11/04/2015 - 15:48

الإغاثة في اليرموك بين مطرقة "المسلحين" وسندان النظام

يقود فتح الآليات المتبعة لتوزيع المساعدات الإنسانية والطبية في مخيم اليرموك، إلى قناعة مفادها أن استهداف كل من ينشط في مجال الإغاثة لكسر صمود السكان هناك ولأجل إبقاء الوضع غير الإنساني على ما هو عليه

الإغاثة في اليرموك بين مطرقة

يفصح الملف الإغاثي لمخيم اليرموك، بما لا يدع مجالا للشك، عن الفاجعة التي يرزح تحتها سكان مخيم اليرموك. ورغم الأنباء التي تتحدث عن دخول قوافل للمساعدات باتجاه منطقة يلدا، إلا أنه يبقى دخولها للمخيم أمرا مستحيلا، والمعاناة التي يتكبدها النازحون لاستلام حصة المساعدات لا يمكن أن تمر دون إذلال متعمد، ليبقى مشهد تصوير الإعانات هو الذي يتصدر الأخبار التي تتعمد إظهار التعاطي مع ملف المساعدات بأنه يجري وفق ترتيبات سهلة.

يقود فتح الآليات المتبعة لتوزيع المساعدات الإنسانية والطبية في مخيم اليرموك، إلى قناعة مفادها أن استهداف كل من ينشط في مجال الإغاثة لكسر صمود السكان هناك ولأجل إبقاء الوضع غير الإنساني على ما هو عليه، فإذا كانت "العصابات المسلحة"، حسب رواية الإعلام والأمن السوري، هي التي كانت تمنع أو تعيق إدخال المساعدات سابقاُ من جهة مشفى الرحمة، فإن توزيعها من جهة شارع نسرين، فيما بعد، كشف عن زيف الرواية التي كانت متبعة قبل عامين، فمشهد إذلال النسوة وكبار السن وتعقيد خروج المرضى كانت وحدها كافية لوضوح المشهد.

بعد عمليات التصفية التي حصدت عددا من العاملين والناشطين في المجال الإغاثي والطبي على يد المجموعات المسلحة داخل المخيم، خلال العامين الماضيين، فان من اعتقل وقضى تحت التعذيب واختفى، يظهر ثنائية الإبقاء على الهدف المرجو من إذلال وتصفية المخيم.

جمال حماد.. الناشط الإغاثي في مشفى فلسطين ليس آخر المعتقلين على حاجز النظام والقيادة العامة، فقد سبقه للاعتقال الدكتور هايل حميد، والدكتورعلاء الدين يوسف، والدكتور نزار كسّاب وعشرات غيرهم من مختلف المخيمات الفلسطينية، وما اليرموك إلا نموذج يحاكي كافة التجمعات الفلسطينية التي شهدت حالات الاعتقال والموت تحت التعذيب لنشطاء إغاثة.

وللعلم فقد جرى اعتقال العديد من الأشخاص، وقتلوا تحت التعذيب لمجرد أنه ساعد من هو محاصر بإيصال بعض المبالغ المالية لهم لتأمين احتياجاتهم في ظروف الحصار، والتهمة جاهزة " تمويل الإرهاب "، فقضى كل من حسام نداف في العام الماضي تحت التعذيب، ومحمد الخطيب الذي كشفت صور تعذيبه أنه قضى تحت هذا البند، إضافة لقتل ثلاثة من الإغاثيين على أيدي الامن السوري نهاية العام 2012 كانوا يحاولون إدخال الخبز للمخيم من منطقة السبينة، وهم طه أحمد حسين وعمر الحارث أثناء محاولتهم إدخال شاحنة للخبز.

بمعنى آخر لم يكن للمجموعات "المتطرفة" اليد الطولى بعد في المخيم، منذ البداية كان العامل الإغاثي يشكل خطراً على الأمن لما فيه من إحداث روحية التآزر والتضامن داخل المخيم ليصار فيما بعد إلى قتل هذه الروحية ضمن خطوات منظمة وغير بعيدة عما جرى تبعا لأحداث تطور الحصار وإدارته على الشكل الظاهر، والمنتهي إلى فجائعية مدروسة يجري الندب عليها واستغلالها من الماكينة الإعلامية لمن يحاصر المخيم.

والحديث عن الملف الطبي لا يقل فجاعة، إذ أن كل العاملين في الإغاثة الطبية داخل المخيم هم متهمون بتقديم العلاج لـ"الإرهابيين".

كثيرة هي القصص والروايات، ولا يمكن حصرها، ولم يتم الكشف عنها بدوافع الخوف والترهيب، في بداية حصار المخيم. وإقامة حاجز القيادة العامة والأمن السوري بفروعه المختلفة " فرع فلسطين- والمنطقة- والأمن العسكري" كان شاهدا على كثير من قصص إذلال الفلسطينيات، واستمالتهن برغيف خبز مع حملات التفتيش على عدد الأرغفة والبيض.

كما أنه شهد اعتقال العشرات من الفتية والشباب الذين ما زال مصيرهم مجهولاً، ولم تظهر أي شجاعة من قبل كل المسؤولين لا في الفصائل الفلسطينية ولا منظمة التحرير، بما يكفي للسؤال عن مصير المفقودين، حتى من كوادرهم المنتسبة لهم. وعلى العكس من ذلك يكابد عدد من الفصائل للحصول على "موافقة" أمنية لشراء علبة حليب أو ربطة خبز إذا كانت ستتجه بها إلى حدود المخيم، وإن حصلت فإنها ستصرف من المساعدات حصة "التشبيح" على الحواجز للوصول إلى المخيم أو على بوابة المخيم.

والجدير بالذكر أن مدرسة "طاهر الجزائري" كانت في العام الماضي قد شهدت سطواً مسلحا على مستودعات الإغاثة من قبل فرع المنطقة، وتمت سرقة 350 طردا غذائيا، عدا عن الابتزاز المتكرر الذي يتعرض له كل من يعمل في المجال الإغاثي، ليصبح من وجهة نظر الأمن أو الشبيحة مصدرا للكرتونة أو حفنة من المال لتسهيل الأمر، فكان تعطيل عشرات القوافل التي قدمت يد العون للمخيم، طبعا دون التي بحاجة إليها النظام كحالة دعائية.

واللافت أن معظم من قضى تحت التعذيب داخل أقبية النظام، والتي كشفت التقارير الصحفية ومنظمة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، أنهم جميعا إما نشطاء مدنيون، أمثال خالد بكراوي وحسان حسان، أو سياسيون مثل موعد موعد، و الملفت أيضا أن حوادث الموت تعذيبا لم تدع أي فصيل فلسطيني أو قائد أو سياسي إلى ذكرها رغم ضخامتها.

وإذا أجملنا ملف الإغاث،ة بشقيه الإنساني والطبي، حسب كل المنظمات الدولية والمحلية وشهادات الناشطين وسكان المخيمات، نجد أن ملامح قمع هذا الملف كانت تسير بشكل ممنهج وعنيف لإذلال السكان وإرهابهم، وما الفروع الأمنية التي تحمل أسماء فلسطين والمنطقة والعسكري إلا شواهد صارخة للفلسطيني والسوري على حد سواء.

الصمت ثم الصمت، ثم الخوف هي حالة لا تتملك الفصائل وحدها تجاه الملف الإغاثي، بل هو تسلل حتى للذين نزحوا مؤخراً من اليرموك، كل من زارهم من المسؤولين جاء متملقا، وذهب خانعا أمام بؤس البشر.

يقول "بشير" بعد سماعه لكلمات المدير العام لمؤسسة اللاجئين: "طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب.. كويّس.. إنجازهم أتى لنا ببابور غاز وحلة مي لنغتسل، نحن معتقلون مع وقف التنفيذ لحين حل الإشكال المتعلق بفحص حالتنا الوطنية.. لا الصحية ولاالنفسية ولا الوضع المعيشي.. كلو آخر همهم".

التعليقات