جمعية الثقافة العربية تنتزع ترخيصًا لإقامة مقرها في حيفا

صادقت لجنة الاعتراضات اللوائية للتخطيط والبناء في مدينة حيفا، الثلاثاء 10نيسان/ أبريل الجاري، على طلب ترخيص كانت قد تقدمت به جمعية الثقافة العربية عام 2015 لإقامة مقر لها في المدينة، وذلك بعد ثلاث سنوات من الصراع القضائي

جمعية الثقافة العربية تنتزع ترخيصًا لإقامة مقرها في حيفا

مخطط المشروع

صادقت لجنة الاعتراضات اللوائية للتخطيط والبناء في مدينة حيفا، الثلاثاء 10 نيسان/ أبريل الجاري، على طلب ترخيص كانت قد تقدمت به جمعية الثقافة العربية عام 2015 لإقامة مقر لها في المدينة، وذلك بعد ثلاث سنوات من الصراع القانوني والقضائي أمام المحاكم وهيئات التخطيط المختلفة التابعة للبلدية.

وجاءت هذه المصادقة رغم موقف بلدية حيفا المعارض بشدة لمشروع إقامة مركز ثقافي فلسطيني في المدينة، متذرعة بادعاءات قانونية تم تفنيدها جميعها بقرارات صدرت عن هيئات قضائية عديدة.

وتعود جذور القضية التي تابعها مكتب المحامي علاء محاجنة (القدس)، إلى عام 2012، حينما اشترت جمعية الثقافة العربية مبنى مهجورًا وسط مدينة حيفا، بهدف اتخاذه مقرًا لها، وإنشاء مركز ثقافي عربي فلسطيني مستقل في المدينة.

أثار شراء المبنى اعتراضات في أوساط اليمين الإسرائيلي، لا سيما أن ملكية المبنى كانت تعود لمنظمة "مكابي" الإسرائيلية. خرجت في أعقاب شراء جمعية الثقافة المبنى مظاهرات عديدة معارضة لتحويل العقار إلى ملكية عربية.

ولم يفوت اليمين المتطرف فرصة التحريض على الجمعية ومديرتها حينئذ، الراحلة د. روضة بشارة، حيث تم ربط المشروع بالمفكر العربي، د. عزمي بشارة، وشن حملة تحريضية عليه واعتبر أن هذا المشروع يأتي في سياق محاولات لاستعادة المباني العربية في مدينة حيفا، وإحياء الثقافة العربية الفلسطينية في الداخل.

ومارست القوى اليمينية ضغوطات عديدة على بلدية حيفا، وطالبتها بالتدخل لعدم السماح للجمعية بتنفيذ مشروعها الثقافي.

رضخت البلدية لهذه الضغوطات، ورفضت استصدار التراخيص اللازمة والمطلوبة لترميم المبنى لاستعماله كمركز ثقافي عربي. وعطلت المشروع ورفضت السماح لجمعية الثقافة العربية الشروع بترميم المبنى حتى الآن، من خلال رفضها مرة تلو الأخرى المخططات التي قدمتها الجمعية منذ شراء المبنى، معللة ذلك بذرائع مختلفة واهية وبغطاء قانوني تارة وغطاء تخطيطي- هندسي تارة أخرى.

حاولت الجمعية في البداية تنفيذ المشروع من خلال هدم المبنى القديم وإنشاء مبنى آخر عصري مكانه، يكون بمثابة مركز ثقافي، ليشكل حاضنة للحراك الثقافي لدى العرب الفلسطينيين في أراضي 48. ولكن البلدية رفضت هذا المشروع بشدة، وأكدت أنها لن تعطي الجمعية الترخيص المطلوب لتنفيذه. ما دفع الجمعية لتغيير إستراتيجياتها والاكتفاء بترميم المبنى القائم وتفعيله بأسرع وقت.

وكانت جمعية الثقافة العربية قد تقدمت عام 2015 بواسطة مكتب د. عبد بدران للهندسة، بطلب ترخيص معدّل يهدف إلى إجراء ترميمات على المبنى القائم بهدف سد الطريق على البلدية للبدء بتنفيذ المشروع على الأرض. لكن، حتى بعد تعديل طلب الترخيص وحصره بطلب ترميمات، أصرت البلدية على موقفها الرافض وحاولت على مدار أشهر التهرب من مناقشة الطلب بإثارة ادعاءات قانونية واهية.

قدمت الجمعية/ إزاء كل ذلك، التماسًا إلى المحكمة المركزية في حيفا، وتمكنت من استصدار قرار في الثالث من تموز/ يوليو 2016، بإرغام لجنة البناء والتخطيط المحلية مناقشة طلب الترميم. إثر هذا القرار، ناقشت لجنة البناء والتخطيط المحلية طلب الجمعية ورفضته، بقرارها الصادر بتاريخ 20 آب/ أغسطس 2016، معللة رفضها بأسباب قانونية وتخطيطية تفتقد لأيّ أساس قانوني.

وفي أعقاب هذا القرار، قدمت الجمعية اعتراضًا أمام لجنة الاعتراضات اللوائية في حيفا. وبتاريخ 19 نيسان/ أبريل 2017 صدر قرار لجنة الاعتراضات، الذي قبل جملة وتفصيلًا ادعاءات الجمعية وأبطل قرار اللجنة المحلية الذي رفض طلب الترميم، وأجبر البلدية على نشره وفق قانون التخطيط والبناء كمرحلة أخيرة قبل المصادقة عليه.

وعلى الرغم من قرار لجنة الاستئنافات، واستمرارًا لإمعانها في رفض المشروع، أصدرت اللجنة المحلية للتخطيط والبناء بتاريخ 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، قرارًا صادقت من خلاله على طلب الترخيص، لكن بشروط أفرغت المصادقة على الطلب من مضمونها وحولتها إلى غير قابلة للتنفيذ.

وفي أعقاب القرار، توجهت الجمعية مجددا بواسطة المحامي محاجنة، باعتراض آخر أمام لجنة الاعتراضات اللوائية في حيفا، مطالبة المصادقة على طلب الترميم وفق الطلب الذي تم تقديمه، وإبطال الشروط التي فرضتها البلدية. وأصدرت لجنة الاعتراضات قرارها، الثلاثاء 10 نيسان/ أبريل الجاري، والذي قبل الاعتراض وأقر المصادقة على طلب الترخيص الذي تقدمت به الجمعية، وسط انتقاد واضح، دونته بالقرار، لتوجه البلدية المتعنت وموقفها غير المبرر من المشروع.

وفي هذا السياق، أوضح المحامي محاجنة لـ"عرب 48" أن "استخدام آلية التخطيط للحد من تطوير الحيز والتوسع العمراني للفلسطينيين ليس بجديد". وأشار إلى أن "هذا الأمر ينطبق على البلدات العربية في أراضي 48، وعلى ما يبدو فهو صحيح أيضا في المدن المختلطة مثل مدينة حيفا".

وأوضح أنه "بالرغم من شعور الانتصار نتيجة انتزاع المصادقة على الترخيص بعد معركة قانونية طويلة، إلا أن هذة التجربة تكشف مجددا توجه المؤسسة الحقيقي تجاه الفلسطينيين، وهي بجوهرها معارضة للمشاريع التي من شأنها النهوض بالمجتمع العربي وتطويره في مجالات عدة وعلى رأسها المجال الثقافي".

وفي تعليقه على موقف البلدية، يقول د. محمود محارب، رئيس الهيئة الإدارية في الجمعية، لـ"عرب 48": "موقف البلدية الرافض إعطاء الترخيص يعود إلى أسباب سياسية عنصرية واضحة متعلقة بعدم رغبة البلدية السماح بإنشاء مركز ثقافي عربي مستقل في مدينة حيفا، تقوم عليه جمعية عربية فلسطينية تحمل مشروعًا ثقافيًا وطنيًا تنويريًا يسعى للحفاظ على الثقافة العربية وتعزيزها. وقد جاء موقف البلدية في ظل مناخ سياسي معادٍ للعرب الفلسطينيين ويزداد عنصرية ضدهم، تحت حكم اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة حكومة بنيامين نتنياهو".

بدوره، قال المهندس بدران لـ"عرب 48" إن "القرار جاء انتصارًا على سياسة بلدية حيفا في صناعة الهويات للحيز العمراني في حيفا، ويكشف كم هي أدوات التنفيذ للمشروع الإسرائيلي في دهائها، وإصرارها على شمولية وأحادية ثقافة الحيّز المديني".

وتابع أنه "في هذه المرة تفوقت البلدية على نفسها في اختراع الذرائع. فقد حاولت أن تفرض على المشروع مخططًا افتراضيًا لا وجود له، فاستحضرت حركة سير وهمية لتقطيع أوصال المشروع ووظائفه، ولتغيب الإنسان وأهميته. المشروع الإسرائلي لا يتوانى في تجنيد كل موارده؛ التصميم، الثقافة، والتخطيط لضرب أي محاولة  لاستمرار ليبرالي عربي في مدينة حيفا".

اقرأ/ي أيضًا | جمعيّة الثقافة العربيّة تحتفي بالطالبات الفائزات بمسابقة القصّة القصيرة

 

التعليقات