مع التبنّي الواسع للشبكات الاجتماعيّة والمجتمعات عبر الإنترنت، اكتسب الباحثون وصولًا غير مسبوق إلى كمّيّات هائلة من البيانات حول السلوك البشريّ، وأحدثت الشبكات الاجتماعيّة والمجتمعات عبر الإنترنت ثورة في طريقة تفاعل البشر وتواصلهم مع بعضهم البعض، وتوفّر هذه المنصّات الرقميّة فرصًا للأفراد للانخراط في المنصّة الاجتماعيّة الافتراضيّة ومشاركة المعلومات والتعبير عن الآراء، وبالتّالي، أصبح الباحثون مهتمّين بشكل متزايد بدراسة السلوك البشريّ في هذه المساحات عبر الإنترنت.
وتوفّر الشبكات الاجتماعيّة بيئة فريدة لدراسة السلوك البشريّ بسبب ثروة البيانات الّتي تولّدها، وخلصت دراسة أجريت عام 2018، أنّ أنّ الحالات العاطفيّة يمكن أن تنتشر من خلال الروابط الاجتماعيّة، كما وجدت أنّ المشاعر الإيجابيّة، على وجه الخصوص، لها تأثير أقوى على الآخرين من المشاعر السلبيّة.
وركّز الباحثون على دور التأثير الاجتماعيّ في تشكيل السلوك داخل الشبكات الاجتماعيّة، ومن خلال تحليل مجموعة بيانات واسعة النطاق، كشفت الدراسة أنّ سلوكيّات الأفراد تتأثّر بشكل كبير بصلاتهم الاجتماعيّة، حيث كان المستخدمون أكثر عرضة لتبنّي سلوكيّات معيّنة إذا كان أصدقاؤهم قد فعلوا ذلك بالفعل.
وحدّدت الدراسة العوامل التحفيزيّة الرئيسيّة، بما في ذلك الشعور بالانتماء، وفرصة اكتساب المعرفة، والرغبة في الدعم الاجتماعيّ، ويعدّ فهم هذه الدوافع أمرًا بالغ الأهمّيّة لتصميم مجتمعات فعّالة عبر الإنترنت تعزّز المشاركة والمشاركة المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك، سلّط الضوء على تكوين الهويّات على الإنترنت داخل المجتمعات، حيث أبرزت الدراسة كيف يمكن للأفراد إنشاء شخصيّاتهم عبر الإنترنت والتلاعب بها لتلائم سياقات اجتماعيّة محدّدة، ويمكن أن يكون للقدرة على تبنّي هويّات مختلفة في المجتمعات عبر الإنترنت آثار كبيرة على كيفيّة تفاعل الأفراد والتعبير عن أنفسهم.
وأصبحت منصّات التواصل الاجتماعيّ جزءًا لا يتجزّأ من حياة الناس، وتشكّل سلوكيّاتهم وآرائهم وتفاعلاتهم الاجتماعيّة، حيث استكشفت العديد من الدراسات تأثير وسائل التواصل الاجتماعيّ على السلوك البشريّ والمجتمع ككلّ.
ووجد الباحثون أنّ الأفراد الّذين تعرّضوا لرسائل تروّج للتصويت على فيسبوك كانوا أكثر عرضة للانخراط في أنشطة سياسيّة خارج الإنترنت، مثل التصويت في الانتخابات، كما وجد الباحثون أنّ الاستخدام السلبيّ المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعيّ، مثل التصفّح دون الانخراط النشط، كان مرتبطًا بانخفاض الرفاهيّة، ومن ناحية أخرى، ارتبطت المشاركة النشطة، مثل النشر والتفاعل مع الآخرين، بزيادة الرفاهيّة.
ومحاولات استكشاف السلوك البشريّ في الشبكات الاجتماعيّة والمجتمعات عبر الإنترنت لها آثار كبيرة على مختلف المجالات، بما في ذلك علم النفس وعلم الاجتماع والتسويق والسياسة العامّة، ومن خلال فهم ديناميكيّات التأثير الاجتماعيّ والمشاركة المجتمعيّة عبر الإنترنت وتأثير وسائل التواصل الاجتماعيّ، يمكن للباحثين والممارسين تطوير استراتيجيّات لتعزيز التفاعلات الإيجابيّة وتخفيف النتائج السلبيّة.
وتوفّر النتائج المتعلّقة بديناميكيّات الشبكات الاجتماعيّة رؤى حول كيفيّة انتشار العواطف والسلوكيّات عبر الشبكات عبر الإنترنت، وبحسب باحثين، فإنّه يمكن تسخير هذه المعرفة لتعزيز المشاعر والسلوكيّات الإيجابيّة، مثل تعزيز الرفاهية، أو تشجيع الإجراءات الاجتماعيّة، أو مكافحة انتشار المعلومات المضلّلة، ويمكن أن يكون للتدخّلات الّتي تستهدف الأفراد المؤثّرين داخل الشبكات الاجتماعيّة تأثير مضاعف، ممّا يؤدّي إلى تضخيم النتائج الإيجابيّة عبر المجال الرقميّ.
كما يعدّ فهم العوامل الّتي تدفع بالمشاركة النشطة في المجتمعات عبر الإنترنت أمرًا بالغ الأهمّيّة لتعزيز المشاركة وخلق بيئات شاملة، حيث يمكن لمنصّات المجتمع عبر الإنترنت تنفيذ ميزات تعزّز الشعور بالانتماء وتسهّل مشاركة المعرفة وتوفّر الدعم الاجتماعيّ.
اقرأ/ي أيضًا | الخروج من الغرف الصدويّة
ومجال دراسة السلوك البشريّ في الشبكات الاجتماعيّة والمجتمعات عبر الإنترنت لا يزال يتطوّر، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث بحسب باحثين، حيث يمكن أن تستكشف الدراسات المستقبليّة موضوعات مثل دور الخوارزميّات وأنظمة التوصية في تشكيل سلوك المستخدم، وتأثير المجتمعات عبر الإنترنت على السلوك غير المتّصل والعلاقات الاجتماعيّة، وتقاطع الهويّات عبر الإنترنت.
التعليقات