سبسطية.. بين فكي كماشة الاستيطان والتهويد

"تعزيز الاستيطان في سبسطية ضمن مخططات الاحتلال لاستهداف الشعب الفلسطيني ومحاربة وجوده عبر وطمس روايته وشطب رموزه وتزوير التاريخ والحضارة التي ينتمي إليها"

سبسطية.. بين فكي كماشة الاستيطان والتهويد

(بلدة سبسطية / مسجد ومقام النبي يحيى)

تسابق الحكومة الإسرائيلية الزمن من أجل وضع اليد على مدينة سبسطية الأثرية في محافظة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، حيث رصدت 39 مليون شيكل لتهويد المدينة وتزوير التاريخ والحضارة في المواقع الأثرية، وذلك في إطار مخطط سلطات الاحتلال فرض السيادة الإسرائيلية على جميع المواقع الأثرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وتواجه بلدة سبسطية التاريخية، أضخم مشروع تهويدي للمواقع الأثرية فيها، حيث توجهت السلطة الفلسطينية برسالة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، للتدخل لوقف تنفيذ المخطط الاستيطاني والتهويدي للمواقع الأثرية في سبسطية المدرجة على لائحة المواقع التاريخية والتراثية ذات القيمة العالمية المتميزة في فلسطين.

وبحسب المشروع الاستيطاني للاحتلال ستقوم سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية ببلورة خطة إعمار وترميم للموقع الأثري في سبسطية خلال 60 يومًا، على أن تجهز الخطة حتى شهر آب/أغسطس المقبل، حيث تشمل الخطة إقامة مركز سياحي تهودي واستيطاني في المكان.

ويشمل المشروع التهويدي الذي يمتد على مساحة 152 دونمًا تتواجد بها مواقع أثرية، شق طريق التفافي داخل المنطقة الأثرية باتجاه المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية في منطقة نابلس، على أن يخصص الطريق لخدمة المستوطنين.

ووفقًا للمخطط النهائي سيتم وضع اليد على نحو 1000 دونم بملكية خاصة لسكان البلدة، حيث سيتم بناء وسياج ووضع كاميرات مراقبة وإقامة برج عسكري داخل المنطقة الأثرية التي ستشهد عمليات حفر وتنقب من قبل سلطة الآثار الإسرائيلية بحثا عن قبور يهودية ورموز توراتية مزعومة.

تبلغ مساحة البلدة حوالي 5400 دونم، حيث صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قرابة 1500 دونم من أجل إقامة مستوطنة "شافي شمرون"، التي تعتبر الأخطبوط لتهويد المواقع الأثرية في البلدة، إذ تقدر مساحة المواقع الأثرية فيها بنصف مساحة البلدة.

ويبلغ إجمالي المواقع المكتشفة في سبسطية حوالي 40 ويفرض الاحتلال سيطرته على 80% من المواقع الأثرية فيها، وذلك لوقوع الآثار في البلدة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال، وبتصنيف للمواقع الأثرية ضمن المناطق "سي" الخاضعة لسيطرة الاحتلال الأمنية بحسب اتفاقية أوسلو.

طمس وشطب

وقال رئيس مجلس بلدي سبسطية محمد عازم إن مخطط تهويد المواقع الأثرية وتعزيز الاستيطان في سبسطية يندرج ضمن مخططات الاحتلال لاستهداف الشعب الفلسطيني ومحاربة وجوده عبر وطمس روايته وشطب رموزه وتزوير التاريخ والحضارة التي ينتمي إليها، مؤكدا استمرار مسيرة النضال لحماية الموروث الثقافي والحضاري والتاريخي وتعزيز صمود السكان قبالة مخططات الاحتلال وعصابات المستوطنين.

محمد عزام/ رئيس مجلس بلدي سبسطية (عرب48)

وسعيًا منها لوضع اليد على المواقع الأثرية، أوضح عازم لـ"عرب 48" أن سلطات الاحتلال وعصابات المستوطنين تفرض قيودا كبيرة على سكان سبسطية والمواقع الأثرية التي تشهد اقتحامات المستوطنين واعتداءاتهم على السكان الفلسطينيين، وكثيرا ما يتم إغلاق حاجز "شفي شمرون" المؤدي للبلدة وعرقلة مشاريع تطوير البلدة ومدخلها ومنع سكانها من تنظيف وصيانة المواقع الأثرية.

وأشار إلى أن بلدة سبسطية تتعرض لأكبر مشروع احتلالي تهويدي من قبل عصابات المستوطنين التي تقود الحكومة الإسرائيلية لاستهداف الوجود الفلسطيني بكل مكوناته، بحيث أن سبسطية وأهاليها يواصلون مسيرة النضال والتصدي للمشاريع التهويدية والتزوير التوراتي للمواقع الأثرية، وتعزيز الصمود والبقاء من خلال الموروث الثقافي والحضاري والبناء السياحي والسكني.

نضال وصمود

وأكد عازم أن إجمالي المواقع المكتشفة في سبسطية حوالي 40 ويفرض الاحتلال سيطرته على 80% من المواقع الأثرية فيها، وذلك لوقوع الآثار في البلدة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال، وبتصنيف للمواقع الأثرية ضمن المناطق "سي" الخاضعة لسيطرة الاحتلال الأمنية بحسب اتفاقية أوسلو.

ولفت إلى أن الاحتلال يوظف كل الإمكانيات المالية والعسكرية والمالية لاستهداف سبطسية والمورث الحضاري والتاريخي للبلدة الذي يزيد عمره عن أكثر من 3 آلاف سنة، وذلك بظل دعم دولي الذي يتمادى في صمته ولا يحرك ساكنًا حيال مخططات الاحتلال لتهويد الحضارات والثقافات في فلسطين التاريخية.

وأشاد عازم بالدور الذي يقوم به فلسطينيو 48 بزيارة سبسطية والبلدات والمواقع الفلسطينية في الضفة الغربية، مؤكدًا أن هذه الزيارات تعكس وحدة الحال للشعب الفلسطيني، وتعزز صمود أهالي سبسطية وتحمل رسائل بأن الشعب الفلسطيني سيحمي موروثه الثقافي والحضاري والتاريخي، وسيفشل مخططات الاحتلال، وسيحمي أرضه ووطنه مهما كان الثمن.

مشاهد ومحطات

تقع سبسطية على بعد 12 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، على طريق السهل الساحلي الفلسطيني مع الطريق الشمالي الذي يربط بين نابلس وجنين والطريق المؤدي إلى وادي الأردن.

وتتمتع سبسطية التي تعتبر من أقدم البلدات الفلسطينية التي عايشتها الكثير من الحضارات والثقافات، بإطلالة جميلة ومشاهد خلابة تظهر فيها الأراضي الزراعية الخصبة.

وتشير التقاليد العربية الدينية الإسلامية والمسيحية إلى وجود قبر يوحنا المعمدان النبي يحيى عليه السلام في البلدة التي تواجه مخططات احتلالية لتهويدها وتزوير التاريخ والحضارات سعيًا لتكريس الاستيطان في المنطقة، بحسب منسق العلاقات العامة والسياحية في بلدية سبطسية، أشرف الشاعر.

أشرف الشاعر / منسق العلاقات العامة والسياحية في بلدية سبسطية (عرب48)

وتفنيدًا للروايات التوراتية، يقول الشاعر لـ"عرب 48" إن التنقيبات الأثرية التي نفذت في العديد من المواقع في البلدة منذ مطلع القرن العشرين، أظهرت بأن أقدم الدلائل الأثرية تعود للعصر البرونزي المبكر 3200 قبل الميلاد، حيث كشفت عن قسم من معالم مدينة العصر الحديدي الثاني الذي يعود للقرن التاسع والثامن قبل الميلاد.

حضارات واستكشافات

وشملت الاستكشافات على المدينة العليا الأكروبوليس، وكشفت كذلك على الأسوار المحيطة بالموقع، حيث تحتوي المنطقة على مجمع القصر الملكي وساحة مركزية، علمًا أن أبرز المكتشفات الرئيسية في القصر العثور على زخارف عاجية منحوتة.

كانت سبسطية عاصمة سياسية وإدارية مهمة خلال العصر الحديدي حوالي 538 إلى 900 قبل الميلاد، حيث وقعت المدينة تحت سيطرة الأشوريين، ولاحقًا تحت الحكم الفارسي، واستمرت سبسطية بدورها خلال الفترة الهيلينسية بعد خضوعها للأسكندر الأكبر، حيث أقيمت التحصينات الضخمة حول المدينة وأحيطت بأبراج دائرية.

بعد خضوع سبسطية للحكم الروماني بين 324 إلى 63 قبل الميلاد، أصبحت المدينة جزءً من مقاطعة سورية، ومنحها الإمبراطور أوكتافيان للملك هيرود في عام 30 قبل الميلاد ليحكمها باسم روما، وبعد أن حصل أوكتافيان على لقب أغسطس من مجلس الشيوخ الروماني أطلق هيرود على المدينة اسم "سبسطي" وتعني "المُبجّلة"، وذلك تكريمًا وتقربًا من الإمبراطور أغسطس.

شهدت المدينة خلال الفترة الرومانية تنفيذ مشروع بنائي ضخم، والذي احتوى على سور المدينة، والبوابة الغربية، والشارع المعمد الذي أقيم على امتداد 600 عمود، بالإضافة إلى البازيليكا، والمسرح، ومعبد أغسطس، ومعبد كوري، والملعب الرياضي، والقناة المائية، والمقابر.

كنيسة ومسجد

أصبحت سبسطية خلال الفترة البيزنطية 324 إلى 636 ميلادي، يقول المشرف على مسجد سيدنا يحيى، مدحت كايد، مركز أسقفية مرتبطًا بوجود قبر يوحنا المعمدان النبي يحيى عليه السلام، فأقيمت فيها كنيستان، إحداها تقع إلى الجنوب من تلة الموقع الأثري، بينما بنيت الأخرى في بلدة سبسطية الحديثة.

وخلال الفترة الصليبية 1099 إلى 1178 ميلادي سرد كايد لـ"عرب 48" أنشئت كاتدرائية ضخمة فوق انقاضها والتي حُوّل قسم منها إلى مسجد في الفترة الأيوبية 1187 إلى 1225 ميلادي، ثم بُنيَّ في الفترة العثمانية وتحديدًا عام 1892 مسجد على القسم الشرقي من الكاتدرائية، وهو مسجد النبي يحيى عليه السلام والذي لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا.

مدحت كايد / مسؤول عن مسجد ومقام النبي يحيى (عرب48)

احتفظت سبسطية المملوكية والعثمانية والحديثة باسمها الروماني القديم، وتعتبر البلدة التاريخية بأحواشها وشوارعها وأزقتها الضيقة نموذجًا للعمارة التقليدية الفلسطينية لقرى الكراسي التي سادت أواخر الفترة العثمانية.

نفذت السلطة الفلسطينية سلسلة من أعمال الترميم في نواة البلدة التاريخية، والتي شملت المسجد وضريح ومقام النبي يحيى، وكاتدرائية يوحنان المعمدان، والمقبرة الرومانية، ومعصرة الزيتون، وقصر الكايد، والمباني القديمة، بالإضافة إلى المسار السياحي، وتم تنفيذ مشروع مركز التفسير والإرشاد من قبل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" وبلدية سبسطية.

فسيفساء وضيافة

تعتبر البلدة الحالية من سبسطية، وبقاياها الأثرية والبلدة التاريخية والمشهد الحضاري، نقطة جذب سياحية رئيسية في الضفة الغربية، وهي مدرجة على القائمة التمهيدية لمواقع التراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية في فلسطين، بحسب المسؤول في مشروع "فسيفساء بيت الضيافة"، شادي الشاعر.

وضمن المشاريع للحفاظ على الحضارة والتاريخ في سبسطية والتصدي للمشاريع التهويدية والاستيطانية ومحاولات تزوير التاريخ من قبل الاحتلال، نُفِّذَ في البلدة يقول الشاعر لـ"عرب 48" مشروع "فسيفساء بيت الضيافة- سبسطية"، الذي يعتمد على ضيافة في المنازل التي تم ترميمها، لعيش التاريخ والحضارات بنكهة مأكولات شهية في شمال فلسطين الجميل.

شادي الشاعر / مسؤول في مشروع "بيت الضيافة" (عرب48)

ويستقبلكم "فسيفساء بيت الضيافة" سبسطية الذي تحيط به التلال الخضراء الخصبة إلى الاستمتاع مع عائلاتكم بالهدوء وحسن الضيافة في البلدة التي تواجه تحديات وصراعات تاريخية مع المحتل.

مسارات وإطلالات

يوفر بيت الضيافة مكان مناسب ومريح لمبيت الزوار من خلال إشراك المجتمع المحلي الذي يوفر للزوار أيضًا مسارات سياحية على الأقدام بقيادة أدلاء سياحيين من محيط سبسطية الرائع.

سواء كان الفطور المقدم هو الفطور الفلسطيني التقليدي، إلا أن هناك منتجات مثل السيراميك والصابون ومنتجات أخرى يتم تصنيعها محليًا من قبل أهالي البلدة، مما يجعل من بيت الضيافة مكان لاحتواء رسائل ومفاهيم حضارية وثقافية وتراثية، وفي نفس الوقت توفير عائدات اقتصادية تعود على المجتمع الفلسطيني المحلي لتعزيز صموده.

يتكون بيت الضيافة الذي يبعد دقائق مشيًا عن مواقع سبسطية الأثرية والثقافية، من غرف فردية وزوجية وثلاثية عائلية على عدة طوابق موصولة بأدراج، ساحات وشرفات توفر إطلالة رائعة على البلدة، وجميع الغرف مناسبة للأفراد، الأزواج والعائلات وأيضًا المجموعات الصغيرة، حيث تتميز الغرف بتصميمها وأجوائها التي تُبرز الأعمال الفنية للفسيفساء المشغول يدويًا وأعمال السيراميك.

(تصوير الزميل، محمد وتد/خاص لـ"عرب48")

التعليقات