار المعزز للقوات العسكرية حول المخيم.

كانت طريق الدخول إلى المخيم، أشبه بطريق تؤدي إلى سجنٍ كبير، محصن بآليات عسكرية. عشرات الجنود يشهرون أسلحتهم ويغلقون المداخل والمخارج بصورة محكمة، بعضهم كان يعتلي فوق الأبراج وقد اتخذوا وضعية القناصة. أمتار قليلة تفصل الحاجز العسكري الذي يجسد الحصار، عن مدخل المخيم، كانت كفيلة بأن تتكثف فيها جميع مظاهر الاحتلال.

صباح الخميس، ساد نوع من الهدوء المرتقب داخل المخيم، بعد أن تحولت شوارعه وأزقته في الأيام الأخيرة إلى ساحة حرب. ترى على جانبي الطريق بقايا قنابل الغاز، وأغلفة أعيرة الرصاص المعدني المغلف بالمطاط، ومركبات محروقة، وحجارة بكل أحجامها، وحاويات مشتعلة، وبقايا إطارات مطاطية أشعلها شبان المخيم للتصدي لاقتحامات قوات الاحتلال الخاصة، في ليلة المواجهة الأشد على أبناء المخيم منذ فرض الحصار.

بقايا قنابل الغاز في شوارع المخيم ("عرب 48")

ورغم الهدوء الحذر الذي ساد في المخيم بعد أن قررت الشرطة الإسرائيلية إزالة الحواجز الإسمنتية، يعتقد سكان المخيم، أن المواجهة الأشد مع قوات الاحتلال قادمة لا محالة، في حال استمرت بالتضييق على الأهالي وتعطيل حياتهم بالكامل، ضمن سياسة العقاب الجماعي.

المحامي مدحت ديبا

وفي حديث لـ"عرب 48"، قال المحامي مدحت ديبا، وهو ناشط حقوقي من سكان مخيم شعفاط، إن "ما تم إعلانه من تخفيف على المخيم كان بسبب ضغط مارسته الإدارة الأميركية على السلطات الإسرائيلية، إذ قاموا بفتح مسلكين للسيارات بعد أن أرسلنا تسجيلات توثق ممارسات الاحتلال إلى القنصلية الأميركية في القدس".

واعتبر أبو ذيب أن "قرار التخفيف جاء بعد نضال الأهالي في المخيم والإعلان عن العصيان المدني، جميع أهالي المخيم، قرروا بعد الاجتماعات مع اللجان الشعبية والمنظمات الحقوقية، أنه مع استمرار هذا التضييق وعدم عودة العجلة إلى ما كانت عليه قبل يوم السبت الماضي".

"عرب 48"

وأكد أن الأهالي في شعفاط "لا يزالون يدعمون العصيان المدني والإضراب، وأكدوا أنهم على جاهزية لخوض هذا النضال للفترة المطلوبة. وأتى هذا الثبوت على الموقف نظرا لإعلان القيادات الإسلامية أن غدا (الجمعة) يوم غضب، وبالتزامن مع الوقفة الباسلة لأهالينا في الضفة الغربية والقدس".

وأضاف أنه "لاحظنا كيف يلتحم الشعب الفلسطيني وقت الشدة، يوم الأربعاء كانت عدة نقاط تماس مع الاحتلال في الضفة والقدس، نصرة لأهالي شعفاط، وهذا ما يخفف من معاناة أهالي المخيم، الذين أعلنوا أن العصيان المدني مستمر".

وشدد أبو ذيب على أن "مطالب أهالي المخيم هي العيش بكرامة دون التضييق المستمر، كباقي سكان العالم؛ التنقل بأريحية، عند إزالة التقييدات سوف ينهي أهالي شعفاط الإضراب وحالة العصيان المدني".

وتابع "الكرة الآن في ملعب القوات الاسرائيلية، هي من تقرر إذا أرادت التصعيد أو أن تبقي الحال على ما هو عليه، وإذا أرادت عدم المواجهة فعليها أن تتلقف النصيحة. خلفنا مخيم فيه 130 ألف نسمة يشتعل، ويُعاقب عقابا جماعيا دون أي ذنب، وإذا كان هناك عقلاء في الحكومة الإسرائيلية سوف ينهون هذا الحصار".

"عرب 48"

ويفيد سكان مخيم شعفاط أنه على مدار أيام الحصار الستة، أطلقت تجاه البيوت المئات من قنابل الغاز المدمع من قبل عناصر شرطة الاحتلال، سواء في المركبات المخصصة لإطلاق قنابل الغاز أو بواسطة الطائرات المسيّرة المخصصة لإلقاء قنابل الغاز على الأهالي.

يصف أهالي المخيم الأيام الأخيرة التي عاشوها بأنها أيام عصيبة، بين توتر وقلق وترقب، وخاصة في ضاحية السلام التي اقتحمها الاحتلال عدة مرات منذ بدء الحصار، وسط حالة من الخوف على الأطفال والمسنين من الغاز المسيل للدموع الذي ملأ بيوتهم وتسبب بالعديد من الإصابات اختناقا.

محمد حجازي

من جانبه، قال محمد حجازي، وهو من سكان ضاحية السلام في مخيم شعفاط، في حدي لـ"عرب 48"، إنه منع أولاده من التجول في المخيم منذ اندلاع المواجهات، "اتخذت قرارا بأن أبقي أطفالي داخل البيت، تجولنا فقط على الأسطح".

وبيّن حجازي أن "الأوضاع كانت سيئة للغاية في ضاحية السلام بالنسبة للأطفال، منعوا من الذهاب إلى المدرسة، والتجول بالأحياء، في كل ساعة كنا نشهد اقتحاما من قبل القوات الإسرائيلية، الأمر كان أشبه بمنع تجول تام، قنابل الغاز أطلقت بكثافة، وعلى الرغم من الإغلاق المحكم للبيوت، إلا أن رائحة الغاز كانت تتسرب وتسبب باختناق الأطفال والمسنين".

وأضاف أنه "عشنا لحظات مخيفة، كنا نتجمع في غرفة واحدة، جميع أفراد العائلة، حين نسمع اقتحاما أو صوت إطلاق رصاص، أو نشم رائحة الغاز. الأطفال لم يناموا الليل بسبب الخوف، ودائما ما كانوا يتحدثون عن الجيش والاقتحامات، وفي اليوم الأول نزلنا جميعنا إلى الشوارع لحماية أولادنا لاننا لم نفهم الصورة في البداية".

وتابع أن "هناك الكثير من المخاوف عند أهل المخيم، القوات الإسرائيلية تريد هدم بيت منفذ العملية التي نفذت عند حاجز شعفاط السبت الماضي، وأسفرت عن مقتل مجندة، هذا من شأنه أن يشعل المخيم مرة أخرى، أهالي المخيم يعيشون على فوهة من نار، واشتعاله مرة أخرى مسألة وقت".

التعليقات