الصحف الاسرائيلية: "انتهى عهد الغرام بين اسرائيل والمستوطنين"

"المستوطنون بقوة حاخاماتهم وقادتهم، وبمساعدة الحكومات الاسرائيلية والوزراء والجيش والشرطة وجهاز تطبيق القانون، شركاء في سرقة الأراضي وهدم البيوت واقتلاع الأشجار"

الصحف الاسرائيلية:
كرس العديد من الكتاب في الصحف الاسرائيلية الثلاث، "هآرتس"، "يديعوت أحرونوت" و"معاريف" مقالاتهم، اليوم الاربعاء، لخطة فك الارتباط، من خلال تناول الجوانب غير الاخلاقية والسياسية للاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعامل السلطات الاسرائيلية معهم، طوال سنوات الاحتلال، بقفازات من حرير وصرف ميزانيات باهظة على مشروعهم الاستيطاني على حساب جوانب أخرى يعتبرها الكتاب أكثر أهمية، داخل الخط الأخضر.



في صحيفة "هآرتس" وتحت عنوان "خلع القفازات" يكتب أبراهام طال، ان كل ما حدث من مواجهات بين المستوطنين والمتواجدين غير القانونيين في المستوطنات (يقصد المتسللين من نشطاء اليمين)، من جهة، وبين قوات الأمن، من جهة أخرى لم يكن إلا مقدمة تمهيدية، مضيفا "ان المعركة على فصل قطاع غزة عن اسرائيل تبدأ، عملياً، اليوم، هذا اليوم الذي من المقرر فيه أن تخلع قوات الأمن قفازاتها".

ويتطرق طال الى ردود الفعل المتوقعة من قبل المستوطنين في قطاع غزة الذين "سيكون من بينهم من سيحاولون التظاهر حتى اللحظة الاخيرة، تمسكا ببيوتهم، ومن ثم يغادرون القطاع مسلمين بحتمية الاخلاء، واؤلئك الذين سيقاومون الاخلاء والذين ستضطر قوات الامن الى اخلائهم بالقوة، والمتسللين من طلبة المدارس الدينية والبلطجيون الشبان الذين جاؤوا من تلال الضفة الغربية لمحاربة الجنود وقوات الشرطة"، والذين يقول الكاتب انه "يجب اعتقالهم وتقييدهم بالأصفاد ومحاكمتهم تماما كما يتم التعامل مع المجرمين الجنائيين".

ويرى الكاتب "ان اخلاء قطاع غزة سيكون الهدف الأساسي لهذه المعركة، لكنه لن يكون الهدف الوحيد، اذ لا يقل أهمية عن ذلك هدف اعادة ترميم صلاحيات الدولة واعادة فرض سلطة القانون، اللذان تضعضعا، على مدار عشرات السنوات بفعل قيام فئة ضئيلة من الشعب، غوش ايمونيم ومستوطنيها، بفرض جدول الأعمال القومي واجبار الدولة على اخضاع معايير سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية لمصالحهم".

ويضيف: "في السنوات الأخيرة أصبحت صلاحيات الدولة وسلطة القانون محل استهزاء وسخرية على تلال الضفة الغربية، حيث عمل لصوص الأراضي الخاصة ومتجاوزي حدود مزارع المحليين ومخربي المحاصيل وسارقي املاك الغير، في ظروف غاب فيها القانون والشرطة والقضاء. لقد أقيمت عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية (وطبعاً ليس بدون مساعدة عدد من الوزارات)، وعندما تم كشف حجم ومعنى الأعمال الاجرامية أظهرت الحكومة عجزها المهين ازاء المجرمين. لقد أصبح القانون مضحكاً وصلاحيات الحكومة مهزلة، وأصيبت مقدرة الدولة على فرض سيادتها بشكل بالغ. وقد تواصل هذا الورم السرطاني حتى الأيام الأخيرة، حيث قام آلاف الفوضويين من أصحاب القلنسوات والخيوط المتدلية من الثياب بالتسلل بأساليب خداعية الى قطاع غزة عن طريق الحواجز، خلافا للقانون".

ويرى الكاتب أن "هذا اليوم، والأيام العشرة المقبلة، ستشكل محكا لسلطة القانون وصلاحيات الدولة؛ ستضطر قوات الأمن الى الاثبات – أخيراً ومنذ سنوات طويلة – استعداها ومقدراتها على مواجهة المستوطنين المتعنتين والفوضويين الذين حظيوا حتى الآن بمعاملة متسامحة، وفرض الأوامر التي أصدرتها الدولة ذات السيادة عليهم، وطرد كل الذين يجلسون في قطاع غزة بشكل غير قانوني، من مستوطنين ومتسللين، دون أي تردد أو تأتأة".

ويخلص الى القول: "منذ اليوم، تم خلع القفازات، وباتت قوات الأمن تملك وسائل ضخمة لفرض صلاحيات الدولة وسلطة القانون على المجرمين، وعليهم ألا يترددوا في استخدام هذه الوسائل مهما تطلب الأمر.

تحت هذا العنوان كتبت الصحفية سيما كدمون في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ان "اللعبة يجب أن تكون مغايرة ابتداء من صباح اليوم، ويجب تغيير شروطها. فمنذ هذا الصباح يجب عدم تقبل الصراخ والبصاق والاهانة والاذلال. يجب منذ اليوم وقف المعاملة المؤدبة والمجاملة واعتبار الأحاسيس والعواطف من خلفنا. منذ هذا الصباح يتحتم وقف هذه الرواية الغرامية بين قوات الاخلاء والمستوطنين".

وتتفق كدمون في رأيها مع الرأي الذي عرضه طال سالفاً وتقول "ان ما يتوقع من الجيش والشرطة، منذ هذا الصباح، هو فرض النظام. هذا هو اليوم الذي يتحتم فيه على الدولة استعادة سيطرتها والمقود. يمنع السماح لقادة مجلس المستوطنات بالتنصل من المسؤولية وهم يساندون العنف الجسدي والكلامي واحتقار جنود الجيش واهانة قوات الشرطة التي تقوم بواجبها".

"منذ هذا الصباح"، تضيف كدمون "يجب أن تكون قلوبنا فظة إزاء المشاهد التي تصلنا من قطاع غزة، وأن تخجل دموعنا ازاء أسف المستوطنين. اذا كان هناك من يجب تدعيمه هذا الصباح، فهم ليسوا مئات الأشخاص – غالبيتهم أوباش لا يقيمون في المكان – الذين لا يطيعون القانون. ليسوا هم من يجب أن نعتذر لهم وإنما آلاف الجنود وافراد الشرطة الذين وضعناهم في مواجهة حالة لا تغتفر".

وتضيف كدمون "ان كل من يعتقد ان مئات الأشخاص الذين يتمسكون، منذ اليوم، خلافا للقانون، بأرض غزة، انما يبكون على بيوتهم، يرتكب خطأ فظيعاً، ومن يؤمن بأن قلوبهم تتمزق على الانفصال عن هذا القطاع، لا يفهم. فهؤلاء الأشخاص الذين يتحصنون في القطاع ويهينون قوانين الدولة يبكون لأن الشروط تغيرت. انهم يحتجون لأن هناك من وضع حدا لتفردهم، ولأنه بعد اكثر من 35 عاماً كانوا فيها أسياد البلاد وأخضعوا حكومات، قامت، فجأة، حكومة وقالت "كفى"، ولأن الجيش أصبح يخدم مصالح أخرى بعد أن حولوه خلال عشرات السنوات الى شركة تأمين خاصة بهم".

"هؤلاء الناس الذين آمنوا بأنهم يملكون السيادة والشرعية، هؤلاء الذين أسقطوا حكومات وغيروا خرائط وتسببوا بتعقيد عمليات (سياسية) وفرضوا اتفاقيات خاصة، يفهمون اليوم ان الوضع تغير وأن حربهم اليوم هي ليست على أرضهم فقط وإنما على سيادتهم، ليست على بيوتهم فقط، وانما على سيطرتهم".

وتتوجه الكاتبة الى المستوطنين في قطاع غزة قائلة: "يؤسفنا يا سكان قطاع غزة، من أخلى (المستوطنات) منكم ومن لم يفعل، فلقد انتهت دموعنا. على مدار 38 عاماً أخضع قرابة نصف سكان اسرائيل أنفسهم لشروطكم. لقد تجند الجميع من أجل احتياجاتكم وطلباتكم وأمنكم، حتى اولادنا. نعم، لقد أرسلوهم هم أيضاً للدفاع عن بيوتكم خلافا لايماننا، وبشكل يتناقض تماماً مع غرائزنا. لقد حان دوركم. هذا هو زماننا نحن الآن".


"نعم يؤسفنا يا سكان غزة، ولكن لدينا ما يكفينا من الأمور للبكاء عليها، حتى بدون استفزازاتكم. يمكننا البكاء على كل الأموال التي تم هدرها، على الثمن الاخلاقي والقيمي الضخم، على الخسائر القومية، الداخلية والخارجية. يمكننا البكاء على الدولة التي كنا، وعلى الدولة التي أصبحنا، ويمكننا البكاء بشكل خاص على الأرواح الشابة، لقد اهدرت الكثير من أرواح الشبان بسبب نزوة طويلة عديمة الفائدة".


من جهتها وفي مقالة نشرتها "معاريف"، تقول وزيرة المعارف الاسرائيلية سابقا، شولميت ألوني، انها تتفهم ألم المستوطنين، لكنها ترحب بانتهاء عهد الكولونيالية العربيدة والبلطجية في غزة.

وتذكّر ألوني بتصريح موشيه ديان الفظ بعد احتلال شبه جزيرة سيناء في حرب 1967، حين قال انه يفضل شرم الشيخ بدون سلام على السلام بدون شرم الشيخ، ثم مبادرته بعد أن أصبح وزيرا للخارجية (في حكومة الليكود بزعامة مناحيم بيغن) الى السلام مع مصر واخلاء شرم التي كان يسميها الاسرائيليون "أوفيرة" واخلاء دي زهاف والنويبع وغيرها من المستوطنات في التكتل الاستيطاني على مشارف رفح المصرية.

وتقول الوني انهم ينسون هذا كله، اليوم، ولا يتذكرون الا اخلاء مستوطنة "يميت" المشاغبة بسبب المتعصبين من أحزاب اليمين الديني والعلماني الذين تم تدريبهم على أيدي حاخامات يسمعون أصوات تعيد اختراع الشرائع.

وتقارن ألوني بين ما حدث آنذاك وبين ما يحدث اليوم، حيث يقوم الحاخامات بتجيير مقولات توراتية لتحقيق مآرب سياسية اليوم. وهكذا، تقول، "كان المستوطنون بقوة حاخاماتهم وقادتهم، وبمساعدة الحكومات الاسرائيلية والوزراء والجيش والشرطة وجهاز تطبيق القانون، شركاء في سرقة الأراضي وهدم البيوت واقتلاع الأشجار".

وتشير الى التمييز في تعامل الشرطة مع المستوطنين وغيرهم من المواطنين، حيث لا تقوم باستخدام الغاز المسيل للدموع او حتى خرطوم ماء ازاء الانفجار غير الديموقراطي لليمين، خلافا لما كانت ستفعله الشرطة ازاء المواطنين الآخرين.

وتقول ألوني ان "كل المستوطنين في قطاع غزة والضفة الغربية كانوا يعرفون جيدا انهم يجلسون خارج منطقة نفوذ دولة اسرائيل، كلهم يعرفون ان الأرض التي يجلسون عليها هي أرض مسروقة، وان شاطئ البحر الجميل الذي أحبوه منح لهم بعد طرد سكان المنطقة، كلهم كانوا يعرفون انه يتم من اجلهم اقتلاع الأشجار وهدم المنازل، واحيانا على كل ما تحتويه. كلهم كانوا يعرفون بأنهم يعيشون بثراء على حساب الجمهور وان الشرطة تخدمهم بل وتقتل من أجلهم".

وتضييف : "انهم يبكون اليوم على شجرة زرعوها، على بيت فخم سيغادرونه (مقابل الحصول على شروط أفضل)، لكنهم، هم وقادتهم، لم يتطرقوا، ابدا، لمن تم طردهم وهدم بيوتهم وابادة مزروعاتهم. فأولئك بالنسبة لهم ليسوا من البشر، بل مشاع".

"كما انهم لم يبدوا أي تعاطف مع فقراء اسرائيل، مع سكان بلدات التطوير والبلدات الحدودية التي أرسل اليها المهاجرون دون أن يعرفوا إلى أين يتم ارسالهم".

"لقد غادر سكان اوفيرة ودي زهاف ونويبع بأسى وبألم، اقاموا طقساً وداعيا محترما في المدرسة وأنزلوا العلم ورددوا نشيد "هتكفا. لكن هؤلاء ايضاً لا يؤخذون في الحسبان، ببساطة لأنهم كانوا "مجرد" مواطنين فهموا أهمية السلام".

وتخلص الى القول: "لقد تراجعت الامبريالية واختفت ومعها الكولونيالية. لكن القوة افقدتنا وعينا، أحببناها وأحببنا الاحتلال، ولهذا ثارت البلاد ولم تعد تحتمل "حكم العبد وجوع الفقير".



التعليقات