27/04/2023 - 19:22

المايا: الحضارة التي اندثرت دون أن تفكّ رموزها حتّى اليوم

تعدّ حضارة المايا واحدة من أكبر الثقافات القديمة الّتي كانت موجودة في الأميركيّتين، والتي تمركزت في أميركا الوسطى، وهي منطقة تشمل أجزاء من المكسيك وغواتيمالا وبليز وهندوراس

المايا: الحضارة التي اندثرت دون أن تفكّ رموزها حتّى اليوم

(Getty)

كشفت دراسة حديثة نُشرت مؤخرًا في دوريّة "إنشانت ميزوأميركا"، عن أنّ حضارة المايا القديمة، كانت أكثر تقدّمًا ممّا نتخيّل، وذلك بعد أن استخدم الباحثون تقنيّة حديثة تسمّى "ليدار"، حيث تمّ الكشف من خلال هذه التقنيّة، عن موقع أثريّ جديد لحضارة المايا، والذي يضمّ الكثير من المنشآت ذات الطراز المعماريّ المميّز.

وتعتبر "ليدار" تقنيّة استشعار عنن بعد، تستخدم الليزر لقياس المسافات وإنشاء تمثيلت ثلاثيّة الأبعاد للأجسام أو البيئات المختلفة.

وتعدّ حضارة المايا واحدة من أكبر الثقافات القديمة الّتي كانت موجودة في الأميركيّتين، والتي تمركزت في أميركا الوسطى، وهي منطقة تشمل أجزاء من المكسيك وغواتيمالا وبليز وهندوراس، وطوّر شعب المايا حضارة متطوّرة ازدهرت لأكثر من ألف عام، من حوالي 2000 قبل الميلاد إلى وصول الإسبان في القرن السادس عشر.

واشتهرت حضارة المايا بفنّها والهندسة المعماريّة والمعرفة الفلكيّة، كما طوّر شعب المايا نظامًا معقّدًا للكتابة الهيروغليفيّة، والّذي تمّ استخدامه لتسجيل الأحداث التاريخيّة والاحتفالات الدينيّة والملاحظات الفلكيّة، كما بنوا أيضًا هياكل معماريّة عملاقة، بما في ذلك الأهرامات الشاهقة والمعابد المزخرفة والقصور المتقنة، كما كانوا علماء رياضيّات ماهرين، مع فهم عميق لعلم الفلك وحركات الأجرام السماويّة.

وجاءت إحدى أهمّ المساهمات في فهمنا لحضارة المايا في القرن التاسع عشر عندما بدأ المستكشفون وعلماء الآثار في الكشف عن أنقاض مدن المايا، وأحد أهمّ المستكشفين الأوائل كان جون لويد ستيفنز، الّذي سافر كثيرًا عبر أمريكا الوسطى في منتصف القرن التاسع عشر، حيث قدّمت كتب ستيفنز، "حوادث السفر في أمريكا الوسطى وتشياباس ويوكاتان" و"حوادث السفر في يوكاتان" أوصافًا تفصيليّة لأطلال المايا الّتي واجهها، بما في ذلك مدينة تيكال، حيث ساعدت كتب ستيفنس في نشر دراسة حضارة المايا، وتبع العديد من المستكشفين وعلماء الآثار الآخرين خطاه، مثل عالم الآثار سيلفانوس جي مورلي، الذي عاش من عام 1883 إلى عام 1948، والذي كان من أوائل علماء الآثار الّذين أدركوا أهمّيّة تقويم المايا، والّذي كان نظامًا معقّدًا يتتبّع الوقت على مدى فترات طويلة، حيث ساعد عمله في البحث في تقويم المايا على إلقاء الضوء على العديد من جوانب هذه الحضارة، بما في ذلك معتقداتهم الدينيّة ومعرفتهم الفلكيّة.

وأدّى التقدّم التكنولوجيّ خلال القرن الماضي إلى اكتشافات جديدة مهمّة حول حضارة المايا، ففي السبعينيّات، بدأت عالمة الآثار الأمريكيّة ليندا شيل في دراسة الهيروغليفيّة لحضارة المايا باستخدام برنامج كمبيوتر، ممّا سمح لها بفكّ رموز العديد من النصوص غير المعروفة سابقًا، وساعد عملها في الكشف عن العديد من أسرار هذه الحضارة ونقوشها، وتقديمها للعالم.

وفي التسعينيّات، قام فريق من علماء الآثار بقيادة ويليام ساتورنو باكتشاف غير عاديّ في أنقاض مدينة مايا في غواتيمالا، حيث اكتشف الفريق غرفة محفوظة جيّدًا تحتوي على العديد من الجداريّات ذات الألوان الزاهية، والّتي قدّمت نظرة غير مسبوقة على فنّ وثقافة حضارة المايا، إذ تصوّر اللوحات الجداريّة مشاهد من حياة شعوبها قديمًا، بما في ذلك الصيد وصيد الأسماك وإعداد الطعام، فضلًا عن مشاهد الحرب والاحتفالات الدينيّة.

وخلال السنوات الماضية، تمكّن العلماء من استخدم العلماء التكنولوجيا للكشف عن رؤى جديدة في حضارة المايا، وفي عام 2020، استخدم فريق من الباحثين تقنيّة LIDAR لرسم خرائط لأطلال مدينة من حضارة المايا في المكسيك، وكشفوا عن هياكل لم تكن معروفة من قبل ، بما في ذلك هرم ضخم، وعلى الرغم من هذه الاكتشافات الهامّة، لا يزال الكثير عن حضارة المايا لغزًا، ومن أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام هو سبب انهيار حضارة المايا حوالي عام 900 بعد الميلاد.

واقترح علماء وباحثون نظريّات عديدة تفسّر انحسار حضارة المايا، منها الزيادة السكّانيّة والتدهور البيئيّ والحرب، ومع ذلك، فإنّ السبب الدقيق لانهيار مايا لا يزال موضع نقاش بين الأثريّين والمؤرّخين، وإحدى النظريّات الّتي برزت في التسعينيّات كانت فكرة "جفاف المايا"، حيث اقترحت هذه النظريّة أنّ الجفاف المطوّل في منطقة المايا، إلى جانب الزيادة السكّانيّة والتدهور البيئيّ، أدّى إلى الانهيار.

واستخدمت دراسة نشرت في مجلّة "ساينس أدفانسيس" بيانات حلقات الأشجار لإعادة بناء أنماط هطول الأمطار في منطقة المايا على مدار 2000 عام الماضية، ووجدت أنّه في حين كانت هناك بعض فترات انخفاض هطول الأمطار خلال فترة انهيار مايا، فإنّ هذه الفترات لم تكن شديدة بما يكفي للتسبّب في انهيار واسع النطاق للحضارة، في حين تشير نظريّات أخرى إلى أنّ عدم الاستقرار السياسيّ أو الحرب أو المرض ربّما لعب دورًا في انهيار حضارة المايا، حيث اقترح بعض الباحثين أنّ الانهيار كان نتيجة مجموعة من العوامل، منها الحرب والتدهور البيئيّ الذي طال هذه المناطق.

ولا يزال إرث هذه الحضارة القديمة موضع بحث ودراسة من قبل العديد من العلماء والباحثين حول العالم، والذين يبحثون في آثارها، من فنّ وعمارة وأدب، ولا تزال مساهماتها في الرياضيّات وعلم الفلك تدرس في معظم جامعات العالم الكبيرة.

التعليقات