عن قرية كوكبا الّتي أصبحت مستعمرة "كوخاف"

في سنة 1950 أقام الصهاينة مستعمرة "كوخاف ميخائيل" على أنقاض قرية كوكبا المهجّرة، وتحديدًا على أراضي القرية الواقعة إلى الجنوب الشرقيّ من موقعها، بينما لاجئو كوكبا ظلّوا لعقود في مخيّمات اللجوء في غزّة يبنون بيوتهم بدون أسمنت...

عن قرية كوكبا الّتي أصبحت مستعمرة

من آثار قرية كوكبا (أرشيف)

هذه المادّة السادسة ضمن سلسلة قرى قضاء غزّة المهجّرة الّتي حوّلت إلى مستوطنات ما يعرف بغلاف غزّة الّتي ننشرها تباعًا.


في اسمها

هي "الكوكبة الزهرة والكوكب من الروضة نورها، ومن الحديد بريقه، ومن البئر عينها، وسمّيت هذه القرية بذلك لحسن أرضها وصفائها"؛ هذا ما يقوله شيخ إتحاف الأعزّة معرّفًا اسم قرية كوكبا المهجّرة من قضاء غزّة (1)، بينما إبراهيم سكيك في موسوعته يقول إنّ القرية في اسمها تنسب إلى موقعها عند "خربة كوكب" القديمة، ومن هنا اسمها كوكبا (2). فيما ورد أيضًا أنّ القرية أقيمت على موقع قرية قديمة دارسة كان اسمها في زمن الصليبيّين "كوكبيل" ثمّ كوكب في عهد المماليك، وقد ورد أنّ عدد سكّانها في سنة 1596 بلغ 88 نفرًا، كانوا يدفعون ضرائب على غلالهم من القمح والشعير والسمسم والفاكهة وكروم العنب (3).

في مقابلة شفويّة مع الحاجّ عيسى صلاح من كوكبا، يقول إنّ تسمية قريته تعود إلى مقام "النبيّ كوكب" فيها، والمقام ظلّ يتذكّره كلّ من ولد وعاش في كوكب قبل نكبتها، وهو عبارة عن صخرة تقع في الناحية الشرقيّة من القرية، إذ كنّ نساء كوكبا يشعلن صخرة المقام بالزيت المنذور تشفعًا وتبرّكا بكوكب النبيّ هناك (4). وإذا ما أخذنا التسمية العبريّة الّتي أطلقها الصهاينة على مستعمرتهم المقامة على أنقاض قرية كوكبا بعد عام 1948 "كوخاف" والّتي تعني "النجم أو الكوكب"، وهي تسمية مشتقّة من اسم موقع القرية القديم، حيث تكرّر إطلاق اسم "كوكب أو كوكبة" على غير موقع في فلسطين مثل كوكب أبو الهوا وكوكب أبو الهيجا، وهي تسمية كانت تطلق على المواقع المرتفعة - المطلّة والمضاءة ممّا جعلها تبدو مثل كوكب نجم السماء، فسمّيت كوكب، وينسحب ذلك على قرية كوكبا في ساحل قضاء غزّة حيث كانت تقع القرية على تلّ يزيد ارتفاعه 100 متر عن وجه البحر.

وممّا لقّبت به القرية في تسميتها أيضًا "كوكبا الذهب"(5)، ومردّ ذلك لخصب أراضيها بما كانت تغلّه من القمح الّذي يقال بإنّه كان له لمعة مذهّبة خاصّة. بينما في رواية أخرى تقول عن سبب تسميتها كوكبا الذهب، لأنّه عرف عن حبّ لبس النساء الكوكبيّات لمصاغهنّ وذهبهنّ (6).

في الموقع والمعالم

على بعد ما يقارب 25 كيلو مترًا عن غزّة المدينة كانت تقع قرية كوكبا من شمالها الشرقيّ، وقد أحاطت بالقرية من غربها قرية بيت طيما على بعد 4 كيلو مترًا، ومن شرقها مباشرة كانت قرية الفالوجة، ومن شمالها الشرقيّ قرية عريق سويدان، بينما قريتا عبدس وجولس تقعان إلى الشمال منها، ومن الجنوب باتّجاه غزّة كانت قرية الحليقات. إلّا أنّ قريتي الحليقات وبيت طيمًا كانتا الأقرب إلى قرية كوكبا وقد تشاركت هذه القرى الثلاث في مدرسة واحدة كانت تقع جنوبيّ كوكبا (7).

قرية الفالوجة قرب قرية كوكبا عام 1949 (أرشيف)

من الوديان الّتي كانت تحيط بكوكبا واديان، الأشهر هو "وادي البطاطا" الّذي كان يحفّ القرية من شرقها، وقد انفرد أهالي كوكبا بتسميته وادي البطاطا. ومن الشمال إلى الشرق من القرية على مسافة أبعد قليلًا من الواد الأوّل كان يمرّ وادي "الهديبة" نسبة لقرية الهديبة الواقعة بمحاذاته (8).

والجدير ذكره، أنّ قرية كوكبا تعتبر حديثة النشأة، إذ يعود توطّنها إلى مرحلة حملة إبراهيم باشا المصريّ على البلاد 1831 – 1840 حيث جرى توطّن بعض المصريّين القادمين مع جيش الحملة في فلسطين، وخصوصًا في ديار غزّة، وممّا يدلّ على الأثر والإرث المصريّين في كوكبا وغيرها من قرى غزّة هو المعجم الاجتماعيّ المتداول على ألسنة الناس فيها، فأبناء كوكبا كانوا يطلقون على مختار قريتهم اسم "العمدة" وهي تسمية مصريّة، وكذلك يطلقون على البيدر تسمية "الجرن".

ظلّت كوكبا حتّى عام النكبة، تعتبر قرية صغيرة في مساحتها، وفي تعداد سكّانها الّذي تراوح ما بين 700-800 نفر. وممّا يقوله معمّري القرية بأنّ معظم عائلات القرية قد انحدرت من صلب رجل واحد هو عوّض اللّه الجدّ المؤسّس، والّذي وفد للقرية من قرية الجيّة، وانقسم آل عوّض اللّه إلى قسمين أقاما ما بين شمال القرية وجنوبها، والقسم الشماليّ ضمّ آل أبو ريّا، بينما الجنوبيّ ضمّ آل الباز. وتفرّع القسم الشماليّ إلى ثلاثة أخوّة: الحاجّ، عبد الهادي وحسين، وكان مختاره من آل الحاجّ لكثرة عدد هذه الأخيرة. أمّا القسم الجنوبيّ، فينتمي إلى ثلاثة أخرى أيضًا: محمود، صالح وموسى، وتنقّلت وظيفة المختار في هذا القسم بين عائلتي محمود وصالح (9).

شرب أهالي كوكبا على مدار تاريخهم من بئر واحدة، وصل عمقها إلى ما يزيد عن 70 مترًا. كانت تصبّ مياه البئر في خزّان كبير له 8 حنفيّات يستمدّ منها السكّان حاجتهم من الماء في جرّار كانت تحمّلها نساء القرية على رؤوسهنّ، بينما اعتمدوا في ريّ أراضيهم على مياه الأمطار. أمّا عن مدرسة القرية الحديثة، فقد بنيت سنة 1945 في الناحية الجنوبيّة منها، وقد شاركهم فيها أولاد قريتي بيت طيمًا والحليقات، وقبل بنائها كان أولاد كوكبا يقرؤون على أيدي شيوخ الكتاب، وأشهرهم الشيخ الشبراوي في قرية بيت طيمًا (10). أمّا جامع القرية، فكان يقع في القسم الشماليّ منها في حارة عائلة الحاجّ.

في العيش والمعاش

لقد عاش أهالي كوكبا على زراعة القمح والذرة البيضاء والسمسم، وقليلًا ما زرعوا الشعير إلّا بما يكفي حاجة دوابّهم، وكذلك الكرسنة كانوا يزرعونها لعلف جمالهم الّتي اعتمدوها في النقل والحرث (11). كما اعتبرت زرع أهالي كوكبا الكرمة الّتي اشتهرت بها كلّ قرى قضاء غزّة ومجدل عسقلان، وقد احترف أهالي كوكبا تسنيدها – أي تحويلها إلى عرائش -، بينما خصّصت أراضي "الحكر" أي الحواكير المحيطة ببيوت القرية لزراعة البقول والقطّان والمقاثي.

مزارعون فلسطينيّون (أرشيف)

وممّا احترفنه نساء كوكبا هو نسج "المزاود" أي البسط الّتي كان يفترشها أهالي القرية والقرى المحيطة بها في بيوتهم، والّتي كانت النساء تنسجها من صوف الغنم، إضافة إلى شدّ اللحف والمساند. كما عرف عن أهالي القرية صناعة الألبان على اختلاف أنواعها، ممّا أضافت هذه الحرف في مردودها دخلًا إضافيًّا لأهالي كوكبا.

عرف أهالي كوكبا حياة متكافلة في عيشهم ومعاشهم، فقد عرفوا التغافر لا التخافر فيما بينهم، كانت كوكبا إذا ما شيّعت أحد أبنائها إلى مثواه الأخير، بكت القرية عن بكرة أبيها حدادًا. وقد عرفت نساء كوكبا بعادة "البدع" أي النواح على قبر الميّت حيث القبور الروميّة القديمة حتّى مطلع ثلاثينات القرن الماضي. ومن عادتهنّ عند حدادهنّ على الميّت صبغهنّ شال غطاء الرأس الأبيض باللون الأزرق، كما اعتبرت عادة "الخاروجة" واحدة من أكثر العادات تراحمًا بين أهالي القرية حيث يقدّم كلّ بيت طبقًا من الطعام لعائلة المتوفّى خلال أيّام العزاء (12).

من وكر برير إلى كوخاف

يقول الحاجّ صلاح في مقابلته، إنّ جدّته لأبيه أرادت عند ولادته تسميته "حرب"، وذلك لأنّه ولد في عزّ انطلاقة ثورة فلسطين الكبرى سنة 1936، إلّا أنّ والده آثر تسميته صلاح الدين تيمّنًا بقاهر الصليبيّين، ومتمنّيًا نصرًا للثورة على الإنجليز في حينه (13).

لم تشهد كوكبا حالة ثوريّة، أو تشكيل فصيلًا ثوريًّا خلال الثورة (1936 – 1939)، وذلك ينسحب على كثير من قرى قضاء غزّة، إذ كان المدّ الثوريّ وقتها شمالًا، ممّا جعل ثوّار قضائي غزّة الالتحاق بفصائل ثوّار أقضية الخليل والقدس والرملة ويافا. ودون أن يعني ذلك، عدم دعم كوكبا للثورة عبر مدّها بالذخيرة والمال، وإيواء الثوّار إذا ما قصدوا القرية متسلّلين.

لقد تشكّل وعي أهالي كوكبة بالمشروع الصهيونيّ، منذ ما قبل النكبة مع تأسيس كوبانيّة (مستعمرة) نقبة، عند قرية عريق سويدان. وأكثر ما كان يلفت أهالي كوكبا هو ما أطلقوا عليه بعامّيّتهم "وكر برير" نسبة إلى قرية برير. وسمّوها الوكر، لأنّ هذه المستعمرة اليهوديّة لم يكن فيها مباني مثل باقي المستعمرات، إنّما كانت عبارة عن خنادق حفرها الصهاينة في الأرض، فاعتبرها الكواكبة وكرًا (14).

حلّت أحداث النكبة على كوكبا مبكّرًا منذ 11 كانون الثاني/ يناير 1948، حيث وقع يومها اشتباك على الطريق المؤدّي إلى القرية، حيث هاجم المقاتلون العرب قافلة يهوديّة مسلّحة. وقد احتلّت قرية كوكبا على مراحل في عام النكبة، وجرى تهجير أهلها أيضًا على مراحل منذ تاريخ يوم 14 حزيران/يونيو 1948. غير أنّ كتيبة المشاة الثانية المصريّة قد استعادت القرية في يوم 8 تمّوز/يوليو، بمساعدة إحدى السرايا السعوديّة، وظلّت القرية في أيدي القوّات العربيّة حتّى تاريخ 18-19 تشرين الأوّل/أكتوبر، حيث أعلن الصهاينة استيلائهم على القرية مجدّدًا في تاريخ 20 تشرين أوّل/أكتوبر ومعها قريتا بيت طيمًا وحليقات (15).

في سنة 1950 أقام الصهاينة مستعمرة "كوخاف ميخائيل" على أنقاض قرية كوكبا المهجّرة، وتحديدًا على أراضي القرية الواقعة إلى الجنوب الشرقيّ من موقعها، بينما لاجئو كوكبا ظلّوا لعقود في مخيّمات اللجوء في غزّة يبنون بيوتهم بدون أسمنت، ظنًّا منهم بأنّ عودتهم لكوكبا وشيكة في كلّ لحظة.


الهوامش:

(1) الطباع، الشيخ عثمان مصطفى، إتحاف الأعزّة في تاريخ غزّة، تحقيق: عبد اللطيف زكي هاشم، مكتبة اليازجي، غزّة، 1999، ج2، ص 435.

(2) سكيك، إبراهيم خليل، غزّة عبر التاريخ، ج6، ص58.

(3) الخالد، وليد، كي لا ننسى، قرية كوكبا، نقلًا عن موقع فلسطين في الذاكرة.

(4) عيسى، صلاح الدين، كوكبا، مقابلة شفويّة، موقع فلسطين في الذاكرة: ضمن مشروع تدوين الرواية الشفويّة للنكبة الفلسطينيّة، تاريخ 27-3-2006.

(5) أبو رامز، الحاجّ، كوكبا، مقابلة شفويّة، برنامج ذكريات شعب، منشورة على اليوتيوب، 2020.

(6) المقابلة السابقة.

(7) سكيك، المرجع السابق، ج6، ص58.

(8) عيسى، صلاح الدين، المقابلة السابقة.

(9) سكيك، المرجع السابق، ج6، ص59.

(10) عيسى، صلاح الدين، المقابلة السابقة.

(11) المقابلة السابقة.

(12) المقابلة السابقة.

(13) المقابلة السابقة.

(14) المقابلة السابقة.

(15) الخالدي، وليد، المرجع السابق.

التعليقات