طه يروي قصته: من الإصابة بكورونا حتى الشفاء

سرّح قسم النّصر المخصّص لحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ في مستشفى الناصرة الإنجليزي أول مريض كورونا استقبله القسم، وهو طالب الطّب من قرية دبّورية، محمد طه، الذي شُخّصت إصابته بالفيروس مؤخّرًا، وبعد عودته من بوخارست في رومانيا حيث كان يدرس الطّب

طه يروي قصته: من الإصابة بكورونا حتى الشفاء

الشاب محمد طه

سرّح قسم النّصر المخصّص لحالات الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ في مستشفى الناصرة الإنجليزي أول مريض كورونا استقبله القسم، وهو طالب الطّب من قرية دبّورية، محمد طه، الذي شُخّصت إصابته بالفيروس مؤخّرًا، وبعد عودته من بوخارست في رومانيا حيث كان يدرس الطّب في سنته الرابعة.

وفيما كان يستقبل المستشفى حالتين جديدتين، غادر طه القسم أمس، الأربعاء، بعد أن تماثل للشّفاء من إصابته بالفيروس، وكان لموقع "عرب 48" لقاء معه فور مغادرته المستشفى.

"عرب 48": متى عدت إلى البلاد؟ وكيف أُصبت بعدوى كورونا؟

طه: عدت إلى البلاد في التاسع من آذار/ مارس الماضي، حين توقفت الجامعات عن التعليم في رومانيا بسبب الوباء، وفور عودتي دخلت إلى حجر صحي منزلي، والتزمت به لمدة 14 يوما دون أن تظهر عليّ أيّة أعراض مرضيّة، وبعد انتهاء فترة الحجر بدأت أخرج لأشتري حاجيات البيت وشعرت بأنني تعرضت للعدوى في أحد المخابز في القرية في الأول من نيسان/ أبريل الجاري.

"عرب 48": هل كانت هناك حالات إصابة بمرض "كورونا" في القرية في ذلك الحين؟

طه: نعم بالطبع كانت هنالك عدّة حالات مشخّصة ومؤكدة في القرية، وقد وصل عدد حالات الإصابة إلى 29 قبل نحو أسبوعين.

"عرب 48": بماذا شعرت، وما الذي جعلك تتوجه لإجراء الفحص؟

طه: لم تظهر عليّ أعراض المرض المعروفة، ولكنّني تلقيت رسالة من تطبيق "مغين" وترجمتها "الدرع". في الرسالة جاء أنني كنت قد تعرضت لمريض "كورونا" بتاريخ 1 نيسان/ أبريل 2020، بالمقابل شعرت بتغيرات طرأت على جسمي، وخاصة أظافر اليدين، وكنت قد تعلمت في إطار دراستي للطب عن هذا الأمر الذي قد لا يلحظه سائر الناس، لذلك قررت التوجه للفحص في محطة الفحص التي أقيمت في المجلس المحلي بالقرية، وبصراحة لم أتوقع أن أحصل على نتيجة "إيجابية" للفحص، توجّهت إلى هناك من أجل الاطمئنان على صحتي فقط.

"عرب 48": كيف تلقيت خبر الإصابة بالعدوى؟

طه: بعد مضي نحو 30 ساعة على إجرائي للفحص، تلقيت اتصالا من طبيب وأبلغني بأن الجواب "إيجابي" وأنني مصاب بعدوى المرض (كورونا).

"عرب 48": هل وضعت نفسك في عزل منذ لحظة إجراء الفحص حتى حصولك على النتيجة؟

طه: طبعا، التزمت بالعزل وحاولت ألّا أكون باتصال مباشر مع أحد، حتى أفراد عائلتي، وبعد أن حصلت على النتيجة توجهت بطلب إلى رئيس المجلس المحلي زهير يوسف، وإلى وزارة الصحة، بأنني أفضل العزل بعيدا عن البيت والعائلة، لأنه يتعذر عليّ إجراء عزل صحي كامل وأنا داخل البيت.

"عرب 48": هل شعرت بالخوف حين تلقيت نتيجة الفحص وأدركت انك مصاب بفيروس كورونا؟

طه: في الحقيقة لا، تقبلت الموضوع بصبر، وبحكم دراستي ومعرفتي في مجال الطب أعلم جيدا ما هو هذا الفيروس، وما أعراضه وإلى أي مدى يمكن أن يصل في أقصى حدوده؛ وفي المقابل، أنا أعرف جسمي جيدا وجهاز مناعتي القوي بحكم سني الصغيرة، لذلك لم أذعر أو أهلع.

"عرب 48": هل ترى أن السبب في حالة الخوف والذعر التي تسود العالم هو عدم معرفة النّاس بقوّة مناعتهم مقابل مدى تأثير الفيروس؟

طه: نعم هذا صحيح جزئيا، وليس كليًّا، لأن هذا الفيروس يأتي من عائلة فيروسات نعرفها من قبل، وهي عائلة سارس وإنفلونزا الخنازير، لذلك فإن مدى الأعراض التي قد يصل إليها في أقصى حدوده معروفة؛ أمّا بالنسبة لموضوع المناعة فإن الإنسان بالطبع قادر على معرفة قوة مناعته من معرفته للأمراض التي يعاني منها. فمريض فيروس إيدز، يعرف انه مريض بداء نقص المناعة، وهذا الأمر يجعلك تستطيع أن تتوقع إلى أي مدى قد يؤثر عليك الفيروس. كذلك فمن المهمّ الحفاظ على قوة الإرادة والرغبة في الشفاء، لأن حالة الذعر والخوف قد تعطل جهاز المناعة أو تضعفه، بالتّالي يجب التعامل مع الموضوع برويّة وصبر وليس بهلع وخوف.

كذلك، فمن المهمّ في هذه الفترة محاولة الابتعاد عن الناس، دون المراهنة على مناعة الإنسان أو مناعة الآخرين، فوالدي على سبيل المثال يعاني من مرض مزمن، وكان من الممكن أن أُعرض حياته للخطر، لذلك اتخذت هذه الخطوة بضرورة الخروج من البيت ومن البلدة، وأن أقضي مدة المرض في مكان آمن ومجهز ويضمن عدم تعريض سلامة الآخرين للخطر.

الشاب محمد طه

"عرب 48": هل كان لديك رغبة في إخفاء موضوع إصابتك بالمرض؟

طه: لا، على العكس تماما، فقد كان أول ما فعلته أن نشرت مدونة على صفحتي بموقع التواصل الاجتماعي، بأني مريض كورونا وأن على كل شخص يعرف بأنه كان على تواصل معي خلال اليومين الماضيين أن يعزل نفسه أو يتوجّه لإجراء الفحص. فلا عيب في الإصابة أو الحديث عنها، بل على العكس ففيها زيادة للوعي لدى الناس، وكل من كان باتصال معي توجه لإجراء الفحص والحمد لله أن جميعهم بخير ونتائجهم سلبية. وقد بعث هذا الأمر على الارتياح إذ كنت لأشعر بالذنب لو أنني تسببت بإصابة بأحد من أفراد عائلتي.

"عرب 48": من خلال تجربتك، هل تعتقد بأن انتقال العدوى يحدث بسهولة؟

طه: بصراحة الأمر لا يزال غير واضح، فما حدث معي أمر غير مفهوم، فأنا باعتقادي أصبت بالعدوى عن طريق الهواء، لأنني حين دخلت إلى المخبز، لم أقم باتصال مباشر مع أحد، ولم ألمس شيئا كذلك، وكنت أضع كمامة الوجه والقفازات، وملتزمًا بالتعليمات، في حين أنني عندما عدت إلى البيت، ورغم حرصي على الحفاظ على مسافة مع عائلتي، إلا أنّه بطبيعة الحال كان هنالك قرب معين وحتى ملامسة بالأيدي، وتناولنا الطعام على نفس المائدة ولم يصب أحد بالعدوى، لذلك فإن انتقال العدوى أمر غير مفهوم وغير واضح حتى اليوم وفقا لتجربتي.

"عرب 48": كيف كانت مرحلة التعافي؟ وما هي الأدوية الّتي احتجتها؟

طه: مرحلة التعافي كانت عبر فحوصات روتينية يومية منذ لحظة وصولي إلى "قسم النصر 1" في المستشفى الإنجليزي بالناصرة، فحص دم، ضغط الدم، فحص الحرارة والنبض، كل هذه الفحوصات كانت تجرى لي 3 مرات في اليوم.

"عرب 48": هل ظهرت عليك أعراض ارتفاع درجة الحرارة، سعال، ضيق تنفس؟

طه: لا، لم أشعر بأعراض المرض ولم أعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، منذ بداية العدوى وحتى الشفاء التام.

"عرب 48": هل تعتقد أن جسمك طوّر مناعة ضد الفيروس ولن تكون هنالك عدوى مرة أخرى؟

طه: منطقيا، أعتقد أن جسمي طور مناعة ضد هذا الفيروس.

"عرب 48": بصفتك موشكًا على أن تكون طبيبا متمرنا، هل ستكرّس جهدا الآن للعمل وسط مرضى كورونا؟

طه: أنا على استعداد للمساعدة قدر الإمكان، وأدعو كل من أصيب وتعافى أن يتجند لتقديم المساعدة سواء بالتبرع بـبلازما الدم أو غير ذلك، فهذا واجب إنسانيّ على كل واحد منا.

"عرب 48": هل لديك نصيحة توجهها لمرضى كورونا من خلال تجربتك؟

طه: كما قلت لك التفاؤل والراحة النفسية وعدم الخوف هي مفاتيح النجاة في مواجهة كورونا. هذه الشدّة لا بد أن تزول والمرض غير خطير. فمثلا، أنا لم أستسلم للتشخيص، وتجاهلت المرض وكنت أشغل نفسي على الدوام في أمور مفيدة ولم أجلس وحيدا مع المرض رغم العزلة.

"عرب 48": كيف تعامل معك الطاقم الطبي؟ هل اقتربوا منك أم تركوك في عزلة طوال الوقت؟
طه: كانوا يدخلون إليّ فقط وقت الضرورة القصوى لمرة أو مرتين في اليوم، وأنا كنت حريصا على عدم تعريض الطاقم للعدوى مني، وأناشد المرضى بأن لا يأخذوا الأمر بحساسية، إذ أنّ تفادي انتقال العدوى إلى الطواقم الطبية هو أمر في غاية الأهمية حسب رأيي؛ وبابتعادهم عني أنا احمي نفسي وأحميهم.

"عرب 48": سؤال أخير.. هل حسب رأيك هذا المرض يستدعي كل هذه الإجراءات الوقائية التي تسببت بخسارات اقتصادية هائلة وانهيار منظومات صحية في العالم؟

طه: حسب رأيي نعم الأمر يستحق كل هذه الإجراءات، ويجب عدم الاستهتار بصحة الناس وخاصة كبار السن والمرضى. صحيح أن شريحة من الناس قد لا تموت بسبب الفيروس الذي لن يكون الفيروس فتاكا لو تعرضت له، لكن واجبنا الإنساني، وواجبي كطبيب متمرن أن نحمي هذه الفئة الضعيفة من كبار السّن الذين يشكّلون شريحة مهمّة بينها أجدادنا.

التعليقات