فاجعة حريق مخيّم جباليا "ستبقى بالذاكرة للأبد": "حاولوا طلب النجدة من النوافذ"

تحدث شهود عيان عن "الأصوات التي كانت تطلب الإنقاذ من داخل الشقة"، وعن "أهالي المنطقة الذين تسلقوا الجدران لمحاولة السيطرة على الحريق بأبسط الإمكانات"، وعن الجثث المتفحمة التي دخلت لسيارات الإسعاف.

فاجعة حريق مخيّم جباليا

أفراد طاقم الإنقاذ في المكان (Getty Images)

أمام منزل عائلة أبو ريا شماليّ قطاع غزة المحاصَر، وقف عدد من الشبان، اليوم الجمعة، ينظرون بحسرة للشقة السكنية التي لقي فيها 21 شخصا مصارعهم، إثر حريق ضخم نشب داخلها، مستذكرين مشاهد صعبة عايشوها، قبل ساعات في المكان.

وتحدث الشبان عن "الأصوات التي كانت تطلب الإنقاذ من داخل الشقة"، وعن "أهالي المنطقة الذين تسلقوا الجدران لمحاولة السيطرة على الحريق بأبسط الإمكانات"، وعن الجثث المتفحمة التي أُدخلت لسيارات الإسعاف واحدة تلو الأخرى.

واستمرّ الشبان في تبادل أطراف حديث قاسٍ لدقائق، ثم تركوا المكان بعد أن اتفقوا "على أن ذلك اليوم كان من أصعب أيام حيواتهم، وذكرياته ستبقى معهم للأبد".

ولقي 21 شخصا، بينهم أطفال ونساء، مصارعهم، مساء أمس الخميس، في حريق اندلع في بناية سكنية في مخيم جباليا شمالي القطاع، فيما كشفت التحقيقات الأولية عن كميات كبيرة من البنزين مخزنة داخل المنزل، ما أدى لاندلاع الحريق "بشكل هائل". ويضطر أهال من القطاع إلى اللجوء إلى استخدام مواد غير آمنة، وبخاصة في فصل الشتاء، وذلك في ظل انقطاع متتابع للكهرباء، وظروف الحياة التي تكاد تكون منعدمة في القطاع الذي يحاصره الاحتلال الإسرائيليّ منذ أكثر من 15 عامًا.

‏وضحايا حريق مخيم جباليا هم: الدكتور صبحي أبو ريا، مدير العلاج الطبيعي في وكالة الغوث، وزوجته المحامية يسرى أبو ريا (أم ماهر). المهندس ماهر أبو ريا، مدير مكتب الحكم المحلي، وزوجته الأستاذة أريج رفيق أبو ريا (أم عبد الله) وأولادهما. الدكتور الصيدلي نادر أبو ريا، وزوجته الأستاذة روز أبو ريا (أم كرم) وأولادهما. الأستاذة فدوة صبحي أبو ريا، وابنتها. سارة صبحي أبو ريا. الأستاذة فاتن صبحي أبو ريا وأطفالها معتز ومحمد وجاد الله. رهف محمد جاد الله. بتول محمد جاد الله.

عدد من ضحايا الحريق في جباليا

وأصدرت العائلة المكلومة أمس، بيانا جاء فيه: "إننا نناشد كل العالم وخاصة الدول العربية ودول الخليج العربي والدول الإسلامية، بالوقوف معنا في هذا المصاب الجلل، ورفع الحصار الإجرامي عن قطاع غزة، الذي يستمر منذ 16 سنة متواصلة على شعبنا بدون وجه حق، والعمل العاجل لإدخال كافة الأدوات والإمكانيات إلى طواقم الدفاع المدني وإلى كل الأجهزة الخدماتية في غزة، وذلك لضمان عدم تكرار هذا الحادث الأليم، والذي تكرر في حالات مشابهة مثل العائلات التي قضت وتوفيت بالكامل نتيجة احتراقها من الشموع، والتي كانت تبحث هي الأخرى عن إنارة وكهرباء في ظل انقطاع التيار الكهربائي".

كما حمّلت حركة "حماس" "الاحتلال المسؤولية من جراء استمرار الحصار على قطاع غزة ونقص الإمكانيات اللازمة للجهات المختصة (الدفاع المدني والطواقم الطبية)".

تشييع الجثامين... وصلاة الغائب

هذا وشارك الآلاف في قطاع غزة، اليوم، في تشييع جثامين ضحايا الحريق.

وانطلق موكب التشييع بعد صلاة الجمعة من مسجد "الخلفاء الراشدين" بمخيم جباليا، بمشاركة شخصيات حكومية وفصائلية ومجتمعية وحشد كبير من المواطنين.

وأدى المشيّعون صلاة الجنازة، ليتمّ بعدها مواراة الجثامين الثرى بمقبرة الشهداء في بلدة بيت لاهيا وسط حالة من الحزن والصدمة جراء هذه الفاجعة.

وفي الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أدى المصلون في المسجد الأقصى وعدد من مساجد الضفة صلاة الغائب على أرواح الضحايا.

"لم يبق أحد"

"كل من في المنزل ماتوا، ولم يبق أحد"... عبارة رددها مسؤولون في غزة، علّقوا على الحادث ليلة أمس، وَقُعها كان صادما على الجميع، ولا سيّما أهالي المنطقة التي تقطنها عائلة أبو ريا.

يقول شوقي عودة، أحد سكان المنطقة إن "الحريق نشب في منزل العائلة قرابة الساعة 6:30 مساء الخميس، وبدأت النيران تنبعث من داخل الشقة التي تقع بالطابق الثالث".

ويضيف: "هبّ الجيران والشبان بسرعة لنجدة الأهالي، لكنّ أبواب العمارة كانت مقفلة، فحاول الجميع بقوة كسر الباب، لكنّ المحاولات باءت بالفشل"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "الأناضول" للأنباء.

وتابع عودة: "اضطر بعض الشبان لتسلّق جدران المنزل ووصلوا للطابق الأول، ودخلوه من إحدى النوافذ، ثم بعد ذلك فتحوا الأبواب وهبّوا لإنقاذ الموجودين بالشقة المحترقة، لكنّهم واجهوا صعوبة بفتح الباب، وفي ذلك الوقت كانت قوات الدفاع المدني قد وصلت للمكان".

وأضاف خلال سرد شهادته حول الحادث: "تولى رجال الدفاع المدني والشرطة مهمة الإنقاذ وتمكنوا من الدخول إلى الشقة، لكنّ الجميع كانوا قد فارقوا الحياة، داخل صالة المنزل".

ونقل عن بعض أفراد العائلة الذين تواجدوا خارج المنزل قولهم، إن "العائلة كانت قد تجمعت داخل المنزل لأجل الاحتفال بعودة أحد أبنائها من الخارج بعد حصوله على درجة الدكتوراه".

"صدمة كبيرة بعدم خروج أي شخص حيّ"

"أنفاسنا حُبست لنحو ساعة ونصف وأكثر"، يقول الشاب محمد أبو خاطر، الذي راقب الحريق لحظة وقوعه وتواجد في مكان الحدث لساعات طويلة ليلة أمس.

أطفال ينظرون إلى المبنى المحترق ("أ ب")

ووصف مشهد الجثث التي تم انتشالها من الشقة المحترقة بـ "القاسٍ جدا"، قائلا: "لا أتوقع أن تغيب تلك المشاهد عن ذاكرتي مدى الحياة".

وأضاف: "كنا نعد الجثث التي تخرجها طواقم الدفاع المدني والإسعاف من الشقة واحدة تلو الأخرى، وفي كل مرة نتمنى أن تكون الأخيرة"، وفق "الأناضول".

وأشار أبو خاطر إلى أن "الصدمة كانت كبيرة بعدم خروج أي شخص حي من المنزل، الكل كان جثثا متفحمة".

ويروي أن "أصعب المشاهد في الحريق، كانت تلك التي راقبوا فيها أكثر من شخص ناحية النافذة، يحاولون طلب النجدة ويصرخون بأصوات عالية".

أفراد طاقم الإنقاذ في المكان (Getty Images)

وذكر أبو خاطر أن "أصوات الأطفال التي تعالت تطالب بالنجدة والإنقاذ، كانت صعبة جدا على كل من تواجد بالمكان. رأيت دموعا في عيون الرجال والشبان، وصراخا من الأطفال في الشارع، تأثّرا بتلك المشاهد".

يوم حزين

عشرات المواطنين من كافة مناطق شمال قطاع غزة، وصلوا مع ساعات فجر اليوم الجمعة لتفقد مكان الحادث الأليم، الذي وصفوه بأنه "الأصعب" خلال السنوات الماضية.

وبدت علامات صدمة وألم على وجوه الجميع، وتأمُّل استمرّ لدقائق في تلك الشقة السكنية التي شهدت الفاجعة.

أمام المبنى بعد الفاجعة (Getty Images)

الشاب رأفت المصري يقطن في منطقة بيت لاهيا شمالي القطاع، قال: "إن الليلة الماضية كانت عصيبة عليه كما كل شخص في قطاع غزة".

وأضاف: "نسمع الكثير عن حوادث من هذا النوع، وتنتهي بإصابات أو بوفاة واحدة، أما أن يكون عدد الوفيات بهذا العدد. فالأمر صادم جدا".

وتابع الشاب العشريني: "انتظرت الصباح بفارغ الصبر للقدوم إلى المكان ولمشاهدة آثار الحادث الأليم، ولمواساة أبناء عائلة أبو ريا وأهالي المنطقة في مصابهم الجلل".

التعليقات