25/05/2023 - 19:25

اللغة والأعصاب: بين تأثيرات الجينات والبيئة المحيطة

ينطوي اكتساب اللغة، خاصّة أثناء الطفولة المبكّرة، على مرونة عصبيّة ملحوظة، إذ أظهرت دراسات التصوير العصبيّ أنّ الأطفال يظهرون نشاطًا دماغيًّا مرتبطًا باللغة حتّى قبل أن يبدأوا في إنتاج الكلمات

اللغة والأعصاب: بين تأثيرات الجينات والبيئة المحيطة

(Getty)

تعتبر اللغة واحدة من السمات الإنسانيّة الفريدة التي تمكّن من التواصل والتعبير عن الفكر والتفاعل الاجتماعيّ، وتتضمّن العمليّة المعقّدة لإنتاج اللغة وفهمها تنسيق الشبكات العصبيّة المختلفة داخل الدماغ البشريّ. في هذه المقالة، نتعمّق في العلاقة المعقّدة بين اللغة والأعصاب، ونستكشف دراسات علم الأعصاب الّتي تلقي الضوء على الآليّات العصبيّة الكامنة وراء معالجة اللغة، كما تعتبر جانبًا أساسيًّا من جوانب الإدراك البشريّ، حيث تمكّننا من التعبير عن أفكارنا وعواطفنا وخبراتنا.

وأدّى التمثيل اللغويّ في تقنيّات التصوير العصبيّ للدماغ، مثل التصوير بالرنين المغناطيسيّ الوظيفيّ (fMRI) والتصوير المقطعيّ بالإصدار البوزيترونيّ (PET)، إلى تفكيك الركائز العصبيّة لمعالجة اللغة، حيث لطالما ارتبطت منطقة بروكا ومنطقة فيرنيك، الواقعة في النصف المخيّ الأيسر، بإنتاج اللغة وفهمها، تلعب الحزمة المقوّسة، وهي مادّة بيضاء تربط هذه المناطق، دورًا مهمًّا في نقل المعلومات بينها، حيث أظهرت الدراسات الحديثة الّتي تستخدم تقنيّات تحفيز الدماغ أنّ تعطيل هذه المناطق الخاصّة بلغة معيّنة يؤدّي إلى ضعف في معالجة اللغة، ممّا يعزّز أهمّيّتها في وظيفة اللغة.

وينطوي اكتساب اللغة، خاصّة أثناء الطفولة المبكّرة، على مرونة عصبيّة ملحوظة، إذ أظهرت دراسات التصوير العصبيّ أنّ الأطفال يظهرون نشاطًا دماغيًّا مرتبطًا باللغة حتّى قبل أن يبدأوا في إنتاج الكلمات، وعندما يتعلّم الأطفال لغتهم الأولى، تخضع الشبكات العصبيّة المسؤولة عن معالجة اللغة لتغييرات هيكليّة ووظيفيّة، وسلّطت الدراسات حول ثنائيّة اللغة الضوء أيضًا على مرونة الدماغ، وكشفت التغييرات في الدوائر العصبيّة المرتبطة بالتحكّم في اللغة والوظائف التنفيذيّة.

وقدّم التحقيق في اضطرابات اللغة، مثل فقدان القدرة على الكلام وعسر القراءة، رؤى قيمة حول الأساس العصبيّ للّغة، وتؤثّر فقدان القدرة على الكلام، الّتي تنتج عادة عن تلف مناطق الدماغ المتعلّقة باللغة، على إنتاج اللغة أو فهمها، حيث أوضحت دراسات التصوير العصبيّ على الأفراد المصابين بالحبسة الكلاميّة الدور الحاسم للنصف المخيّ الأيسر في معالجة اللغة وإمكانيّة إعادة تنظيم وظائف اللغة في النصف الأيمن بعد الإصابة، حيث ارتبط عسر القراءة، وهو اضطراب في التعلّم يتميّز بصعوبات في القراءة والتهجئة، بأنماط تنشيط الدماغ المتغيّرة في المناطق المشاركة في المعالجة الصوتيّة.

وتتأثّر العلاقة بين اللغة والأعصاب بالعوامل الجينيّة والبيئيّة، إذ حدّدت الدراسات الجينيّة الجينات المرشّحة المرتبطة بالاضطرابات المتعلّقة باللغة، مثل FOXP2، والّتي تلعب دورًا مهمًّا في تطوّر الكلام واللغة.

إنّ الفهم الأعمق للعلاقة بين اللغة والأعصاب له آثار مهمّة على التدخّلات والعلاجات السريريّة بحسب علماء، حيث نهج إعادة التأهيل العصبيّ، مثل التحفيز المغناطيسيّ عبر الجمجمة (TMS) والارتجاع العصبيّ، تبشّر باستعادة وظائف اللغة لدى الأفراد الّذين يعانون من اضطرابات لغويّة، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن توجّه رؤى علم الأعصاب في معالجة اللغة تطوير التدخّلات المستهدفة لصعوبات تعلّم اللغة، وتعزيز استراتيجيّات تعليم اللغة الفعّالة.

وتقدّم التطوّرات في تقنيّات التصوير العصبيّ، إلى جانب النمذجة الحاسوبيّة وأساليب التعلّم الآليّ، آفاقًا مثيرة لمزيد من كشف العلاقة بين اللغة والأعصاب.

التعليقات